< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/07/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النفسي والغيري:

الاقوال حول وجوب المقدمة.

توجيه الشيخ النائيني لرأي الشيخ الانصاري (ره) وذلك بإرجاع الحيثية التعليلية إلى الحيثية التقييدية في الاحكام العقلية.

ذكرنا ان هناك أقوال في مسألة مقدمة الواجب: قول بالوجوب مطلقا، وقول بعدم الملازمة مطلقا، وقول صاحب المعالم وهو عند إرادة الاتيان بذي المقدمة تجب المقدمة، أي ان ذي المقدمة تكون قيدا لوجوب المقدمة. ففي اللهجة اللبنانية (بدّك تصلي بدك تتوضأ) وفي اللهجة العراقية ( تريد تصلّي يكون تتوضأ) أي ربط وجوب المقدمة بإرادة ذيها. والقول الرابع للشيخ الانصاري (ره) بانه ليس هناك قيد للوجوب بل هناك قيد للواجب أي ان المقدمة الواجبة هي حصة خاصة.

وهنا لا بأس بذكر ما وجهّ به المحقق النائيني (ره) مراد الشيخ الانصاري (ره) بما ملخصه: أن قصد التوصل حيثية تعليلية لوجوب المقدمة، وهي حيثية عقليّة، والحيثيات التعليلية ترجع إلى التقييدية في الأحكام العقلية.

وقلنا ان الفرق بين قول الشيخ الانصاري وصاحب المعالم بان القيد عند صاحب المعالم يعود للوجوب وعند الشيخ الانصاري يعود للواجب.

ومنطلق الشيخ (ره): إن المقدمة الواجبة هي حصّة خاصة من كلي المقدمة، والوجوب تعلّق بعنوان المقدمة، وعنوان المقدمة هو خصوص ما قصد بها التوصل.

من هنا جاء الاشكال عليه: بأن قصد المقدميّة حيثية تعليليّة وليس حيثية تقييدية، والحيثية التعليليّة تكون خارجة عن المقيّد وعن القيد، فكيف تكون الحيثية التعليليّة واجبة؟

بعبارة اخرى: ان المقدمة الواجبة هي المقدمة التي اقصد بها التوصل أي ان عنوان قصد التوصل هو نفس عنوان المقدمية، مثلا: اصبح المشي للحج الذي اقصد به التوصل إلى الحج هو الواجب. أما إذا كان المشي من دون قصد التوصل إلى الحج لم يكن واجبا غيريا.

فالقصد والمقدمية حيثية تعليلية لثبوت الوجوب، والحيثية التعليلية تكون خارجة عن القيد، مع العلم أن الشيخ الانصاري جعل تعلق الوجوب الغيري الافعال مع قصد التوصل، وها يعني أن التوصل جزء من متعلق الوجوب، أي هو بالحيثية التقييدية، مع العلم ان المقدمية حيثية تعليلية؟!

تصدى الشيخ النائيني (ره) لتوجه كلام الشيخ الانصاري (ره) ملخصه لما فيه من فائدة: ان الحيثيات التعليلية في الاحكام العقليّة ترجع إلى الحيثيات التقييدية. الحيثيات التعليلية تكون خارجة عن وجوب القيد، لكن الحيثيات التقييدية تكون داخلة في القيد، في متعلق الوجوب للمقدمة، تكون نفس افعال المقدمة زائد قصد التوصل، فيكون قصد التوصل جزء من متعلق الوجوب. يصبح المتعلق عبارة عن أمرين دخل قصد التوصل – المقدمية – فيه.

فإذا قلنا ان المقدمية حيثية تقييدية دخلت في الوجوب وارتفع الاشكال. أما إذا قلنا بانه حيثية تعليلية خرجت عن المتعلق فيقع الاشكال.

إذن مصب الاشكال هو في ان قصد التوصل هو نفس المقدمية، والمقدمية حيثية تعليلية، والحيثية التعليلية خارجة عن القيد، أي خرجت عن متعلق الوجوب، فكيف صار؟! وانت تقول ان المقدمة الواجبة هي حصة خاصة أي المقدمة التي يقصد بها التوصل؟

لذا الشيخ النائيني (ره) تصدى لتوجيه كلام الشيخ الانصاري (ره) ولا بأس بذكر كلامه.

ما ملخصه: ان قصد التوصل حيثية تعليلية لوجوب المقدمة وهي حيثية عقلية، والحيثيات التعليلية ترجع في خصوص الاحكام العقلية إلى التقييدية.

يقول السيد الخوئي (ره) في المحاضرات: وقد تصدى شيخنا المحقق (قدس سره) إلى توجيه مراد الشيخ (قدس سره) ببيان أمرين:

الأول: أن الجهات التقييدية إنما تمتاز عن الجهات التعليلية في الأحكام الشرعية، فإن العناوين المأخوذة في متعلقاتها كعنوان الصلاة والصوم ونحوهما من الجهات التقييدية، ومن هنا يعتبر الإتيان بها بقصد العناوين المزبورة، وإلا لم يؤت بما هو مصداق للواجب [1] . وأما الملاكات الكامنة في متعلقاتها فهي جهات تعليلية. [2]

فالنتيجة: أن الجهات التعليلية في الأحكام الشرعية غير الجهات التقييدية.

وأما في الأحكام العقلية فالجهات التعليلية فيها راجعة إلى الجهات التقييدية، وأن الأغراض في الأحكام العقلية عناوين

لموضوعاتها [3] ، ولا يفرق في ذلك بين الأحكام النظرية والأحكام العملية. [4]

أما الأولى: فلأن حكم العقل باستحالة شيء بسبب استلزامه الدور أو التسلسل حكم باستحالة الدور أو التسلسل بالذات [5] ، وحكمه باستحالة اجتماع الأمر والنهي [6] - مثلا - من ناحية استلزامه اجتماع الضدين حكم باستحالة

اجتماع الضدين كذلك ... [7] ، وهكذا، فتكون الجهة التعليلية فيها بعينها هي الموضوع لحكم العقل [8] .

وأما الثانية: فلأن حكم العقل بحسن ضرب اليتيم للتأديب - مثلا – حكم بحسب الواقع والحقيقة بحسن التأديب [9] ، كما أن حكمه بقبح الضرب للإيذاء حكم في الواقع بقبح الإيذاء ...، وهكذا، فتكون الجهة التعليلية فيها بعينها هي الجهة التقييدية والموضوع للحكم.

فالنتيجة ان الاحكام التعليلية في الاحكام العقلية راجعة للتقييدية، وإذا رجعت للتقييدية يكون قصد التوصل تقييدا فيرتفع الاشكال الذي هو ان قصد التوصل لا يكون تقييدا لأنه حيثية تعليلية. هذا ما ذكره الشيخ النائيني في توجيه كلام الشيخ الانصاري (ره).

غدا ان شاء الله نكمل.


[1] أي ان الجهات التقييدية تمتاز عن الجهات التعليلية بالمجعولات الشرعية أو فيما امضاه الشارع، سواء كانت معاملات أو عبادات كما في الصلاة، الصلاة افعال زائد قصد الافعال وكذا في الصوم، الصوم امساك زائد قصد الصوم. فالقصد تقييد لمتعلق الوجوب – الحكم – وليس تعليلا. وكذا في المعاملات كالبيع وغيره. وهذا لا اشكال فيه فالقصد جزء المتعلق. انما الكلام في قصد التوصل هل هو جزء المتعلق؟ إذا لم يقصد العنوان فالعبادة باطلة، يعني ان قصد العنوان جزء تقييدي لمتعلق الوجوب.
[2] فمثلا: وجوب الصوم لأنه جنّة من النار، " فالجنّة من النار " ملاك موجود في الصوم وعلّة لإثبات الوجوب، فالملاكات الكامنة ضمن الافعال حيثيات تعليلية وعلّة لثبوت الحكم. و " الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " الصلاة فيها ملاك داخلي وهو " النهي عن الفحشاء " النهي عن الفحشاء موجود لكنه يكون حيثية تعليلية، علّة في ثبوت الوجوب للصلاة هو كونها تنهى عن الفحشاء، فالنهي عن الفحشاء ليس تقييدا للمتعلق، بل علّة لثبوت الوجوب.
[3] مثلا: يجوز ضرب الصبي تأديبا، يعني أن الضرب نافع ومؤدب، فعلّة الجواز هي التأديب. فالغرض الذي هو حيثية تعليلية وموجود وكامن ضمن الفعل. فكانه يقول: أن التأديب مستحب ويكون بالكلام بالحبس بالضرب، فصار الضرب مصداقا للتأديب، فصار عنوان التأديب مأخوذا في موضوع وعنوان جواز الضرب، ولذلك صار مقصودا.
[4] مقصوده حكم العقلي النظري والعملي، من قبيل حكم العقل العملي: " كالعدل حسن " " والظلم قبيح " والاحكام العقلية " كواحد زائد واحد يساوي اثنين "، ولا فرق بينهما في كون الاغراض عناوين لمتعلقات الحكم، ولذلك اصبحت مصداقا لها. ولكونها اصبحت مصداقا صار الضرب المؤدب هو الجائز وليس مطلق الضرب في المثال السابق. فصار التأديب الذي هو الغرض عنوان للضرب الذي هو المتعلّق، فصار قيدا فيه وهو علّة له.
[5] من قبيل قوله: ان هذا الامر يؤدي إلى التسلسل ودور وهو باطل، وهذا من مصاديق الدور والتسلسل فلذلك هو باطل، ففي الحقيقة الواجب أو المحرم أو الممنوع عقلا هو نفس الدور والتسلسل وهذا مصداق له.
[6] سنرى في درس الاصول ان اجتماع الامر والنهي في امر واحد عقلا محال، اما إذا اجتمعا موردا في اثنين فلا اشكال. لذلك قلنا انه إذا كان متعلق الامر " اكرم العالم ولا تكرم الفاسق " و " زيد عالم فاسق ". إذا كان متعلق الامر مفهوم وكلي العالم ومتعلق النهي كلي الفاسق لا يرد الاشكال لانهما اجتمعا في" زيد " موردا ولم يجتمعا تعلقا وموضوعا. أما أذا كان متعلق الحكم نفس " زيد " يكون هو بنفسه مأمور به ومنهي عن اكرامه، فيقع الاشكال.
[7] من قبيل: " اكرم العالم " فأكرمت زيدا، اكرام زيد ليس لأنه زيد، الموضوع التام، بل اكرامه لأنه عالم، فتكون القضية " اكرم زيدا العالم " فصار الفرد فردا لمتعلق الحكم الذي هو " العالم " وصار " العالم " دخيلا في المتعلّق، وكرمت زيدا لأنه مصداق للعالم، فصارت العالمية جزء من متعلّق وجوب الاكرام.
[8] أي انها اصبحت جهة تقييدية.
[9] احكام العقل العملية: يكون متعلق حكم العقل هو التأديب وهذا مصداق له، ودخل المفهوم في المصداق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo