< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النفسي والغيري:

الأصل في اللفظي والأصل العملي في مسألة الوجوب الغيري، المقدمة.

الأصل في المسألة:

تارة نتكلم عند الشك في الأصل اللفظي، وتارة في الأصل العملي، وفي كل منهما: تارة نتكلم في الملازمة أي في المسألة الأصولية، وتارة نتكلم في نفس الوجوب أي في المسألة الفقهية، في الحكم الفرعي الشرعي.

أما الأصل اللفظي، أي ما دل عليه النص لفظا إما ظهورا. في الظهور اللفظي بالدلالات الثلاث: مطابقية وتضمنية والتزامية، والمفاهيم كمفهوم الشرط واللقب والوصف والغاية والعلّة والعدد، كلها تدخل في الظهور وأما في غير الظهور: بلازم المراد [1] : الاقتضاء والتنبيه والاشارة أو غير ذلك مما يمكن ان نتصوره ويستفاد.

أما الدلالة المطابقية والتضمنية فلا دلالة للفظ الواجب النفسي على وجوب المقدمة، ولا على الملازمة.من قبيل " أقم الصلاة " لا تدل على وجوب المشي بالدلالتين الأوليين. وهذا واضح لا يحتاج إلى بيان.

أما الدلالة الالتزامية، وهي لزوم اللازم عقلا أو عرفا وكل عرف بحسبه أو شرعا. بحيث ينتقل الذهن من الملزوم (وجوب ذي المقدمة) إلى اللازم (وجوب المقدمة) بمجرد إطلاق لفظ ذي المقدمة، والمقصود من الدلالة الالتزامية هنا هي الدلالة الالتزامية بالمعنى الأخص. أما الدلالة الالتزامية غير البيّنة او البيّنة بالمعنى الاعم، فليست حجة من باب الظهور مثلا: في الارقام إذا قسمناها على عدد ما، في هذه المعادلة لا ينتقل الذهن من الرقم والتقسيم مباشرة إلى النتيجة، ولكن العقل يدل عليه جزما، وهذا ليس ظهورا، هذه دلالة التزاميّة غير بيّنة أصلا لكنه دليل وحجّة وتدخل في الأصل اللفظي.

وقد صوّرت الدلالة الالتزامية العقلية بثلاثة صور:

الصورة الأولى: ما عن الأشاعرة وملخصها: أن المولى إذا أوجب شيئا فلا بد له من إيجاب جميع مقدمات ذلك الشيء وإلا، أي وإن لم يوجب تلك المقدمات جاز تركها، وهذا يستلزم أحد محذورين:

إما أن يبقى وجوب ذي المقدمة بحاله وهو محال لأنه تكليف بما لا يطاق. أي تستطيع ترك المقدمة وواجب عليك ذي المقدمة، وذي المقدمة لا يتم إلا بالمقدمة. نتيجة قولهم ان العقل يحكم بوجوب المقدمة لا بجواز تركها.

أو لا يبقى وجوبه بحاله، بل يصير مشروطا بحصول مقدمته، فيلزم عندئذ انقلاب الواجب المطلق إلى المشروط. أي اصبح الاتيان بالمقدمة قيدا لوجوب ذي المقدمة، أي ان الصلاة تجب عند الاتيان بالمقدمة. النتيجة ان الصلاة وجوبها متوقف على الإتيان المقدمة.[2]

والجواب بكل بساطة: أولا: إن هذا دليل على الوجوب العقلي وليس دليلا على الوجوب الشرعي، الجعل وهو محل الكلام.

وثانيا: إن هذا اللازم ليس لازما عقليا بيّنا بالمعنى الأخص، أي ليس له ظهور لفظي. بدليل الحاجة فيه إلى الاستدلال، وحينئذ لا انتقال للذهن في البين. قد يقال: أن التلازم بمعنى لازم المراد، بالمعنى الاعم. نقول: هذه دعوى.

الصورة الثانية: ما ذكره صاحب الكفاية (ره) من أن الأوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات تدلنا على إيجاب المقدمة حين إرادة ذيها، مثل قوله تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ( المائدة،اية 6. وقوله (ع) " إغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه " وما شاكل ذلك. ومن الواضح أنه لا بد من أن يكون لهذه الأوامر ملاك، وهو لا يخلو من أن يكون غير ملاك الواجب النفسي، أو يكون هو المقدميّة.

فعلى الاول يلزم أن تكون الأوامر نفسية، وهو خلاف الفرض، فيتعين الثاني – المقدميّة -، ومع ضميمة عدم الخصوصية لما ورد يتعدّى استنتاج وجوب المقدمة بالمقدمية إلى كل مقدمة.

وعليه يكون هذا وجه لجعل اللفظ يدل باللزوم العقلي على وجوب المقدمة.

غدا ان شاء الله نبيّن الجواب على الصورة الثانية.


[1] انا اصطلحت وعبّرت بلازم المراد مما يؤخذ من نفس اللفظ كبعض المضامين من قبيل: " رفع عن امتي ما لا يعلمون " مأخوذ من نفس اللفظ لا من أدلة عقلية، نفس اللفظ يستبطن معنى المنّه على المكلفين. نوع من الدلالة التضمنية لكن دلالات معنوية لا دلالات نفس اللفظ. هذا الاصطلاح يفيدني في اللوازم غير البيّنة بالمعنى الاخص، في التنبيه في الاقتضاء في الاشارة. من قبيل: " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " ثم " فصاله في عالمين " في كلتا الآيتين المراد ظاهر نفس اللفظ، وبالجمع نصل إلى نتيجة ان اقل الحمل ستة اشهر. هذا ليس مرادا من الآية ويتم الكلام من دونه، لكن بالجمع بين الآيتين نصل لهذه النتيجة. هذا ليس مرادا لكنه لازم بالمعنى الاعم للمقصود، سميّته لازم المراد بالمقصود حتى افصل بين اللوازم.
[2] ذلك بعكس قول صاحب المعالم الذي ذهب إلى أن إرادة ذي المقدمة قيدا لوجوب المقدمة.للتذكير: المطلق والمشروط هو بلحاظ الوجوب، اي بلحاظ الحكم. والمعلق والمنجز وعود القيد إلى المادة بلحاظ الواجب، أي بلحاظ الفعل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo