< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/01/30

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: مسألة النهي عن الضد.

     اتحاد المتلازمين او اختلافهما في الحكم.

     جواز خلو الواقعة عن الحكم الظاهري.

     عدم جواز خلو الواقعة عن الحكم الواقعي والادلة على ذلك ومحاكمة الادلة.

نكمل مسألة عدم جواز خلو الواقعة عن حكم، وقسمنا الكلام إلى انه تارة نتكلم في مرحلة الحكم الظاهري، وتارة نتكلم في مرحلة الحكم الواقعي.

اما في الحكم الظاهري قلنا انه يمكن ان تخلو الواقعة من حكم، لا مانع من ذلك. وذكرنا ادلّة على ذلك في عدّة امور:

الاول: أنه لا مانع من ذلك عقلا ولا يلزم خلل للنظام العام.

الثاني: ان الاحكام الظاهرية موضوعها الشك والجهل، والظاهر انه لا بد ان يكون فيه التفات. موضوع الاصول ليس مجرد عدم العلم، بل هو الشك وعدم الغفلة حتى يجري الاصل.

الثالث: في حال القطع الخاطئ: ان القطع ( الطريقي) بذاته لا يؤدي إلى جعل فلا يكون هناك حكم. في حالات الجهل المركب التي اقطع فيها ويكون خلاف الواقع، يكون القطع مجرد مرآة اظهرت غير الحقيقة، وهم وقعت فيه، هذا لا يؤدي إلى جعل.

الرابع: في حال الامارة الخاطئة: الامارات هي ما كانت تكشف عن واقع سواء كانت لسانية لفظية او غير لفظية لبيّة من اتفاق أو شهرة او غير ذلك على نحو الظن، وهي عبارة عن طريق ومرآة محض لكشف واقع، لا تنشئ أحكاما على ما هو التحقيق والمختار. بل هي كاشفة عن الحكم الواقعي مع الاصابة، ومجرد وهم مع عدمها، ولذا فوظيفتها التنجيز عند الاصابة والتعذير عند الخطأ. وليس من شأنها إنشاء حكم، وهي لا تنشئ حكما لا واقعيا وإلا وقعنا في التصويب، ولا ظاهريا لأنها مجرد وسيلة تخطئ وتصيب. إذن ففي الامارات لا يوجد حكم ظاهري، فتخلو الواقعة عنه.

إذن توجد عدة موارد ووقائع يمكن أن تخلو عن الحكم الظاهري.

اما خلو الواقعة عن الحكم الواقعي الذي ارسل ارسال المسلمات، فالمتجه هو عدم جواز ذلك لأمور:

 

الاول: إن المرحلة الاولى أو ما يعبر عنه بمبادي الاحكام الاولى هي مرحلة الاقتضاء [1] ، وهي مرحلة المصالح والمفاسد، سواء كان المعنى المقصود هو جزء العلّة كما هو الاصطلاح، أو العلّة التامة. وهي مرحلة المصالح والمفاسد، وذلك أن الفعل إن كان فيه مصلحة فقد يكون فيه مفسدة معارضة وقد لا يكون، وبعد الكسر والانكسار كما يقول تعالى: ) يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ( البقرة 219 بعد هذه المرحلة يكون إنشاء الحكم. فالإنشاء جعل وليس اظهارا للمصلحة.

والفعل لا يخلو إن يكون فيه مصلحة سواء أكان في المتعلّق أو في الحكم، أو مفسدة كذلك أو يتساوى فيه الطرفان أو ينتفيا.

في الحالة الاولى يرجح الفعل فيكون واجبا أو مستحبا.

وفي الحالة الثانية يكون مرجوحا، فيكون حراما أو مكروها.

وفي الحالة الثالثة والرابعة يكون مباحا، بإباحة اقتضائية أو عدمية، ومعنى الاقتضاء فيها هو اعطاء الحرية للعبد في حركاته وسكناته بالنسبة لهذا الفعل. في هذه الحالة إذا قلنا ان الاباحة تقتضي انشاء حكم هنا حينئذ ذهبنا إلى القول أن جميع الوقائع لا تخلو عن حكم، اما راجح او مرجوح او مباح. وإذا قلنا ان الاباحة ليست حكما فحينئذ في هذه الحالة نقول ان الواقعة لا تخلو من حكم إلا في هذه الحالة.

بعبارة أخرى: الحالات ثلاثة: إما راجحة أو مرجوحة أو مباحة. ولا شك في عدم جواز الخلو عن الحكم في الاوليين، أما الثالثة فإن قلنا بالجعل فيها ذهبنا حينئذ لعدم جواز خلو الواقعة عن الحكم الواقعي مطلقا وإلا ذهبنا إلى جواز خلو الواقعة عن الحكم في الحالة الثالثة دون غيرها.

الثاني: يبدو أن الاجماع على ذلك، وقد رأينا الفقهاء والاصوليين يرسلونه إرسال المسلمات.

الثالث: استدل على ذلك بالأدلة الدالة على اعتبار العلم، والنافية لحجية الظن، كقوله تعالى: ) ولا تقف ما ليس لك به علم ( وقوله تعالى: )إن الظن لا يغني من الحق شيئا (، فإنها ظاهرة في وجود ما يعلم وفي وجود الحق واقعا وعموما.

ويرد عليه: إن الآيات الكريمة لا تدل على اكثر من ثبوت الحكم الواقعي، أي وجود أحكام في الواقع ونفس الأمر واللوح المحفوظ، لكنها لا تدل على وجود حكم لكل واقعة.

غدا ان شاء الله نكمل الرابع.

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] لتفسير هذه المراحل نقول: ان مرحلة الاقتضاء هي مرحلة وجود المصلحة التي انشأ على طبقها حكم، المرحلة الثانية هي انشاء الحكم، المرحلة الثالثة وهي الفعلية مرحلة دفع والبعث إلى الحكم، والمرحلة الرابعة التنجيز وهي ان اكون مسؤولا عن الحكم. بعضهم جعل المراحل أربعة وبعضهم ثلاثة، وبعضهم اثنان. أما نحن فقد ذكرنا سابقا ان الحكم هو مرحلة الانشاء والباقي حالات تتبع المعارضات. وإذا اردنا تصويرها تصورا تشبيهيا تقريبيا فلاحظنا احكام الدولة الحالية المعاصرة اولا لانشاء قانون ينظر إلى المصلحة من انشاء هذا القانون كقانون السير مثلا، بعد النظر في القانون يعرض في مجلس النواب، بعد نقاشه في مجلس النواب يؤخذ فيه الحكم، يكون هذا الانشاء ولا احد ملزم فيه، وبعد الانشاء لا يوجد دفع نحوه إلا إذا ورد في الجريدة الرسمية، فيكون كالحالة الفعلية وهو الدفع نحو الفعل، ولا يتنجز على الافراد إلا بعد العلم والقدرة على التطبيق. نذكِّر بان هذا تشبيه تقريبي ولا وجود له عند الشارع. إذن الاقتضاء مصالح لا انشاء فيها ولا حكم، هناك بداية مقتض لانشاء حكم ولذلك سمي مرحلة الاقتضاء، وسماها السيد الصدر (ره) مرحلة الملاك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo