< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/02/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     نتيجة البحث.

     ثمرة المسألة.

نتيجة ما بحثناه:

     المتلازمان في الوجود لا يشترط توافقهما في الحكم، بل يمكن أن يختلفا في الحكم وهذا الاختلاف في عالم الانشاء والملاك لا في عالم الفعلية عالم التحقق والوجود. وذكرنا أن للحكم مرحلة واحدة وهي الإنشاء، أما مرحلة الملاك، وعالم الفعلية وعالم التنجيز فهي عبارة عن حالات لهذا الانشاء لكون الحكم هو الجعل دون حالاته.

     الامر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده العام ولا عن ضده الخاص، إلا في حالة اقتضاء مفسدة نفسية في الضد، وهذا أمر ممكن بنفسه لكن لا دليل عليه.

ثمرة المسألة:

ذكروا في ثمرة المسألة: أن الضد إذا كان منهيا عنه وكان عباديا فهذا يقتضي الفساد. بتعبير آخر: ان الامر بالشيء إذا اقتضى النهي عن ضده وكان الضد عباديا كالصلاة والصوم او الحج، مع ضميمة ان النهي عن الشيء يقتضي الفساد، يصبح الضد فاسدا. مثلا: اذا كان عليّ دين، وبدل ان اقضي الدين اذهب إلى الحج أو أقيم مجالس العزاء او زيارة الامام الحسين (ع)، فهل يقع الحج صحيحا؟ الأمر بقضاء الدَّين هل يقتضي فساد الحج؟

يقول صاحب الكفاية (ره): الامر الرابع: تظهر الثمرة في أن نتيجة المسألة، وهي النهي عن الضد بناء على الاقتضاء، بضميمة أن النهي في العبادات يقتضي الفساد [1] ، ينتج فساده إذا كان عبادة.

وعن البهائي (رحمه الله) أنه أنكر الثمرة، بدعوى أنه لا يحتاج في استنتاج الفساد إلى النهي عن الضد، بل يكفي عدم الامر به، لاحتياج العبادة إلى الأمر. [2]

إذن الثمرة في المسألة بناء على الاقتضاء، ان الضد عبادة يكون فاسدا.

 

ومجمل الكلام في الثمرة: إذا كان الضد عباديا الضد الخاص او الضد العام كالدين ضده الحج [3] ، فإما أن نقول بالاقتضاء، وإما بعدمه، أو أن نشك.

وعلى القول بعدم الاقتضاء فالعبادة صحيحة، وعلى الاقتضاء تفسد العبادة، لأن النهي عن العبادة يقتضي فسادها.

ومع الشك، أي في حالة لم نصل إلى نتيجة، فالضد العبادي صحيح، لأصل الصحة ما لم يقم دليل على الفساد، ولم يثبت.

وحدثت محاورات وردود حول هذه الثمرة وسنتعرض لكلام علمين كلاهما نفى الثمرة، لكن أحدهما نفاها وذهب إلى بطلان العبادة مطلقا أي سواء قلنا بالاقتضاء أم لم نقل. وهو الشيخ البهائي (ره) وأخر أثبت صحتها مطلقا، أي سواء قلنا بالاقتضاء أم لا وهو الميرزا النائيني (ره).

رد الشيخ البهائي (ره) للثمرة: وكلامه (ره) مبني على أن العبادة تتقوم بداعي أمرها، أي لا بد من وجود أمر بها حتى تكون عبادة. فمع تزاحم الضدين يقدّم الأهم، ومع تقديم الأهم لا يمكن الأمر بالمهم، وتقديم الأهم على المهم له ملاكات مختلفة، فتارة يقدّم الاهم لكونه واجبا والمهم مستحبا وهذا الاهم تارة واجب ومستحب والاهم هو الواجب. وتارة هما واجبان الزاميان لكن احدهما اهم ملاكا واقوى مصلحة كانقاذ الغريق والصلاة، فيقدم الاهم. تارة احدهما مضيّق والآخر موسع، فيقدم المضيّق على الموسع. تارة احدهما لا بديل له والآخر له بديل، فيقدّم ما لا بديل له. اسباب الاهمية لعلّه خمسة أو ستة أو أكثر، ليست المسألة مسألة حصر عقلي هذا استقراء فيقدم الاهم. لأن المولى عز وجل لا يمكن أن يأمر بأمرين فعليين ومتزاحمين في آن واحد، إذا توضح هذا التقديم يكون الضد العبادي غير مأمور به لو كان هو المهم، فيكون فاسدا. مثلا: اما الحج واما الدين، اما صلاة واما انقاذ الغريق. انقاذ الغريق ضده الصلاة فإذا ارتفع الامر بالصلاة بطلت الصلاة.

ورده صاحب الكفاية (ره) بان العبادة لا تحتاج إلى الأمر، بل يكفي مجرد الرجحان والمحبوبية للمولى وبقاء الملاك والمصلحة لصحة العبادة.

قال: وعن البهائي (رحمه الله) أنه أنكر الثمرة، بدعوى أنه لا يحتاج في استنتاج الفساد إلى النهي عن الضد، بل يكفي عدم الامر به، لاحتياج العبادة إلى الامر.

وفيه: إنه يكفي مجرد الرجحان والمحبوبية للمولى، كي يصح أن يتقرب به منه، كما لا يخفى، والضد بناء على عدم حرمته يكون كذلك، فإن المزاحمة على هذا لا يوجب إلا ارتفاع الامر المتعلق به فعلا، مع بقائه على ما هو عليه من ملاكه من المصلحة، كما هو مذهب العدلية، أو غيرها أي شيء كان، كما هو مذهب الأشاعرة، وعدم حدوث ما يوجب مبغوضيته وخروجه عن قابلية التقرب به كما حدث، بناء على الاقتضاء. [4]

بعبارة اخرى: إذا انتفى الأمر بسبب التزاحم لا تنتفي معه المصلحة والملاك. وهذا يكفي في تحقق العبادة. ونقول: إن العبادة لا علاقة لها بالأمر كما بيّنا سابقا وسنبيّن أيضا ذلك لاحقا عند بحث مسألة الترتب، وقد فتح الشيخ البهائي (ره) بهذا الكلام الباب للبحث في مسألة الترتب كما سياتي.

قلنا ان العبادة ليست متقومة بالأمر ولا بالمحبوبية ولا بالملاك، قلنا ان العبادة شيء آخر، بل هي العلاقة الخاصة بين العابد والمعبود.

مثال على ذلك: اذا كنت احب احدا واتقرب اليه هذا لا يعني اني اعبده، وإذا كنت اعرف انه يحب شيئا ما ففعلته لأجل انه يحب ذلك او اتقرب منه، هل هذا يعني انني اعبده؟ فلا دخالة لا للتقرب ولا للمحبوبية بالعبادة، العبادة فعل خاص. العابد للصنم يصلي للصنم ويعبده وليس هناك امر ولا مسألة محبوبية وتقرب. العبادة لا دخل لها بالتقرب إلى الله تعالى أو بداعي امره تعالى. نعم هي غايات للعبادة.

واما إشكال بعض الأخوة على هذا القول بقوله (ع): " إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك، بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك"، مستدلا بهذا الحديث الشريف على كون العبادة تتقوم بالخوف من النار او الطمع في الجنة.

والجواب: ان الخوف من النار هي غاية للعبادة، ولذلك اعربها النحاة بانها مفعول لأجله، وهذا ما يؤيد ما نذهب إليه لاختلاف الغاية عن المغيا.

انا اصحح العبادات الحالية بشيء واحد: ان المراد من العبادة انها هي العبادة بين العابد والمعبود علاقة تذللية خاصة، نعم هناك علاقات هي بذاتها عبادة كالسجود والركوع والخشوع، وهناك علاقات تحتاج إلى دليل على عباديتها، غالبا ما نستكشف هذه العباديات بالأمر بها، من قبيل الشعائر، الشعائر ليس مجرد ان اعتبرها انا شعيرة تصبح شعيرة، بل نحتاج إلى دليل على ذلك.

غدا ان شاء الله نكمل كلام الشيخ النائيني (ره) وكلام الشيخ البهائي (ره) الذي ادخلنا في مسألة الترتب.

 


[1] ونلخص دليله بكلمة واحدة وهي: كيف يمكن التقرب بالمبعد؟ لذا قالوا: ان النهي عن العبادة يقتضي الفساد وستأتي هذه المسألة.
[3] وهذا موجود للأسف، هناك من قراء العزاء قد ذكر عن طيبة بلا شك ان رجلا كان قد اعتاد ان يقيم كل سنة مجلس عزاء وصادف ان كان معسرا في هذه السنة فباع ابنته لرجل يهودي ليقيم مجلس العزاء. هذا عندما سمعت هذا الكلام شعرت انه من اقبح ما يقال، الحسين (ع) استشهد لأجل الحرية " فكونوا احرارا " فكيف يبيع ابنته؟ الحسين (ع) استشهد لأجل كرامة الانسان، وهذا بغض النظر عن بطلان هذا البيع من أساسه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo