< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     كلام الشيخ المظفر.

نعود إلى كلام الشيخ المظفر (ره): والظاهر أن أول من أسس هذه الفكرة وتنبّه لها المحقق الثاني (الكركي)، وشيّد اركانها السيد الميرزا الشيرازي، كما احكمها ونقحها شيخنا المحقق النائيني طيب الله ثراهم.

وهذه الفكرة وتحقيقها من أروع ما انتهي إليه البحث الاصولي تصويرا وعمقا.

وخلاصة فكرة الترتب: أنه لا مانع عقلا من أن يكون الأمر بالمهم فعليا عند عصيان الأمر بالأهم، فإذا عصى المكلف وترك الاهم فلا محذور في أن يفرض الأمر بالمهم حينئذ، إذ لا يلزم منه طلب الجمع بين الضدين، كما سيأتي توضيحه.[1]

بيان كلامه: ان الكلام تارة في امكان الترتب وتارة في الدليل عليه، أي لدينا مرحلتان: المرحلة الاولى في الامكان ويتحقق بعدم وجود مانع، وما الدليل عليه؟ نفس دليل الامر بالاهم ودليل الامر بالمهم، نفس الخطابين، هذا كاف للدليلية.

بعد اتمتم كلام المظفر سنرى انه لا خلاف على الاطلاق بين كلام العلماء المختلفين بالنسبة إلى الترتب، سنرى انه اختلاف في تصوير الموضوع، وبعبارة اخرى: يمكن أن لا يكون هناك خلاف ابدا بين من يقول بإمتناع الترتب وبين من يقول بإمكانه (ره).

كلام المظفر: وإذا لم يكن مانع عقلي في هذا الترتب، فان الدليل يساعد على وقوعه، والدليل هو نفس الدليلين المتضمنين للأمر بالمهم والأمر بالأهم وهما كافيان لاثبات وقوع الترتب.

وعليه ففكرة الترتب وتصحيحها تتوقف على شيئين رئيسيين في الباب، أحدهما إمكان الترتب في نفسه، وثانيهما الدليل على وقوعه.

اما الاول: وهو إمكانه في نفسه فبيانه: إن أقصى ما يقال في إبطال الترتب واستحالته: هو دعوى لزوم المحال منه، وهو فعلية الأمر بالضدين في آن واحد، لأن القائل بالترتب يقول بإطلاق الأمر بالأهم وشموله لصورتي فعل الأهم وتركه، ففي حال فعلية الأمر بالمهم [ وهو حال ترك الأهم ] يكون الأمر بالأهم فعليا على قوله، والأمر بالضدين في آن واحد محال. ( وهذا هو كلام صاحب الكفاية (ره) وكل من قال بمنع الترتب ).

ولكن هذه الدعوى - عند القائل بالترتب - باطلة، لأن قوله: " الأمر بالضدين في آن واحد محال " فيه مغالطة ظاهرة، فإن قيد " في آن واحد " يوهم أنه راجع إلى " الضدين " فيكون محالا [2] ، إذ يستحيل الجمع بين الضدين، بينما هو في الحقيقة راجع إلى " الأمر " ولا استحالة في أن يأمر المولى في آن واحد بالضدين إذا لم يكن المطلوب الجمع بينهما في آن واحد، لأن المحال هو الجمع بين الضدين لا الأمر بهما في آن واحد وإن لم يستلزم الجمع بينهما.

الشيخ المظفر صور المسألة بالشكل التالي: هل الجار والمجرور " في آن واحد " متعلّقان بالضدين أو بالأمر؟. فإذا قلنا ان الجار متعلق بالتضاد ثبت المحال واما لو تعلق بالأمر فلا يثبت المحال.

كلام المظفر: أما أن قيد " في آن واحد " راجع إلى " الأمر " لا إلى " الضدين " فواضح، لأن المفروض أن الأمر بالمهم مشروط بترك الأهم [3] ، فالخطاب الترتبي ليس فقط لا يقتضي الجمع بين الضدين بل يقتضي عكس ذلك لأنه في حال انشغال المكلف بامتثال الأمر بالأهم وإطاعته لا أمر في هذا الحال إلا بالأهم، ونسبة المهم إليه حينئذ كنسبة المباحات إليه. وأما في حال ترك الأهم والانشغال بالمهم، فإن الأمر بالأهم نسلم أنه يكون فعليا وكذلك الأمر بالمهم، ولكن خطاب المهم حسب الفرض مشروط بترك الأهم وخلو الزمان منه، ففي هذا الحال المفروض يكون الأمر بالمهم داعيا للمكلف إلى فعل المهم في حال ترك الأهم فكيف يكون داعيا إلى الجمع بين الأهم والمهم في آن واحد.

وبعبارة أوضح: إن إيجاب الجمع لا يمكن أن يتصور إلا إذا كان هناك مطلوبان في عرض واحد على وجه لو فرض إمكان الجمع بينهما لكان كل منهما مطلوبا، وفي الترتب لو فرض محالا إمكان الجمع بين الضدين، فإنه لا يكون المطلوب إلا الأهم ولا يقع المهم في هذا الحال على صفة المطلوبية أبدا، لأن طلبه حسب الفرض مشروط بترك الأهم، فمع فعله لا يكون مطلوبا. [4]

هذا كلام الشيخ المظفر في تصوير الترتب.

غدا ان شاء الله نكمل.


[2] الضدان امران متخالفان متنافران. وللتذكير الفرق بين المتقابلين والمتخالفين هو بالتنافر. مثال المتخالفين: الطاولة والسجادة. لا يجتمعان في مكان واحد وزمان واحد وجهة واحدة. والمتقابلان ليس فقط كذلك أي لا يجتمعان في مكان واحد وزمان واحد وجهة واحدة، بل لا بد فيهما من التنافر، كالموجود والمعدوم، والعمى والبصر، والضدان بعض أقسام المتقابلين.
[3] فإذا قلنا انه مشروط خرج عن موضوع الترتب واشترطنا في الشروط اول الدرس ان يكونا كلاهما مطلقين. لذلك نكرر ونقول انه لا خلاف بين المختلفين في الترتب. والكلام في الترتب ان يكونا امران مولويان فعليان في عرض واحد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo