< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     تصحيح صاحب الكفاية العبادة في بعض حالاتها بغير طريق ملاك الامر.

     لا يمكن تصور امر بالمهم إذا كانا مضيقين.

     تصحيح الامر بالمهم إذا كان موسعا.

     بيان ما ذكره صاحب الكفاية (ره).

زبدة كلام صاحب الكفاية (ره) إذا كان الأمر بالأهم والامر بالمهم مضيّقين، فلا يوجد أي فرد للمهم غير مزاحم، وعليه لا يمكن التحريك للإمتثال، اما لقبح تكليف العاجز من الآمر الحكيم، وإما لاقتضاء نفس التكليف ذلك كما سنرى. وبالتالي لا يوجد امر بالمهم المضيق. وإذا كان الأمر موسعا، يعني أن هناك مجالا بأن يكون الأمر بالطبيعة فعليا وهناك افراد مزاحمة وهناك افراد غير مزاحمة فبمجرد وجود فرد واحد أو احتمال وجوده غير مزاحم يكفي للأمر بالطبيعة، وعليه ينطلق من الفرد غير المزاحم لاثبات الامر بالطبيعة، فإذا ثبت الامر بالطبيعة امكن حينئذ الامتثال بالفرد المزاحم لانه ينطبق عليه الطبيعة انطباقا قهريا.

وهذا الكلام سيجرنا إلى مسألة مهمة وهي:

الاولى : هل يصح الوضوء أو الغسل بالماء المغصوب.

الثاني: هل يصح الوضوء او الغسل من إناء الذهب او الفضة او المغصوب.

الثالثة: هل يصح الوضوء او الغسل في الدار المغصوبة او الفضاء المغصوب.

بيان توجيه صاحب الكفاية (ره) بتعبير آخر:

إن الطبيعة لها افراد والأمر عندما تعلّق بالطبيعة فإنما يتعلق بها لا بما هي هي إذ لا غرض للشارع أو للآمر بها كما هي، أي في وجودها الذهني، بل الغرض والداعي للأمر هو الوجود الخارجي فإن الآثار هي للخارج، ولذا فالأمر يتعلق بالطبيعة بما هي موجودة في الخارج، والطبيعة موجودة بوجود أفرادها، فتكون الطبيعة مأمورا بها ومحمولا عليها بالحمل الشائع الصناعي، الذي هو مصب الآثار.

ولذا طالما أمكن وجود فرد واحد للطبيعة أمكن الأمر بها. ومع عدم امكان وجود فرد الامر بالطبيعة لا يكون فعليا، بل قد لا يكون اصلا حتى في مرحلة الانشاء، وسنرى ما معنى القدرة واي قدرة هي مأخوذة بالأمر. ونقول: القدرة على فرد واحد او احتمال القدرة على فرد واحد كافية لفعلية الأمر.

والطبيعة إذا كان لها افراد خارجية، وفرضنا أن بعض هذه الأفراد كان منتفيا تبقى الطبيعة مأمورا بها لوجود أفراد أخرى يمكن الامتثال بها. وهذا الانتفاء تارة انتفاء تكويني كما لو أمر المولى بالوضوء بكوب ماء من البيت وكان هناك عشرة أكواب، فلما ذهب المأمور للوضوء بها وجد منها أربعة مكسورة، وقد بقي ستة، فمع بقاء الستة يبقى الأمر فعليا لبقاء بعض الأفراد التي يمكن أن يتحقق بها الإمتثال.

وتارة يكون الإنتفاء بسبب شرعي، أي أن الشيء يمكن وجوده تكوينا، ولكنه غير ممكن لمانع شرعي كما لو ثبت عدم جواز استعمال آنية الذهب والفضة وكان بعض هذه الأكواب من الذهب أو الفضة، فإن الامتثال بها ينتفي للنهي عن الوضوء بها.

وهنا فإن الطبيعة المأمور بها إذا كانت موسّعة وقد زاحمها ما هو أهم منها، ولكن في بعض الأفراد، فمن الطبيعي خروج هذه الافراد المزاحمة عن المأمور به. كانقاذ غريق والصلاة. الصلاة إذا كانت مضيقة، وقلنا ان اجتماع الضدين تارة في مضيقين وتارة في موسعين وتارة في موسع ومضيق. إذا كانا مضيقين جميع ازمنة الاهم هي بنفسها جميع ازمنة المهم، حينها لا يمكن الامتثال بأي فرد منها، اي فرد من الصلاة سيزاحم اي فرد من افراد انقاذ الغريق، وهذا يعني ان الأمر بالطبيعة غير مأمور به، لان الأمر بالطبيعة لا يكون فعليا إلا مع وجود احتمال أو وجود فرد واحد.

وهنا يستدير صاحب الكفاية ليقول: إن خروج بعض الأفراد لا يعني سقوط الأمر الفعلي لوجود أفراد أخرى، فيبقى الأمر بطبيعة المهم على فعليته، وإذا بقي على فعليته أمكن امتثاله بالأفراد المزاحمة، لأن إنطباق الطبيعة على أفرادها قهري عقلي، وطالما إنطبقت الطبيعة المأمور بها على الفرد، فقد وقع الفرد عقلا، فيقع الامتثال قهرا، فتقع الصلاة صحيحة.

بعبارة اخرى: وكأن صاحب الكفاية (ره) صحح الترتب بالتوسعة.

هنا لا يقال: وماذا نفعل بالمانع الشرعي؟ وهو هنا كون الفرد – وهو الماء الموجود في آنية الذهب - يحرم الوضوء به شرعا لأن الوضوء نوع الاستعمال واستعمال أواني الذهب والفضة حرام.

فانه يقال: إن المانع الشرعي لم يؤخذ قيدا في موضوع الأمر، بل إنما خرج الفرد من باب المزاحمة، وقلنا سابقا بالفرق بين خروج الفرد تخصيصا أو تخصصا من جهة ومن خروجه مزاحمة. ولما كانت كيفية الامتثال ليس من شؤون المولى، بل من شؤون المأمور، إذ يأمر المولى بشيء وعلى المأمور أن ينفذ، وأما كيفية التنفيذ فهذا راجع إلى العبد، ولذا إذا أتى المولى بفرد للطبيعة المأمور به فقد تمّ الامتثال لأن الانطباق والاتيان بفرد المأمور به عقلي لا يحتاج إلى إذن من المولى. نعم المكلف قد ارتكب محرما في امتثاله هذا، ولكن ارتكاب المحرّم شيء والامتثال شيء آخر. وهنا تأتي مسألة ثانية، هل النهي عن بعض شروط المأمور به أو شروط الاستعمال يؤدي إلى الفساد أو لا؟ سنرى ان كل هذا لا يؤدي إلى الفساد، والنهي عن العبادة لا يقتضي إلى فسادها، وهذا ما ذهبنا اليه. بل قد يدل على الفساد في بعض الحالات وليس من باب الاقتضاء.

إذن يمكن تنظيم وتلخيص كلام صاحب الكفاية (ره) في نقاط: غدا ان شاء الله نكمل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo