< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/04/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     نقد كلام صاحب الكفاية (ره).

تلخيص ما مرّ: قال الشيخ البهائي (ره) ان مسألة الضد لا ثمرة لها لان الامر بالشيء حتى لو كان يقتضي النهي عن ضده فهو باطل دائما لأن الضد اصلا لا امر فيه ورأيه أن العبادة لا تصح إلا بداعي أمرها فالعبادة باطلة. وفي مقابل هذا قال المحقق الكركي ان العبادة يمكن تصحيحها ويمكن تصحيح امر بها وذلك بنظرية الترتب وهو بان الاوامر في طول واحد، فان عصيت بالأهم يأت المهم، ويكون المهم فعليا.

ابتكار الترتب المحقق الكركي اسسه وشيده وذهب إليه الكثيرون إلى يومنا هذا.

صاحب الكفاية (ره) قال ان الترتب ممتنع وبعضهم قال ان الترتب غير ممتنع. وهنا يسأل الشيخ الآخوند: انت يا صاحب الكفاية إذا قلت ان الترتب ممتنع فهل من طريق لتصحيح الصلاة؟ فلو فرضنا ان انسانا لم ينقذ الغريق واعتبر ان الصلاة اهم واتى بالصلاة، فهل هذه الصلاة صحيحة؟ وحينئذ لو كانت فاسدة وجب قضاؤها؟. فمن قال بالترتب صحح الصلاة باعتبار انه هناك امر فيها. اما الذي قال بامتناع الترتب كصاحب الكفاية قال لتصحيح هناك طريق واحد وهو وجود الملاك، ونعم ايضا في المضيّق والموسع هناك طريق آخر – وهو نوعا ما تصحيح للترتب – اما في المضيقين فنفس المساحة وكل افراد المهم مزاحمة بافراد الأهم، في المضيقين: الطبيعة هل يمكن ان يؤمر بها من دون القدرة على فرد منها؟ المهم طالما هناك وجود الأهم لا يوجد امر فيه وذلك لان الفردين متزاحمين، كل افراد المهم – الصلاة – هي نفس زمن الاهم – انقاذ الغريق – وعليه جميع الافراد في الاهم تزاحم جميع افراد المهم، وعليه المهم لا يمكن ان يكون مأمورا به لعدم القدرة على ولو فرد واحد. هذا في المضيق أما الموسع فصاحب الكفاية قال ان القدرة على الشيء ولو بفرد واحد كافية للأمر بالطبيعة. اما في المضيقين فلا توجد قدرة ولا على فرد، في النتيجة ان افراد المهم كلها ممتنعة، اما في الموسع والمضيق يمكن تصحيحها بان الافراد غير المزاحمة تقتضي بقاء الامر بالطبيعة لان الافراد غير المزاحمة مقدورة ولو بفرد واحد وهو كاف لتحقق الامر بالطبيعة حينئذ ننزل من الطبيعة إلى الفرد المزاحم وهو وان لم يكن مأمورا به، إلا ان انطباق الطبيعة عليه عقلي قهري لأن انطباق الطبيعة على افرادها عقلي قهري. بعبارة اخرى ينتقل من الفرد إلى الفرد، من الافراد غير المزاحمة يستدل على بقاء طبيعة الامر لانها ممكنة، ومن بقاء طبيعة الامر يستدل على صحة الافراد المزاحمة. فلو صليت ولم تنقذ الغريق تكون الصلاة صحيحة.

ولقد ذكرنا كلام صاحب الكفاية في نقاط فلنأخذ كل نقطة على حدة بالنقد:

اما النقطة الاولى: وهي امتناع الترتب في المضيّقين، فهو متين لامتناع اجتماع فعليين في آن واحد، والترتب يؤدي إلى ذلك، بشرط ان يكون موضوعه هو أمران فعليان مولويان في عرض واحد، بل قلنا بامتناع الترتب حتى في غير المضيقين.

واما النقطة الثانية: وهي كفاية ملاك الأمر لتصحيح المهم العبادي.

صاحب الكفاية (ره) قال أنه هناك مجال للتصحيح وهو بقاء الملاك، فان انتفاء الأمر لا لذهاب المصلحة بل للمزاحمة، ولان الامر مزاحم لا يكون موجودا، فبقاء المصلحة يؤدي إلى تصحيح العبادة والغرض يتحقق قهرا شئنا ام ابينا

مثلا: صلاة العصر مطلوبة وهذا يعني ان هناك مصلحة فيها، الامر بصلاة العصر زوحم لكن مصلحة صلاة العصر والداعي اليها وغرضها وملاكها باقية. مثال آخر: إذا قلت لك اتني بدواء وهناك صيدليتان، وقلت لك اشتر هذا الدواء من هذه الصيدلية لا من تلك الصيدلية، فأتيت بالدواء من تلك الصيدلية، واخذت الدواء وشفيت، فمصلحة الدواء بالشفاء موجودة، اخذتها من الفرد المأمور به أو من فرد آخر، نعم يعد عاصيا ويعاقب من جهة اخرى لكن المصلحة تحققت بشرط ان تكون الغاية هي نفس الدواء، اما إذا كانت الغاية فقط الشراء من تلك الصيدلية دون غيرها لغرض في نفس الصيدلية فلا تتحقق الغاية. فخروج الفرد عن طلب الآمر هنا لا لأجل عدم تحقيق الغرض بل لأمر آخر، وما نحن فيه من الصورة الاولى لانه إذا تحقق غرض الآمر تم الامتثال، نعم عصى واثم من جهة اخرى، لكن هذا لا يعني ان نفس الفرد باطل، وهنا نفس الشيء هناك صلاة عصر مطلوبة ولها افراد وكل الافراد تحقق الغرض، وهناك افراد مزاحمة خرجت عن المأمور به كأمر وليس كطبيعة بقيت الافراد الاخرى تحت الطبيعة فإذا امتثلت يتحقق الغرض، وإذا تحقق الغرض تم الامتثال.

والعبادي هو صحيح على مختارنا في معنى العبادة، وأنها علاقة خاصة بين العبد ومعبوده، أما التقرب والطمع في الحنة والخوف من النار فهي دواع ودوافع للتعبد. واما اشتراط وجود امر فعلي لصدق العبادة فلا دليل عليه أبدا.

نعم من اشترط داعي الأمر في التعبدي فلا نرى كفاية الملاك، فإذا اشترط داعي الامر في التعبد فلا يكفي الملاك، ففي حال عدم وجود الامر ولو للتزاحم ليس هناك امر. انتم عندما جعلتم الامر ضمن متعلق الحكم ضمن المأمور به فلا يكفي الملاك حتى مع وجود المصلحة. هناك خلل لم نفهمه، انتم تقولون ان العبادة لا تتحقق إلا بداعي الامر، فإذا كان الامر غير موجود ولو لأجل المزاحمة كيف سنصحح الامر بالملاك حتى ولو قلنا بانه يحقق الغرض، لانه بناء على رأيكم قصد الأمر هو المحقق للعبادة وليس تحقق الغرض؟!

انتم لم تجعلوا المناط تحقيق الغرض، انتم جعلتم المناط وجود داعي الامر.

فان ما نفهمه من ملاك الأمر هو المصلحة فيه أو في متعلّقه وما يكون من مبادئ الاحكام في عالم الاقتضاء. وهذا ليس جعلا للحكم ولا إنشاء له. ولو قلنا به يستحكم إشكال الشيخ الانصاري (ره) في لزوم الدور وأخذ المتقدم في المتأخر.

اما النقطة الثالثة: وهي امكان تصحيح العبادة بالترتب في المضيّق والموسع لارتفاع المزاحمة حينئذ ولكن قلنا أن المزاحمة وارتفاع أحد الامرين عن الفعلية هي عند الامتثال، وعند الامتثال لا يمكن امتثال الضدين فلا بد من ارتفاع احدهما عن الفعلية. وهذا هو ملاك ارتفاع الأمر عن الفعلية، وهو موجود على حدّ سواء في المضيقين والموسعين.

اما النقطة الرابعة: اخذ القدرة في التكاليف فهو مما لا شك فيه ولا شك انها القدرة حين الامتثال. ولذا صححوا النذر إذا كان الناذر قادرا حين الامتثال وإن لم يكن قادرا حين النذر.

واما النقطة الخامسة: فيكفي القدرة على فرد واحد بل احتمال القدرة على فرد واحد. نعم القدرة المأخوذة ما هو منشأ أخذها؟ ثلاثة احتمالات، بل ثلاثة اقوال:

الاول: حكم العقلاء حين يقبحون تكليف العاجز لأنه ظلم.

الثاني: اقتضاء نفس التكليف ذلك، وذلك لأن الآمر الحقيقي لا يمكن أن يأمر ويدفع ويحرك نحو شيء ممتنع فينفي فعلية الامر.

غدا ان شاء الله نكمل.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo