< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/05/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     امكان تصور الفرق بين القسم الاول والثاني.

     القسم الثاني: امكان تصور التزاحم حتى مع القدرة على الامتثال.

     نقاش السيد الخوئي (ره) لتقسيم الشيخ النائيني (ره).

     ايرادنا على السيد الخوئي.

قسمنا امس الاقسام الخمسة للشيخ النائيني (ره) للقسم الاول وهو ما إذا التزاحم منشؤه عدم القدرة على الامتثال ونعود لتصور الفرق بين القسم الاول والقسم الثاني. والقسم الاول: هو اذا كان عدم القدرة اتفاقيا كما هو الحال في التزاحم بين وجوب انقاذ غريق وانقاذ غريق آخر.

والقسم الثاني: هو ما إذا كان التزاحم من جهة وقوع التضاد بين الواجبين اتفاقا لما عرفت ان التضاد إذا كان دائميا يقع تعارض بين الدليلين.

في الواقع القسم الثاني يرجع للأول بل هو عينه كما قال السيد الخوئي (ره)، ويمكن التمييز بينهما، ان القسم الاول " انقاذ غريقين " ان يكونا من حكم واحد وله فردان، ماهية واحدة تعلّق بها الوجوب انقاذ غريق لكن له فردان. في القسم الثاني إذا كانا حكمين فإذا كان هناك ماهيتان من قبيل يجب عليك ان تحضر إلى المسجد ويجب عليك ان تصلي، فلو فرضنا انه أتى إلى المسجد ووجد زحاما كثيرا بحيث لا يستطيع ان يصلي أي انه يدور الامر بين الصلاة وبين الحضور. في اصل الموضوع هما حكمان مستقلان – ماهيتان – وقع التضاد بينهما اتفاقا لوجود الزحام او لضيق الوقت مثلا. يمكن التمييز بين القسمين الاول والثاني لكن الثمرة واحدة والمهم عدم القدرة في عالم الامتثال وهذا هو التزاحم.

لذلك يمكن ان يكون هذا هو التمييز بين الاول والثاني، الأول: فردان من ماهية واحدة وحكم واحد انحل إلى حكمين. الثاني: ماهيتان تعلق بهما حكمين، ولكن ما الثمرة في هذا التمييز؟ وسنرى ان اول اشكال من السيد الخوئي (ره) على الجميع هو هذا.

إذن القسم الاول: هو عدم القدرة على الامتثال. القسم الثاني: وقوع التضاد اتفاقا بين الواجبين. القسم الثالث: اجتماع الامر والنهي بناء على جواز الاجتماع الذي ينقلب إلى تزاحم. القسم الرابع: التلازم على نحو المقدمية. القسم الخامس: التلازم على غير المقدمية. هذه الاقسام الخمسة التي قسمها النائيني (ره) للقسم الاول وهو في حال عدم القدرة على الامتثال.

القسم الثاني هو يمكن تصور التزاحم حتى مع القدرة على الامتثال، ولا يكون سبب التزاحم عدم القدرة على الامتثال. كيف هذا؟! مع ان التزاحم لبّه وماهيته انه في عالم الامتثال، هناك تناف لا استطيع الامتثال. كيف يمكن تصور التزاحم حتى مع القدرة على الامتثال ولا يكون السبب عدم القدرة ومن غير ان يكون تعارضا؟، لان التعارض تناف في مقام الجعل.

يقول الشيخ النائيني (ره): وأما الثاني - وهو ما إذا كان التزاحم ناشئا من شيء آخر لا من عدم قدرة المكلف - فقد مثل بما إذا كان المكلف مالكا من الإبل بمقدار النصاب الخامس، وهو خمس وعشرون ناقة الذي يجب فيه خمس شياه، ثم بعد مضي ستة أشهر ملك ناقة أخرى فتحقق النصاب السادس الذي يجب فيه بنت مخاض [1] ، وعلى هذا فمقتضى أدلة وجوب الزكاة هو وجوب خمس شياه بعد انقضاء سنة النصاب الخامس، ووجوب بنت مخاض بعد تمامية حول النصاب السادس، والمكلف قادر على دفع كليهما معا، ولم تنشأ المزاحمة من جهة عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في مقام الامتثال، بل هي ناشئة من ناحية قيام الدليل من الخارج على أن المال الواحد لا يزكى في السنة الواحدة مرتين. [2]

الشيخ النائيني (ره) يقول: عندنا واجبان، الواجب الاول خمسة شياه باعتبار النصاب الأول، والواجب الثاني بنت مخاض باعتبار النصاب الثاني وباللازم تنافيا. ان صح التعبير هناك دليلان: دليل يقول بخمس شياه ودليل يقول بعد ستة اشهر ببنت مخاض. فهذا من باب التزاحم عن الشيخ النائيني وان كان قادرا على دفع الاثنين معا.

نقول ان هذا تعارض ادلة، لكن ليس تعارضا مباشرا بل باللازم من قبيل صلاة الظهر وصلاة الجمعة. صلاة الظهر واجبة ولو فرضنا انه قام الدليل على وجوب صلاة الجمعة في زمن الغيبة. فتكون واجبة وهما واجبان مستقلان، ويستطيع ان يصلي الظهر ويصلي الجمعة، لكن بدليل من الخارج وهو " خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة " وليس ستة صلوات، علمنا وجوب أحدهما وإلا اصبح الواجب ستة صلوات ونحن نعلم انه في اليوم الواحد خمس صلوات، لكن حدث التنافي بين الدليلين لكن من الخارج وليس من نفس الدليلين أي باللازم. لكن هذا التنافي من باب التعارض وليس من باب التزاحم. ليس لعدم القدرة على الامتثال بل لان المجعول واحد ولكن لا اعلم في مقام الجعل ايهما المجعول. ومثال الشيخ النائيني (ره) من هذا القبيل.

ملخص كلام الشيخ النائيني ان التزاحم كما يقع بسبب عدم القدرة ايضا يقع بسبب آخر ولو مع القدرة.

نقاش السيد الخوئي (ره):

يكمل السيد الخوئي (ره) ويقول: وللمناقشة فيما أفاده (قدس سره) هنا مجال:

أما ما ذكره من أن التزاحم الناشئ من ناحية عدم قدرة المكلف فينقسم إلى خمسة أقسام فيرد عليه:

أولا: أنه لا أثر لهذا التقسيم أصلا، ولا تترتب عليه أية ثمرة [3] ، فيكون نظير تقسيم: أن التزاحم قد يكون بين وجوبين،

وقد يكون بين تحريمين، وقد يكون بين وجوب وتحريم. وهكذا . . . [4] ، فلو كان مثل هذه الاعتبارات موجبا للقسمة لازدادت الأقسام بكثير كما لا يخفى.

وثانيا: أن أصل تقسيمه إلى تلك الأقسام لا يخلو عن إشكال.

والوجه في ذلك: هو أن القسم الثاني - وهو ما إذا كان التزاحم ناشئا عن التضاد بين الواجبين اتفاقا - داخل في القسم الأول، وهو ما إذا كان التزاحم فيه ناشئا عن عدم القدرة اتفاقا، ضرورة أن المضادة بين فعلين من باب الاتفاق لا يمكن تحققها إلا من ناحية عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في مقام الإتيان والامتثال.

وعليه فلا معنى لجعله قسما ثانيا من التزاحم في قبال القسم الأول، بل هو هو بعينه. [5]

هنا السيد الخوئي (ره) بين الثغرة في كلام الشيخ النائيني (ره) في القسم الاول والثاني. لكن يمكن ان نتصور الفرق بحسب المثال وهو في القسم الاول: انقاذ غريق وانقاذ غريق، فردان من ماهية واجبة واحدة، اما في القسم الثاني فالواجبان من ماهيتين.

ولذا نورد على السيد الخوئي (ره) ايضا في قوله انه ليس " هو عينه " إذا صح التقسيم.

وهناك مسألة لم يذكرها السيد الخوئي (ره) وهي: القسم الاول من القسم الاول الذي هو عدم القدرة على الامتثال: ما إذا كان عدم القدرة اتفاقيا كما هو الحال في انقاذ غريقين.

نقول: إذا كان عدم القدرة اتفاقيا هذا مقسم وليس قسما. والتزاحم هو التنافي بين الواجبين في عالم الامتثال بسبب عدم القدرة. هذا هو المقسم " عدم القدرة على الامتثال اتفاقا لا دائما " لانه عندما يصبح دائميا انقلب إلى تعارض. ثم نقسم: القسم الاول ما كان عدم القدرة اتفاقيا. فيكون القسم الاول بعينه المقسم. كيف يكون قسما ومقسما في آن واحد؟ نعم هذه الاقسام الخمسة اختلفت مناشؤها ومع اختلاف المناشيء قد يقال انها تصبح اوضح في تعيين الاهميّة. هذا الكلام معقول ومقبول. مثلا: اجتماع الامر والنهي إذا قلنا بالجواز انقلب إلى تزاحم. فمنشأ التزاحم ليس أمرين فعليين في آن واحد، بل اجتماع امر ونهي في آن واحد فنقدم الاقوى اهميّة.

الذي فعله الشيخ النائيني هو اختلاف مناشيء فكان التقسيم بحسب المناشيء: تارة فردان من ماهية واحدة، وتارة من ماهيتين، وتارة اجتماع امر ونهي، وتارة مقدمة وذي المقدمة، وتارة متلازمان. لكن هذا التقسيم بحسب المناشيء كم ينفعنا في الثمرة؟. والثمرة هي واحدة وهي: ان يقدم الأهم ملاكا، نعم قد يدل المنشأ على الاهمية احيانا. فإذا كان دائميا انقلب إلى تعارض، وإذا كان اتفاقيا صار تزاحم، والثمرة في التزاحم ان يقدم الاهم.

في النتيجة التزاحم هو: الحكمان المجعولان في عرض واحد ( بمعنى المستقلان جعلا )، غير المقدور على امتثالهما معا، المجتمعان اتفاقا لا دائما.

غدا ان شاء الله نكمل.


[1] نحن نعلم انه في نصاب الابل: خمس ابل فيها شاة، وفي العشرة شاتان، وفي الخمسة عشر ثلاث شياه، وفي العشرين اربعة شياه، وفي الخمسة والعشرين خمس شياه، اما في الستة وعشرين فبنت مخاض.
[3] درسنا في المنطق ان التقسيم لا بد له من ثمرة، المقسم ينقسم إلى اقسام من قبيل: البشر إما ذكور او اناث، ويكون للذكور احكام وآثار، وللإناث احكام وآثار. اما ان يكونا في نفس الاحكام ونفس الآثار فلا داعي للتقسيم والامثلة كثيرة على ذلك. في التقسيم قلنا اولا انهلا بد من ثمرة للتقسيم، وثمرة التقسيم الاولى التمايز في الاقسام والتمايز في الاحكام بين الاقسام. اما إذا كان الجميع بحكم واحد وهو تقديم الاهم، فلا معنى لهذا التقسيم.
[4] نحن قلنا انه حتى يشمل المستحبين والمكروهين، وبين المقدمة وذيها، وبين السبب والمسبب. من قبيل: ان شخصا اراد الذهاب إلى الحج في الحج المستحب او لزيارة الحسين (ع) المستحب. فيمكن ان يكون التزاحم ايضا بين المستحبين. بل نقول كما قلنا امس ان حياتنا بمعظمها تزاحم وايهما نقدم الاهم، وايها اولى والاولويات حتى في الايام العادية، وهذه المسألة قلنا انها ليست خاصة بالفقه او بالشرع الاسلامي بل هي في كل العلوم كالطب وغيره.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo