< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مسألة النهي عن الضد.

     الفرق بين السيد الخوئي (ره) وصاحب الكفاية في تشخيص ركيزة التزاحم.

     وجه الجمع بين قولي العلمين (ره).

قبل البدء بالتعارض لا بأس بالإشارة إلى كلام ذكره السيد الخوئي (ره) في موضوع التزاحم.

والتزاحم انما ينشا من عدم القدرة على الامتثال، والتعارض ينشأ من التنافي في عالم الجعل. لكن ركيزة وموضوع التزاحم هو ان مسألة التزاحم تشمل القول بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد أو عدم القول. فإذا قلنا بالتبعية لا بد من ملاك للحكم. لكن التنافي سواء قلنا بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد كما هو على العدلية أم لم نقل كما هو غيرهم من الاشاعرة وغيرهم. انطلاقا من هذه النقطة يقول السيد الخوئي (ره) ان ركيزة أو موضوع التزاحم هو عدم القدرة على الامتثال اما وجود الملاك فليس شرطا في تحقق التزاحم، لذلك يميّز بينه وبين صاحب الكفاية (ره).

صاحب الكفاية له كلام، يقول بما مضمونه: ان موضوع التزاحم هو وجود الملاكين وتنافي الحكمين في عالم الامتثال، فإذا لم يوجد احدهما دخل في باب تعارض، يعني أن موضوع التزاحم هو وجود الملاكين، أما على قول السيد الخوئي (ره) لا يشترط وجود الملاكين.

إذن قبل ان نشرع في بيان علاج التزاحم لا باس بالإشارة إلى إشكال ذكره السيد الخوئي (ره) على صاحب الكفاية (ره) ومن ثم التعليق عليه. وقد كان الخلاف والكلام بينهما حول ركيزة التزاحم وموضوعه وما يبتنى عليه:

فقد ذكر السيد الخوئي (ره) أن ركيزة التزاحم وما يبتني عليه هي عدم القدرة على الامتثال، لان التنافي فيه هو في عالم الامتثال.

صاحب الكفاية (ره) قال: إن مسألة التزاحم مبنية على وجود المقتضي للحكم وهو الملاك، ويكون المانع من فعليته هو المزاحمة من الحكم الآخر. وعليه لا بد من بقاء المقتضي فيه. مثلا: انقاذ الغريق والصلاة، انقاذ الغريق فيه ملاك ومصلحة، والصلاة فيها ملاك ومصلحة، تزاحما اتفاقا في آن ما، هنا نقدم الاهم وهو انقاذ الغريق. هل معنى التقديم ارتفاع ملاك ومصلحة الصلاة أو أن مصلحة الصلاة تبقى؟ انما ترتفع فقط فعلية الحكم بالصلاة؟ والفعلية معناها الدفع والتحريك اليه فلذلك يبقى ملاك الصلاة موجودا، وثمرته أنه عند العصيان وعدم انقاذ الغريق هو تصحيح الصلاة بالملاك وليس بالأمر. عند صاحب الكفاية (ره) الملاك لا بد من بقائه، التنافي في مقام الامتثال، ولا يمكن عقلا تحريك المكلف باتجاه المهم، لكن المصلحة في الصلاة تبقى فاصطدام الصلاة بالتزاحم الأهم اتفاقا في هذا الزمن لا يعني ان مصلحة الصلاة انتفت وسقطت.

السيد الخوئي أشكل عليه بعد أن بين أن التزاحم ركيزته عدم القدرة. قال ما هذا لفظه في المحاضرات: فما أفاده صاحب الكفاية (ره) من ابتناء مسألة التزاحم على أن يكون المقتضي لكلا الحكمين موجودا في مورد المزاحمة، ومسألة التعارض على أن يكون المقتضي لأحدهما موجودا في مورد المعارضة [1] دون الآخر، لا يرجع إلى أصل صحيح، وسيأتي تفصيله بشكل واضح في مسألة اجتماع الامر والنهي إن شاء الله تعالى. انتهى [2]

وجه الجمع بين القولين:

أقول: كلا القولين صحيح ويمكن الجمع بينهما، فإن صاحب الكفاية (ره) ناظر إلى رأيه ورأي العدلية القائلين بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد. وواضح أنه بناء على هذا المذهب لا بد من بقاء المقتضيين، ذلك أن المقتضي في الحكمين موجود ولولا المزاحمة لأثر أثره. ففي المثال المقتضي لانقاذ الغريق موجود، والمقتضي للصلاة أيضا موجود والمانع من فعلية الصلاة هو المزاحمة وليس انتفاء المقتضي بل يبقى على حاله. وعلى هذا المذهب لو انتفى المقتضي بسبب المزاحمة دخل في باب التعارض، وعليه لا تنافي بين كلام العلمين (ره).

قد يقال: التنافي بين قولي العلمين موجود، فالسيد الخوئي (ره) لا يقول بضرورة وجود الملاكين، بخلاف الشيخ الآخوند (ره) الذي يقول بضرورة ثبوت الملاكين.

ولكن يمكن ان يقال: إن صاحب الكفاية نظر إلى رأي العدلية، اما السيد الخوئي فنظر إلى الجميع، ذلك انه – أي السيد الخوئي – ذهب إلى أن الركيزة هي عدم القدرة على الامتثال وان الملاك ليس شرطا والمهم التنافي في مقام الامتثال وجعلها على رأيه ورأي الآخرين الذين يقولون بان باب التزاحم موجود ويبحثونه في كتب الاصول عندهم، لذلك السيد الخوئي فرّع على هذه المسألة عدم اشتراط وجود احد الملاكين. هذا التفريع يتم على قول دون قول، صاحب الكفاية ناظر إلى رأي العدلية وهو كلام سليم ومنسجم مع نفسه، أما السيد الخوئي فيحكي عن رأي الجميع.

غدا ان شاء الله نكمل علاج باب التزاحم.


[1] وملخص التعارض ان هناك تنافي في مقام الجعل يعني ان احدهما ينفي جعل الآخر. أي ان التكاذب في مقام الجعل وليس في مقام الامتثال، فيكون احدهما كاذب في بيان الحكم الواقعي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo