< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/06/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     ملخص حقيقة التزاحم.

     بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد لا بد من وجود الملاكين.

     في التزاحم يقدم الاقوى ملاكا، وفي التعارض يقدّم الاقوى دليلا.

     في التزاحم قد يختلف الامر بين الاشخاص والازمنة بخلاف التعارض.

     هل نقدم حياة الأم على حياة الجنين من باب العنوان الثانوي؟

يستفاد مما ذكرنا من التعريف أن التزاحم يكون بين أمرين قد تمَّ جعلهما وانشاؤهما [1] ، ودخلا في عالم الفعلية ومع تحقق موضوعهما تمّ التحريك إليهما، فيكونا فعليين، وذلك لان الحكم بالنسبة للموضوع كالمعلول بالنسبة إلى علته بعد اعتباره، فإذا تحقق الموضوع تحقق الحكم. وبعبارة أدق: الحكم كالمقتضي بالنسبة إلى مقتضاه وذلك لان الفعلية قد تتعرض لمانع ولو مع تحقق موضوع الحكم ومتعلّقه. [2]

ويستفاد ايضا مما ذكرنا من التعريف أن ركيزة التزاحم هي عدم القدرة على الامتثال – كما يقول السيد الخوئي (ره) - وهذا يعني أن علاج التزاحم وهو تقديم الأهم أو التخيير عند عدم وجود الأهم يتم مهما كان الدليل [3] ، أي سواء كان الدليلان قطعيين كالآيتين أو الخبرين المتواترين أو أن يكون أحدهما قطعيا والآخر ظنيا. فقد نقدّم فعليّة الخبر المظنون الحجة على الآية القرآنية إذا كان الملاك أقوى، لان التزاحم هو في الملاكين لا في الدليلين. وهذا بخلاف التعارض كما سنرى. ففي التزاحم يقدّم الاقوى ملاكا، وفي التعارض يقدّم الاقوى دليلا.

ويستفاد أيضا اختلاف العلاج بين زمن وآخر، لاختلاف القدرة بين الزمنين، وذلك لان التزاحم موضوعه وركيزته عدم القدرة على الامتثال، بل قد تختلف هذه القدرة بين شخص وآخر. وهذا بخلاف التعارض الذي لا يختلف بين الازمنة ولا الاشخاص لأنه في مقام الجعل وهو لا يختلف كما سنرى. [4]

علاج باب التزاحم:

وبالشكل العام يقدم الأقوى دليلا، ولكن كيف نعرف الأقوى من غيره؟ العلاج يكون بحسب الحالات، وهناك حالتان: إما أن يكون أحدهما أقوى من الآخر أو لا يكون.

فإن تساويا في الأهمية فمقتضى القاعدة التخيير [5] وذلك لتمامية حجية كل من الدليلين وتمامية فعليتهما لولا التزاحم، فترفع اليد عن خصوص مكان التزاحم، ولما لم يكن أحدهما أولى من الآخر فتعيين أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح، وحينئذ كان من باب الوجوب التخييري بحسب العقل.

غدا ان شاء الله نكمل.


[1] اما في التعارض فحكم واحد يكون مجعولا فقد يكون حكم واحد وقد يكون الحكمان كذلك، وقد لا يكون احدهما مجعولا فلا يشترط في التعارض العلم بإنشاء كلا الحكمين، اما في التزاحم يجب ان نعلم بإنشاء كلا الحكمين.
[2] سؤال احد الطلبة: هل هو علّة للإنشاء؟ الجواب: العلّة للانشاء هي تماميّة الاقتضاء، اما تماميّة الفعلية فهي وجود الموضوع من دون مانع. انما يتحقق الانشاء إذا كانت هناك مصالح وملاكات، بعد الانشاء الموضوع تمّ في الخارج، مثلا: الخمر حرام، مراحل الحكم تتم اولا بوجود المفسدة وقد تكون هناك مصلحة مادية او صحية ولو ورد في الروايات انه لا مصلحة فيه، وليس هناك شيء في الدنيا شر محض أو خير محض، كل شيء فيه شر وفيه خير، نعم هناك مرحلة كسر وانكسار في الملاكات، فتصبح المصلحة هي الاغلب أو المفسدة هي الغالبة فيكون الحكم على طبقه وقد علمنا القرآن ذلك: " بسم الله الرحمن الرحيم، يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا "، هذا الامر وجداني لا يحتاج إلى دليل اصلا ولعلّ القرآن ارشاد إلى واقع الامور وليس جعلا. فبعد الانشاء يوجد الموضوع ويزجر عنه يثبت الحكم على نحو الاقتضاء.
[3] في التزاحم نقدم الاهم ملاكا مهما كان دليل الاعتبار سواء كان الدليل قطعيا كآية قرآنية، او خبرا متواترا، او خبرا محفوفا بقرائن قطعية، او الاجماع. وقد يكون الدليل ظني السند ولكنه معتبرا كالخبر الواحد او الشهرة الروائية او الشهرة الفتوائية او السيرة المعتبرة. اما في التعارض فيقدم الاقوى دليلا، فقد يكون احدهما آية قرآنية قطعي السند والآخر دليله خبر الواحد الحجة. بعبارة أخرى: في التزاحم يقدّم الأقوى ملاكا مهما كان الدليل، وفي التعارض يقدّم الأقوى دليلا مهما كان الملاك. ومثال التزاحم: لو دار الأمر بين حياة الجنين وحياة الأم. سؤال أحد الطلبة: هل يقدم بالعنوان الثانوي: والجواب: هذا من باب اجتماع العنوانين في وجودين، فهو من باب التزاحم، فيقدّم الأهم ملاكا، أما العنوان الثانوي فهو عنوان العسر والحرج والضرر على نفس الموضوع بحيث ترتفع فعلية العنوان الاولي.
[4] فائدة: في التعارض الانشاءان يتكاذبان ولا علاقه لهما بزمن ولا بشخص. أما في التزاحم فيختلف لاختلاف الأزمنة في القدرة على الامتثال بسبب تطور البشر ونمو قدراتهم. فلو فرضنا انه في زمن الشيخ الطوسي (ره) من الف سنة وقال هنا يقدم الاهم، قد يكون في زمنه اهم. بعبارة اخرى: التزاحم قد يتبدل والقدرة قد تكون تامة، اما في التعارض فهو في مقام الجعل لا علقة له بالزمن والشخص.
[5] على سبيل المثال هنا تأتي مسألة الاجهاض، إذا دار الامر بين حياة الجنين وحياة الأم؟ هنا نرى الأهم ونقدّمه وسياتي ذلك في بحث منفصل وغالبا الفقهاء يقدمون حياة الأم على حياة الجنين لان في بقاء الأم مصلحة للبيت والاطفال والرعاية، بخلاف الجنين المجهول المستقبل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo