< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/06/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     علاج باب التزاحم.

     ذكر عناوين العلاجات.

     علاج صورة ما كان المتزاحمان متساويين والعلاج هو التخيير,

     الصورة الثانية: وهي ما كان أحدهما أقوى من الآخر، فالعلاج يكون بتقديم الأقوى وهو العناوين المذكورة.

     العلاج الاول: ما ليس له بدل مقدّم على ما له بدل، سواء كان البدل عقليا ام شرعيا، وذلك لأن ما له بدل له أفراد بعضها يمنع من امتثال ما ليس له بدل فيلزمه معصية الحكم، بينما لا تمنع بقية الأفراد من امتثال ما ليس له بدل. فيتعين الامتثال بها دون الأخرى.

قلنا في تعريف التزاحم: الحكمان المجعولان في عرض واحد ( بمعنى المستقلين جعلا )، غير المقدور على امتثالهما معا، المجتمعان اتفاقا لا دائما. علاج التزاحم كيف يتم؟

قلنا سابقا ان التزاحم ليس فقط في الاصول أو في الفقه التزاحم في كل نواحي الحياة، كل يوم يصادفنا اكثر من تزاحم، في الطب وفي الهندسة وفي السياسة هناك تزاحم، التزاحم مسألة موجودة في كل العلوم وفي كل نواحي الحياة، وليس هناك دليل نصي شرعي بإنشاء قاعدة عامة في علاج باب التزاحم، بل المسألة عقلية، والعقل يقول انه يقدم الاقوى ملاكا. ونظرية تقديم الاقوى نظرية وجدانية طبيعية.

هذا الحكمان المتنافيان المتضادان إما ان يكون بينهما واحد اقوى من الآخر أو لا يكونان متساويين.

إذا كانا متساويين فالظاهر ان حكم العقل هو التخيير وليس التساقط، أي ان الامر يدور بين مذهبين: إما التساقط وإما التخيير. ومعنى التساقط ان احدهما يلغي الآخر، ومعنى التخيير أنهما يبقيان لكن انت مخيّر بينهما تخييرا عقليا. وسبب التخيير هو ان كلا الحكمين قد انشأ ووصلا إلى مرحلة الفعلية، فإذا كان كلاهما فعليا ومدفوع اليه وحدث التنافي اتفاقا، ماذا افعل؟ هل ارفع اليد عن مكان التنافي أو ارفع اليد عن اصل الحكم؟. وجدانا لا ارفع اليد عن اصل الحكم، بل يشير إليه بعض النصوص كما في الحديث الشريف " لا يسقط الميسور بالمعسور " ، " ما لا يدرك كله لا يترك جلّه "، ما معنى هذه الاحاديث الامر وجداني لا يحتاج لا إلى رواية ولا إلى نص وإلى معصوم يدلنا عليه. هذا بالنسبة للتخيير.

فان تساويا في الأهمية أو بتعبير أشمل في الاقوائية – لأن الغالب في استعمال الاصوليين الأهم هو الأهم ملاكا بينما الاقوى قد يكون أقل ملاكا، لكن يقدم لأجل أمور ستأتي -. فان تساويا في الأهمية أو في الاقوائية فمقتضى القاعدة العقلية هو التخيير ذلك لتمامية حجية كل من الدليلين وتمامية فعليتهما لولا التزاحم. فانقذ الغريق حكم والصلاة حكم، ولولا التزاحم لوجب التحرك لأجل تنفيذ كلا الحكمين، لكن لما تزاحما اتفاقا صار لا بد من رفع اليد عن احدهما لأنك لا تستطيع امتثال الاثنين معا. فنرفع اليد عن خصوص مكان التزاحم والباقي يبقى على ما هو عليه، ولما لم يكن احدهما اولى من الآخر فتعيين احدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح. هكذا حكم العقل، وحينئذ كان من باب الوجوب التخييري بحكم العقل من قبيل إذا قلت لك اتني بقلم وله افراد فانت تختار احد الافراد.

وأما إذا كان احدهما أقوى من الآخر تعيين الاتيان بالأقوى بحكم العقل وهذا لا يحتاج إلى مزيد بيان، ولا يكون تقديم الأقوى ترجيحا بلا مرجح وهذا ايضا واضح، انما الكلام في المرجحات.

وما ذكر من المرجحات هي:

المرجح الاول: تقديم ما ليس له بدل على ما له البدل.

المرجح الثاني: تقديم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية. نحن نعلم ان فعلية الحكم مشروطة بالقدرة وقلنا ان الانشاء ايضا مشروط بالقدرة فلا بد من فرد واحد مقدور عليه ولو احتمالا. القدرة العقلية يحكم بها العقل، والقدرة الشرعية هي شرط شرعي من قبيل الاستطاعة بالنسبة للحج. فقال النائيني (ره) يقدم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية. فإذا قلنا ان كل الاحكام مشروطة بالقدرة العقلية يصبح هناك تعبير آخر هو: ما لم يشترط بالقدرة الشرعية يقدم على المشترط بها.

المرجح الثالث: تقديم الأسبق زمنا.

المرجح الرابع: تقديم الأهم ملاكا.

المرجح الخامس: تقديم محتمل الأهمية.

المرجح الاول: تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل:

وهنا صورتان: ما إذا كان البدل عرضيا، وما إذا كان البدل طوليا.

أما الصورة الأولى: وهي التزاحم بين ما له بدل عَرْضي وما ليس له بدل عرضي، وسواء كان البدل عقليا أم بدلا شرعيا. والفرق بين البدل العقلي والبدل الشرعي. البدل العقلي ما انطبق عليه الجامع كانطباقه على المبدل منه انطباقا عقليا قهريا فيتخير المكلف بينها. التخيير العقلي ما كان الافراد متساوية، يكون هناك جامع مشترك وافراد متساوية مثلا اتني بقلم ولهذا القلم افراد متساوية والتخيير بينها. وتارة يكون التخيير شرعيا كخصال الكفارة، انت مخيّر بين عتق رقبة وصوم شهرين متتابعين واطعام ستين مسكينا. هذه الخصال الثلاثة العقل لا يحكم بها، هي ليست افراد لجامع واحد، وليست من باب الكلي وافراده، للوهلة الاولى لا جامع بينها لكن لما وردت في النصوص نقول لا بد من جامع افتراضي بينها، قد لا ندركه ولا نتعقله مفصلا ولكن نتصوره إجمالا، ولكن كما يقول صاحب الكفاية (ره): " عبارتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذلك الجمال يشير وجميعها يشير إلى ذاك الواحد "، في مسألة الصحيح والاعم في تصوير الجامع. إي ان هناك جامع قد لا استطيع تصوره بتفصيله لكن أتصوره إجمالا بتصوره ما يشير اليه.

وبتعبير آخر: التزاحم بين التخييري والتعييني ولا شك انه لو دار الأمر بين التعييني والتخيير وجب التعييني.

والسرّ في ذلك أن المتزاحمين قد تجاوزا مرحلة الإنشاء وأصبحا في مرحلة الفعلية بعد تحقق موضوعهما، ولما كانا كذلك وجب امتثالهما معا، ولما كان امتثال بعض أفراد التخييري سيمنع التعييني لمكان المزاحمة لزم حينئذ الامتثال بالأفراد الأخرى، وذلك لاستلزام الامتثال بالفرد المزاحم للتعييني معصية وهي ترك التعييني، فلا يمتثل به، لأن الممتنع شرعا كالممتنع عقلا.

بتعبير أخر: ان ما له بدل له افراد بعض افرادها سيمنع ما ليس له بدل أي أن ما له بدل قسمان، قسم سيمنع من امتثال ما ليس له بدل، وقسم لا يمنعني. فإذا كان الحكمان قد وصلا معا إلى مرحلة الفعلية فما الداعي لإلغاء أحد الحكمين إنشاءا أو فعلية؟ بل لا يجوز هذا الإلغاء والاسقاط بعد ثبوت الحكم في كلتا المرحلتين. هذا هو الذي اراه في السر في التقديم.

واما ما ذكره النائيني (ره) وذكره السيد الخوئي (ره) في وجه التقديم كما عن اجود التقريرات ج 1 ص 271، الطبيعة الاولى، المذكور في تقريرات السيد عبد الصاحب الحكيم (ره) لابحاث استاذه السيد محمد الروحاني (منتقى الاصول) حيث يقول:....

غدا ان شاء الله نذكر كلام الشيخ النائيني (ره).

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo