< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     تقديم ما ليسله بدل على ما له بدل طولي من باب تقديم الشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية.

     معنى القدرة العقلية والقدرة الشرعية اجمالا.

كان الكلام في مرجحات باب التزاحم وقلنا ان المرجح الاول هو تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل سواء كان البدل عرضيا وهو واضح جدا ومحل اجماع أو البدل طوليا وهو ايضا لا كلام فيه إذا اخذنا المرجح كمرجح، اما إذا اخذنا المرجح مع مرجحات اخرى كما اشكل السيد الروحاني (ره) على الشيخ النائيني (ره) في توجيهه اصبح من باب تزاحم المرجحين، كما بيّنا في الجواب على الاشكال.

نٌذَكِّر اننا نتكلم في المرجحات كمرجحات بما هي، ما ليس له بدل يقدم على ما له بدل في طوله، ويقدم على الذي له بدل في عرضه وانتهينا منه وفي توجيهاته هناك اختلاف.

وقلنا في توجيه البدل العرضي ان ما ليس له بدل إذا زاحم فردا يمكن الالتزام بالحكم بالافراد الاخرى فلا يؤدي إلى معصية وترك الآخر، بينما إذا قدمت ما له بدل على ما ليس له بدل، ما له بدل يؤدي إلى معصية ما ليس له بدل يعني سقط الحكم ووقعت المعصية، بلا شك ما لا يؤدي إلى معصية مقدم على ما يؤدي إلى معصية.

اما تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل طولي فمثاله: مع وجود ماء قليل إما ان يكفي للطهارة الخبثية أو للطهارة الحدثية، الطهارة الخبثية لا بدل لها والطهارة الحدثية لها بدل، هنا يقدم ما ليس له بدل على ما له بدل لان الوضوء له بدل وهو التيمم، عندما نقول بدل كأنه شيء من المصلحة قد امّنه، فإذا قدمت الطهرة الخبثية أكون قد أمّنت المصلحة الكاملة لها وحققت شيئا من مصلحة الطهارة الحدثية بالتيمم. اما لو قدمت ما له بدل على ما ليس له بدل اكون قد فوت المصلحة كاملة للطهارة الخبثية من دون استدراك لشيء منها.

هذه الفكرة كما يقول السيد الروحاني (ره) موجودة على الافواه وهو يقول ان هذا الكلام لا محصل له.

لكن نقول لماذا لا طائلة له؟! ظاهر البدل انه لأجل استدراك بعض المصلحة الفائتة، وغن كانت أقل من مصلحة المبدل منه.

فهنا السيد الروحاني (ره) يشكل كما ذكرنا على بعض الافراد إذ قد تكون الخصلة الاولى في ما له بدل أهم منها في ما ليس له بدل، فلا يكون التقديم مطردا، فالطهارة الحدثية شرط واقعي، بمعنى أن الواقع هو الشرط فتبطل الصلاة بعدم الطهارة الحدثية. اما الطهارة الخبثية فتصح الصلاة بدونها مع الجهل. وهذا يشير إلى أهمية الطهارة الحدثية فكيف يقدّم؟ قلنا ان هذا الاشكال ليس بوارد لسبب ان هذا دخل في باب تنافي المرجحين مثلا: الوضوء أهم من الطهارة الخبثية فإذا قدمته اكون قد قدمت الاهم ملاكا ولكن هناك مرجح آخر وهو ان الطهارة الخبثية لا بدل لها بعكس الطهارة الحدثية التي لها بدل. فاصبح في هذه المسألة مرجحان، المرجح الاول أهمية ما له بدل على ما ليس له بدل فيقدّم، المرجح الثاني ان ما ليس له بدل يقدم على ما له بدل، دخلنا في باب تنافي المرجحين، ومع تنافي المرجحين نرى المرجِّح الأقوى ويكون هو المقدّم.

إذن اشكال السيد الروحاني على الشيخ النائيني (ره) غير تام لان كلامنا هو في المرجح بما هو، يعنى تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل بما هو بغض النظر عن المرجحات الاخرى إذا تمّت، هو بذاته مرجح او لا؟. ولذلك لو تساويا في الاهميّة والملاك ايهما يقدّم؟ يقدم ما ليس له بدل.

اما وجه تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل فوجهه عند السيد الروحاني (ره) حيث يقول:

فالوجه الصحيح في التقديم هو: ان ما يكون له بدل في طوله يكون وجوبه مقيّدا بالقدرة الشرعيّة، فيكون المورد من مصاديق المرجح الثاني وهو ما إذا كان أحد الحكمين مقيّدا بالقدرة الشرعية والآخر غير مقيد بها، فان غير المقيد بها يقدم على ما هو مقيّد بها كما سيأتي بيانه. فتحصل ممّا ذكرنا: أن المرجح الأول ليس من المرجحات لأن الصورة الأولى [1] خارجة عن باب التزاحم والصورة الثانية داخلة في مصاديق المرجح الثاني، ولا تكون جهة عدم البدلية مرجحة. فلاحظ. [2]

ذكرنا التوجيه لسبب واحد لانه سينفعنا لاحقا. وتقديم ما ليس له بدل على ما له بدل مسالة محل اجماع ولا كلام فيها، لكن لماذا لا يقدم ما ليس له بدل على ما له بدل في طوله؟

لقد قلت - أي الشيخ النائيني (ره)- ان تقديم ما فيه تمام المصلحة على جزء المصلحة، أو أن جزء المصلحة يذهب إلى اسقاط المصلحة كاملة، هذا لا دخل لنا فيه!! لكن ما هو الذي لنا دخل فيه؟

قال السيد الروحاني: ان ما يكون له بدل في طوله يكون وجوبه مقيّدا بالقدرة الشرعيّة. سيأتي ان المرجح الثاني هو تقديم المقيّد بالقدرة العقلية على المقيد بالقدرة الشرعية. بعبارة اخرى: كل الاحكام مقيّدة بالقدرة العقلية، إذا انت غير قادر لا معنى لتكليفك ( بعضهم يرفضه )، القدرة العقلية شرط في التكليف بلا شك، الله عز وجل لا يكلف غير القادر. هناك بعض الاحكام مقيّدة بالقدرة الشرعية زائد القدرة العقلية، هناك فرق بين القدرتين. القدرة العقلية هي القدرة التكوينيّة، اما القدرة الشرعية مأخوذة في لسان الدليل ولو من الناحية العرفية مثلا: اكل الميتة حرام، هذا مقيّد بعدم الاضطرار، ﴿ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ [3] . افطار شهر رمضان حرام لكنه مقيّد بالقدرة الشرعية وهي عدم الاضطرار وعدم العسر والحرج والضرر. تكوينا اكل الميتة تستطيع ان تمتنع عنه، لكن الاضطرار يرفع الحكم.

والقدرة الشرعية معناها ما كان مأخوذا في لسان الشارع فيشمل القدرة العرفية وهي فيه قدرة عرفية لان الاضطرار والعسر والحرج ترفع القدرة عرفا، فترفعه شرعا، وقد وردت في لسان الآدلة، كما ان المنهي عنه شرعا غير مقدور وإن كان مقدورا تكوينا. وهذا يختلف عن القدرة العقلية لانها تكوينية محضة من قبيل لو قلت لك الوضوء واجب، فإذا كان الوضوء يضره يمكنه ان يتوضأ تكوينا لكن ارتفع التكليف بسبب الضرر، بينما هناك امور اخرى لا يرتفع التكليف بها مثلا: حفظ النفس الذي هو واجب وليس مقيّدا بشيء سواء في حال الاضطرار او في حال العسر، الحياة يجب ان تحفظها ، بينما نرى أن حرمة أكل لحم الميتة مقيّد بالقدرة الشرعية أي إذا لم تكن مضطرا أو غير ذلك من القيود المذكورة.

فلو فرضنا انه وقع التنافي وهو انه يتوقف حفظ النفس على اكل لحم الميتة، وهذا أمر حدث [4] ، او ان هناك بعض الادوية وفيها من المسكر، فإذا انحصر الدواء به ماذا نفعل؟ يوجد حكمان: حفظ حياة يزاحمه النهي عن الحرام، أي المسكر، بلا شك حفظ الحياة مقدّم. هنا يوجد مرجحان. الاول كونه أهم ملاكا، وك الثاني كون حفظ النفس غير مقيّد بقدرة شرعية بل مجرد قدرة عقلية، اما اكل لحم الميتة فهو مقيّد بقدرة شرعية أي إذا لم تكن مضطرا أي القدرة العرفية، العرف ماذا يرى، عدم القدرة هنا لا تعني انه غير قادر تكوينا. فيقدم المقيّد بالقدرة العقلية فقط دون الشرعية على المقيّد بالقدرة الشرعية. هكذا خرجها السيد الروحاني (ره) عندما قال: ان ما يكون له بدل في طوله يكون وجوبه مقيّدا بالقدرة الشرعيّة. أي ان الوضوء مقيد بالقدرة الشرعية بعكس الطهارة الخبثية، والقدرة الشرعية مأخوذة بلسان الدليل وإن لم يكن بلفظ اللسان مباشرة، يقول هكذا: " توضأ فإن لم تستطع فتيمم "، كأني اقول لك: الوضوء واجب في حال الاستطاعة أما في غير الاستطاعة فتيمم. وكانه قال ان الوضوء مشروط بقدرة وهي الاستطاعة وعدم الاضطرار اما إذا لم تكن قادرا فالتيمم. حين جعل هذه البدلية كأنه قال توضأ إذا كنت قادرا، فالقدرة صارت بلسان شرعي فصارة قدرة شرعية، فالمقيد بالقدرة العقلية مقدّم على القدرة الشرعية.

غدا نكمل، وهناك ثلاثة امثلة يبحث بها: إذا دار الأمر بين التخييري والتعييني وإذا دار الامر بين الطهارة الخبثية والحدثية، أو الوضوء أو الغسل مع ركعة او التيمم مع اربعة ركعات.


[1] الصورة الاولى وهي البدل العرضي، والصورة الثانية البدل الطولي.
[4] في جبال الانديز جبال في امريكا الاتينية وقعت طائرة من حوال الاربعين سنة، فاكلوا لحوم بعضهم البعض نعوذ بالله من هذا الابتلاء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo