< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/06/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مسألة النهي عن الضد.

     نقاش السيد الخوئي (ره) في المثال الثاني الذي أعطاه النائيني (ره) وهو فيما إذا دار الامر بين الطهارة الخبثية والطهارة الحدثية.

     إخراج السيد الخوئي (ره) للمثال المتقدم عن المرجح الاول في باب التزاحم وهو تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل، وجعل التزاحم بين واجبين هما: الصلاة بطهارة حدثية والصلاة بطهارة خبثية، وكلاهما له بدل.

     اخراج السيد الخوئي (ره) المثال المذكور من باب التزاحم وإدخاله في باب التعارض، لأن المجعول واحد وهو الصلاة الواجبة؟ حيث يدور الأمر بين مجعولين وبين مجعول واحد؟

كان الكلام في الامثلة التي اعطاها الشيخ النائيني (ره) على المرجح الاول وهو تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل، قدم الشيخ النائيني ثلاثة امثلة وفي مناقشتها فوائد. فهو جعل المورد الاول ليس من باب التزاحم، والمورد الثاني الذي بدأنا فيه وهو تزاحم الطهارة الخبثية مع الطهارة الحدثية، كما لو كان عنده كمية قليلة من الماء ولا يستطيع الجمع بين الطهارتين. قال النائيني (ره) يقدم ما ليس له بدل على ما له بدل، الطهارة الحدثية لها بدل اما الطهارة الخبثية فليس لها بدل.

السيد الخوئي (ره) يناقش في هذا المثال وقال ان هذا ليس من باب التزاحم اصلا لنقطتين: النقطة الاولى مرّت معنا وهي ان التزاحم يجب ان يكون بين امرين مولويين نفسيين ولا يكون التزاحم بين الشرائط والاجزاء. والسبب في ذلك ان الشرائط والاجزاء امر ارشادي لا عقاب فيه ولا ثواب. ولما قال ان التزاحم ملاكه عدم القدرة على الامتثال والامر الارشادي لا دفع فيه ولا تحريك ولا عقاب ولا ثواب. ولذلك قال ان التزاحم بين الصلاة بطهارة حدثية والصلاة بطهارة خبثية وليس بين تحصيل الطهارة الحدثية وتحصيل الطهارة الخبثية، وإلا لو اغمضنا النظر عن أصل الحكم ليس المطلوب مني لا الطهارة الحدثية ولا الطهارة الخبثية. فإذن التزاحم يكون بين المطلوبين وهما اما الصلاة مع طهارة حدثية أو صلاة مع طهارة خبثية، لذلك عبّر بالمسامحة في التعبير لأنه حول المسألة من التزاحم بين الطهارتين إلى تزاحم بين صلاتين فلم تعد من المرجح الاول لان لكلا الصلاتين بدلا، ثم في النقطة الثانية بعد أن أخرجه من المرجح الاول فلا يكون من تطبيقات تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل تطوّر ليقول هذا ليس تزاحما من الاساس. اول مرحلة اخرجه عن المرجح الاول والنقطة الثانية اخرجه عن اصل باب التزاحم ليدخل في باب التعارض.

وملخص النقطة الثانية انه يدور الامر ليس بين الصلاتين، الصلاة بطهارة حدثية والصلاة بطهارة خبثية تزاحما، بل يدور الامر بينهما تعارضا وذلك لان المطلوب والمجعول واحد: إما الصلاة بطهارة حدثية أو الصلاة بطهارة خبثية. فالمجعول ما هو؟ لا ادري. وليس الموضوع مجعولين وواجبين في حقي وصلا إلى عالم الامتثال وتنافيا. بل من اصل الموضوع هناك صلاة واحدة واجبة، فصار من باب التعارض لان التعارض تناف وتكاذب في عالم الجعل وليس في عالم الامتثال. فانكشف ان المسألة من باب التعارض.

النقطة الثانية التي اوردها السيد الخوئي (ره) على المثال الثاني: الثاني: أن التزاحم كما ذكرناه في غير موضع إنما يجري بين واجبين نفسيين كالصلاة والإزالة مثلا، أو بين واجب وحرام [1] ، وأما بين أجزاء وشرائط واجب واحد فلا يعقل جريان التزاحم فيه.[2]

والوجه في ذلك: هو أن جميع تلك الأجزاء والشرائط واجب بوجوب واحد على سبيل الارتباط ثبوتا وسقوطا، غاية الأمر أن الأجزاء بنفسها متعلَّقة لذلك الوجوب والشرائط باعتبار تقيدها [3] ، بمعنى أن الوجوب تعلق بالأجزاء متقيدة بتلك الشرائط. ومن الواضح جدا أن ذلك الوجوب الواحد يسقط بتعذر واحد من تلك الأجزاء أو الشرائط بقانون " أن الأمر بالمركب يسقط لا محالة بتعذر واحد من أجزائه أو شرائطه "، لاستحالة تعلّق الوجوب به في ظرف تعذر أحد أجزائه أو قيوده، لأنه تكليف بالمحال فلا يصدر من الحكيم.

وعلى هذا فمقتضى القاعدة سقوط الوجوب عن المركب، كالصلاة وما شاكلها عند تعذر جزء أو شرط منه كما هو مقتضى كون أجزائه ارتباطية. فإذن ثبوت الوجوب للباقي يحتاج إلى دليل، وقد دل الدليل في خصوص باب الصلاة على عدم السقوط، ووجوب الإتيان بالباقي، فعندئذ بما أن فيما نحن فيه قد تعذر أحد قيدي الصلاة - هما: الطهارة الحدثية والطهارة الخبثية - فمقتضى القاعدة الأولية سقوط وجوبها، فيحتاج وجوب الباقي إلى دليل، والدليل موجود هنا، وهو ما دل على أن الصلاة لا تسقط بحال، بل يكفينا لإثبات عدم سقوطها في المقام الروايات الخاصة الدالة على وجوب الإتيان بها في الثوب أو البدن المتنجس أو عاريا، وما دل على لزوم الإتيان بالطهارة الترابية مع تعذر الطهارة المائية.

وعليه فيعلم إجمالا بجعل أحد هذين الشرطين في الواقع دون الآخر. إذن لا محالة يقع التعارض بين دليليهما، إذ لم يعلم أن أيهما مجعول في هذا الحال في مقام الثبوت والواقع، فما دل على شرطية الطهارة الحدثية في هذا الحال لا محالة معارض بما دل على شرطية الطهارة الخبثية.

وعليه فلا بد من الرجوع إلى مرجحات باب التعارض إن لم يكن التعارض بينهما بالإطلاق، وإلا فيسقطان معا، فلا تصل النوبة إلى الترجيح. فإذن ما معنى وقوع المزاحمة بينهما؟ بداهة أن المزاحمة بين تكليف وتكليف آخر فرع ثبوتهما

في الواقع ومقام الجعل من دون أي تناف في البين لتقع المزاحمة بين امتثال هذا وامتثال ذاك.

وعلى الجملة : فالأمر المتعلق بالصلاة الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط قد سقط لا محالة بتعذر واحد من شرطيها - هما : الطهارة الحدثية والطهارة الخبثية - بمقتضى القاعدة الأولية . غاية ما في الباب قد دل دليل من الخارج على وجوب الباقي من الأجزاء والشرائط [4] . ومن الواضح جدا أن هذا الوجوب غير الوجوب الأولي المتعلِّق بالواجد والتمام، فإنه قد سقط من ناحية تعذر المركب. ومن المعلوم أن جزئية الأجزاء وشرطية الشرائط قد سقطتا بتبع سقوطه لا محالة، ضرورة استحالة بقاء الأمر الانتزاعي في ظرف سقوط منشئه. وعليه فالجزئية والشرطية للأجزاء والشرائط الباقيتين لا محالة مجعولتان بجعل ثانوي وبدليل خارجي دال على وجوب الباقي وعدم سقوطه. [5]

غدا ان شاء الله نكمل.


[1] كانقاذ غريق والمشي في ارض غير مرخص فيها.
[2] الشرائط والاجزاء واجبان غيريّان، فهل التزاحم يشمل الواجوب الغيري كما يشمل الواجب النفسي؟ فتعود المسألة إلى اصل تعريف التزاحم. ونحن لم نقل نفسيين بل قلنا ان التزاحم في المجعولين الاستقلاليين ثم اتفاقا اجتمعا في مورد واحد.
[3] الفرق بين الجزء والشرط بتعبير الشيخ النائيني (ره): ان الجزء يكون القيد والتقييد داخل في المقيّد – المتعلق -. اما في الشرط فالتقييد داخل دون القيد.
[4] فإذن وجوب الباقي صار بجعل آخر . هذا النقطة تحتاج إلى تأمل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo