< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: مسألة النهي عن الضد.

     ملخص كلام السيد الخوئي (ره) وهو أن المسألة من صغريات كبرى تزاحم الواجب المشروط بالقدرة العقلية والمشروط بالقدرة الشرعية.

     تقديم الحج على النذر لرفع موضوعه دون العكس.

كل عام وانتم بخير نسأل الله تعالى ان يعيده علينا بالخير والبركة والرحمة، شهر شعبان كله مواليد وكله انوار، ونحن نبارك لكم مولد الحسين (ع) ومولد زين العابدين (ع) ومولد ابي الفضل العباس (ع)، نسأل الله تعالى ان نكون معهم في الدنيا والاخرة.

الكلام في مرجحات باب التزاحم، والكلام في ترجيح الاسبق زمانا وفي المثال الذي اعطاه الشيخ النائيني (ره) في ما لو نذر ان يزور الامام الحسين (ع) يوم عرفة وبعد ذلك استطاع، فأيهما نقدّم النذر او الحج؟

الشيخ النائيني (ره) والسيد الخوئي (ره) ذهبا إلى وجوب الحج، وغيره ذهب إلى تقديم النذر كصاحب الجواهر والسيد كاظم اليزدي في العروة، لكل واحد مبرره لكن كيف نستطيع أن نبلور الحقيقة؟

ملخص ما مرّ: السيد الخوئي ذهب إلى تقديم الحج لان الاستطاعة المطلوبة في الحج كشرط وجوب هي استطاعة عقلية والنذر القدرة المأخوذة فيه الاستطاعة الشرعية. وما كان مشروطا بالقدرة العقلية مقدم على المشروط بالقدرة الشرعية، او لان الاستطاعة تكشف عن ان متعلّق النذر كان مرجوحا لاستلزامه ترك واجب.

لكن نحن من خلال ما استعرضناه من روايات وجدنا ان الشرط هو الاستطاعة الشرعية وليس الاستطاعة العقلية. فإذن الذي تحصّل عندنا هو تزاحم امرين مشروطين بالقدرة الشرعية، فبعضهم كالسيد اليزدي وصاحب الجواهر قالا يقدّم النذر لأنه الاسبق زمانا، ردّ علهما السيد الخوئي ونحن ايدناه في الرد ان المراد بالأسبق زمانا هو الاسبق بين الواجبين لا بين الوجوبين.

ولكن نحن بينا ان المراد من الاستطاعة ليس الاستطاعة العقلية بل الاستطاعة الشرعية، واستدللنا ببعض الكلمات الواردة في الروايات: " او امر يعذره الله فيه " تعبير يعبر عن القدرة الشرعية، والقدرة الشرعية معناها هو وجود الموضوع مع عدم استلزامه حراما وعدم استلزامه ترك واجب أو هتك كرامة أو مرض أو خوف على مال أو غير ذلك مما أهتم به الشارع.

من هنا يظهر ما في كلام السيد الخوئي في المحاضرات حيث يقول:

وعلى هذا الأساس فلا يكون وجوب الوفاء بالنذر أو ما يشبهه مانعا عن وجوب الحج ورافعا لموضوعه، فإن موضوعه - وهو وجدان الزاد والراحلة مع أمن الطريق - موجود بالوجدان، بل الأمر بالعكس [1] ، فإن وجوب الحج على هذا مانع عن وجوب الوفاء بالنذر ورافع لموضوعه، حيث إن وجوب الوفاء به منوط بكون متعلقه مقدورا للمكلف عقلا وشرعا. ومن الواضح أن وجوب الحج عليه مُعجِزٌ مولوي عن الوفاء به فلا يكون معه قادرا عليه، فإذن ينتفي وجوب الوفاء به بانتفاء موضوعه.

ونتيجة ذلك: هي أن التزاحم بين وجوب الحج ووجوب الوفاء بالنذر ليس داخلا في الكبرى المزبورة ( التزاحم بين واجبين يكون كل منهما مشروطا بالقدرة شرعا )، بل هو داخل في الكبرى الأولى، وهي التزاحم بين واجبين يكون

أحدهما مشروطا بالقدرة شرعا والآخر مشروطا بالقدرة عقلا، وذلك لما عرفت الآن من أن وجوب الحج مشروط بالقدرة عقلا فحسب، ولا يعتبر في وجوبه ما عدا تحقق الأمور المزبورة، ووجوب الوفاء بالنذر مشروط بالقدرة عقلا وشرعا. وقد تقدم أنه في مقام وقوع المزاحمة بينهما يتقدم ما كانت القدرة المأخوذة فيه عقلية على ما كانت القدرة المأخوذة فيه شرعية، فإن الأول يوجب عجز المكلف عن امتثال الثاني فيكون منتفيا بانتفاء موضوعه، ولا يوجب الثاني عجزه عن امتثال الأول، لأن المانع من فعليته إنما هو عجزه التكويني، والمفروض أنه لا يوجب ذلك.

فما أفاده شيخنا الأستاذ (قدس سره) من أن التزاحم بينهما من صغرى التزاحم بين واجبين يكون كل منهما مشروطا بالقدرة شرعا لا يمكن المساعدة عليه. [2]

نقول: بل يمكن كل المساعدة عليه، فان الشروط المذكورة هي شروط شرعية مأخوذة لدى الشارع، وحينئذ تكون من صغريات كبرى تزاحم المشروطين بالقدرة الشرعية، وحينئذ نبحث عن مرجح وهو أهمية الملاك هنا فنقدّم الأهم ملاكا والحج أهم.

قلنا سابقا اننا ندرس كل مرجح في باب التزاحم بمفرده بغض النظر عن وجود مرجح آخر، أي ان الاسبق زمانا هو مرجح، وتقديم ما ليس له بدل على ما له بدل مرجح، والمشروط بالقدرة العقلية يقدم على المشروط بالقدرة الشرعية مرجح، اما مع وجود مرجح أخر يصبح الكلام في تعارض المرجحين. وهنا لما اصبح كلاهما مشروطا بالقدرة الشرعية، فإن تقديم مرجح القدرة العقلية على الشرعية ليس موجودا، إذن ما هو المرجح الآخر؟ قالوا: الاسبق زمانا.

قال السيد الخوئي (ره)انه ليس من باب الاسبق زمانا لان الاسبق زمانا بين واجبين وليس بين وجوبين.

ومنه أيضا يظهر ما في ترجيح السيد الخوئي (ره) تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر واشباهه في مقام المزاحمة، حيث برّر التقديم بوجهين:

الاول: إن ذلك يستلزم ما هو باطل بالضرورة وهو إمكان رفع الحج كليا عن جميع المكلفين. وهذا يعني انني استطيع الخروج عن معظم الواجبات الشرعية بالنذر او العهد أو اليمين أو الشرط المأخوذ في ضمن عقد أو أشباه ذلك.

فكلام صاحب الجواهر (ره) والسيد كاظم اليزدي (ره) في تقديم النذر على الحج باطل بالضرورة، لأنه يستلزم ان جميع المسلمين يستطيعون التخلص من جميع الواجبات من خلال الحيلة الشرعية وهي النذر، وهذا باطل بالضرورة.

فإذن يقدم الحج على النذر لوجهين:

الاول: ان تقديم النذر يستلزم ما هو باطل بالضرورة، وهو امكان رفع الحج كليا عن جميع المكلفين ببيان.

غدا ان شاء الله نبين كلام السيد الخوئي، ونبين ان هذا الاشكال ليس تاما.

 


[1] هجوم معاكس من السيد (ره) بنفس الطريقة. كما ان النذر يمنع من الاستطاعة للحج. لكن الاستطاعة امر تكويني وقد تم، عندها وجب الحج واصبح الوفاء بالنذر مؤديا إلى ترك واجب. أي ان الحج هو الذي يرفع موضوع النذر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo