< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مسألة النهي عن الضد.

     تلخيص ما مرّ في نقاط خمسة.

دخلنا في مطلب تزاحم النذر والحج لا لذات المسألة بل لكثرة ما يستفاد من بحثها وتطبيقه على ما يشترك معها.

ونلخص ما وصلنا اليه في نقاط:

الاولى: إن الاستطاعة المأخوذة في وجوب الحج شرعية.

النقطة الثانية: إن هذه المسألة من صغريات كبرى تزاحم المشروطين بالقدرة الشرعية وليس من صغريات تزاحم المشروط بالقدرة العقلية ومع المشروط بالقدرة الشرعية. فتحتاج إلى مرجح آخر.

النقطة الثالثة: المسألة ليست من صغريات تقديم الأسبق زمانا، لان الأسبق المتقدّم هو الأسبق بين الواجبين لا بين الوجوبين. لأنه عندما يتنافى دليلان فإما ان يكون لأجل تعيين المأمور به فيشمل العام والخاص والمبيّن وإلى آخره، واما ان يكون لتعيين الفعلي منهما وهذا باب التزاحم، واما ان يكون لتعيين المجعول واقعا فهذا باب التعارض.

الاول: علاجه يكون بالظهورات. والثاني: وهو التزاحم علاجه بمرجحات باب التزاحم: ذكرنا منها: تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل. ومنها: الاسبق زمانا. ومنها: تقديم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية. عندما صار الاثنان مشروطان بالقدرة الشرعية تكون هذه المسألة من صغريات المرجح الذي هو تقديم القدرة العقلية على القدرة الشرعية، يجب ان نبحث عن مرجح آخر.

قالوا الاسبق زمانا. قلنا أن هذه ليس من باب الاسبق زمانا وإن ذكرها صاحب الجواهر والشيخ النائيني انها من هذا الباب.

النقطة الرابعة: أن التقديم مع تساويهما هو بلحاظ الأهمية، فلنبحث عن الأهم.

وقد ذكرنا أن المرجح قد لا يكون وحيدا، واحيانا يكون التزاحم بين المرجحين قد يكون الاسبق زمانا هو المرجح ومعه مرجح آخر، من قبيل أن ينذر نذرا بأن يكون يوم عرفة في كربلاء لكن بعد النذر طرأ شيء مهم كإنقاذ حياة شخص. وقد يكون اسبق وجوبا وواجبا، مع ذلك لا نقدم الحج لأهمية الملاك. هذا ما نسميه تزاحم الملاكين. [1]

النقطة الخامسة: وهو أن الالتزام النذري يقتضي كون متعلّقه حصة خاصة وهي الحصة المقدورة نظير اقتضاء نفس التكاليف لذلك. ففي النذر نلحظ القدرة على متعلقه من حيث إنشائه، وكل حدث يطرأ بعد ذلك بحيث يزاحم متعلّق النذر، مع عدم إمكان صرف القدرة إلا على أحدهما، يكون رافعا لموضوع النذر. مثلا: فإذا استطاع الحج يتبين من أساسه أن النذر غير مقدور، كبقية التكاليف كما قيل، لان بقية التكاليف المطلوب منها هو الحصة المقدورة اما غير المقدور فليس مطلوبا من حين الانشاء.

فنقول: إن هذا كلام مبنائي مبتن على كون التكليف هو البعث أو الزجر كما هو المشهور [2] ، وهو جعل الداعي إلى خصوص الحصة المقدورة، فيكون متعلّق التكليف هو الحصة المقدورة، وأما بناء على ما ذهب اليه السيد الخوئي (ره) من كون التكليف هو جعل شيء في الذمة فهو يقتضي جواز التكليف بالمطلق وإن لم يقدر على جميع افراده ويكفي فيه القدرة على فرد واحد حيث الامتثال.

وبعبارة اخرى: فان لبّ المسألة هو هل متعلّق التكليف هو المطلق المقدور ولو على فرد منه في حال الامتثال، أو متعلّق التكليف هو نفس هذا الفرد المقدور؟

ولذا كان إشكال السيد الخوئي (ره) على النائيني (ره) في هذه النقطة إشكالا مبنائيا، أي بناء على مذهبه في عدم اشتراط القدرة في متعلق التكليف، واما بناء على ما هو المشهور من ان التكليف هو دفع وزجر، فلا إشكال على النائيني (ره) .

واما من وجهة نظرنا فقد ذكرنا ان المسألة مرتبطة بجهة الصدور، فان كان صدور الأمر حقيقة لجعل الداعي إليه أي كان مولويا فلا بد من ان يكون متعلقه مقدورا في مرحلة الفعلية، بل حتى في مرحلة الانشاء إن كان الآمر حكيما.

وإن كان الصدور لأجل بيان حسن المتعلق واشتمال جميع أفراده على الملاك أي كان ارشاديا، فهذا لا مانع من كون المتعلّق غير مقدور فلا تشترط القدرة فيه. [3]

ولا باس قبل نهاية الكلام من ذكر كلام للسيد الخوئي (ره) تعليقا على كلام صاحب العروة حيث يقول:

ثم إنه من الغريب ما صدر عن السيد الطباطبائي (قدس سره) في العروة في المسألة " 32 " من مسائل الحج، وإليك

نص كلامه: ( إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين (عليه السلام) في كل عرفة. [4]


[1] تزاحم الملاكين هذا ما يحتاج إلى فقاهة عالية، وهذا ليس قياسا وليس كل قياس مرفوض، القياس منصوص العلّة مقبول، وقياس الاولوية ايضا مقبول، وحتى القياس الظني المرفوض لولا النص لقبلناه لان العرف والسيرة العقلائية على ذلك.
[2] أو ارسال، كما عبّر عنه السيد الصدر (ره).
[3] مراحل الحكم: قلنا ان هناك مرحلة المصالح ثم الانشاء والفعلية والتنجيز. الحكم يدفع اليه في عالم الفعلية، والفعلية هي وجود الموضوع زائد عدم الموانع من الفعلية، لان التحرك لا يكون مع وجود مانع. هذا ما نفهمه من تدرج الحكم، وإلا كما قلنا ان الحكم له مرحلة واحدة وهي انشاء الحكم، والباقي حالات، ما قبل الحكم لا يوجد شيء سوى وجود المصلحة، إذا انشأنا الحكم يكون قد اصبح هنا جعل، وهذا الجعل هو الحكم. ووجود الموضوع في الخارج لا دخالة له في الحكم هو حالة من حالات الحكم، فإذا تم الموضوع ولا توجد موانع شرعية كترك واجب او فعل حرام حينها نحرك نحو الحكم، نعم لا تكون انت مسؤول امام الآمر إلا بعد العلم بذلك، وتسمى مرحلة التنجيز.
[4] محاضرات في اصول الفقه، تقريرات بحث السيد الخوئي للفياض، ج3، ص66. المثال يربي: ملاحظة تشمل كل العلوم: وهي ما السبب في تكرار نفس المثال عند البحث عن المسألة، مع العلم بوجود أمثلة كثيرة، والبحث ليس في هذا المثال بعينه؟ عندما يأتي شخص ويأسس لفكرة او يعطي مثالا تصبح كل الامثلة عليه والبحث فيه، لكن هو عبارة عن صورة او انعكاس لامثلة كثيرة جدا. والجواب: إن واقع الحال في كل العلوم هو أنه كما في الرياضيات يعبرون عن المجهول بحرف " س " ويمكن التعبير عنه بأي حرف آخر، ولكن جرت العادة على ذلك، وفي النحو يقال جاء زيد وذهب عمرو، هل لا يوجد اسم إلا هذان؟ يمكن استبدال المثال بأسماء أخرى. ومن باب الاستطراد: اتمنى منكم انتم كمدرسين في مقام التمثيل اعطوا امثلة للطالب لما ينفعه وبما ينفع الناس. انا في مقام التمثيل كثيرا ما اعطي امثلة من باب الابتلاءات، المثال يؤدب ويربي ويعطي ثقافة واسعة. اتمنى منكم في ايامنا هذه التي بدأت القيم تضعف، وهناك مؤامرة اخلاقية علينا وببركات وسائل الاعلام المضادة والمعادية والفاسدة، فلا نعطي المثال فقط، إذا نظر إلى اجنبية فلنعط مثالا اوسع من ذلك وذكرنا مثال الحفاظ على العرض فان العرض اوسع من المرأة، قلنا ان العرض هو ما فيه الكرامة فالشارع والدار والمنطقة وغير ذلك هو عرضك، كل شيء غير صحيح في مجتمعك هو اهانة لعرضك. فلنعط امثلة عامة من واقع يجب تغييره فلا تكون الامثلة محصورة باطار خاص، الفقه مثلا يحتاج إلى تجديد امثلة، وحتى تكون هناك تربية اخرى للناس الامثلة يجب ان لا نحصرها بالطهارة والنظر إلى الاجنبية، فلنقل مثلا ان التعدي على الجيران ولو بإطلاق الرصاص او بالصوت العالي فهذا ايضا محرم، فلا نحصر امثلتنا باتجاه واحد، تغيير الامثلة واعطاء امثلة معاشة يحتاج اليها الناس لها اثر في سعة التربية، أي يصبح الفقه مربيا ولا يبقى مادة جافة، وكذلك الاصول. يجب أن نبيّن ولو من خلال المثال ان التعدي على الحقوق العامة من المحرمات وليس فقط من المسلك الصالح، وانا اعتقد ان ذلك من الامثلة التي تعطى دائما. نحن نحتاج إلى ثقافة فقهية واسعة من جهة القيم، القيم الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، نحن نحتاج إلى هذه الثقافة حتى في امثلتنا، المثال يربي ويعطي الثقافة العالية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo