< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/03/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: نظرة على بعض القواعد والمسلمات.

- قاعدة الواحد لا يصدر إلا عن واحد من المسلمات إجمالا.

- التذكير بالمسلمات التي نتكل عليها.

- تفصيل عدد من العلماء.

- استطراد: متى تدخل القواعد الفلسفية والعقلية التي ذكروها في عملية الاستنباط.

نكمل الكلام في قاعدة الواحد لا يصدر إلا عن واحد، وللوهلة الاولى هذه قاعدة مسلّمة وإلا لصدر الكثير عن الكثير، وإلا لصدر كل شيء عن كل شيء. فإذا لم تكن هناك سنخية بين العلّة والمعلول لماذا هذه العلّة تنتج هذا المعلول دون غيره؟ وإلا لصدر كل شيء عن كل شيء وهذا لا يكون إلا في الاعتباريات المحضة من غير الحكيم.

السنخية بين العلّة والمعلول قاعدة صحيحة ومسلّمة عندهم وإلا لصدر كل شيء عن كل شيء بدون أي ضابطة النار يصدر عنها الاحراق محددا والاحراق لا يصدر عن أي شيء ولا النار تصدر أي شيء.

الواحد لا يصدر إلا عن واحد مسألة وجدانية ليست بحاجة إلى دليل، كما في قولنا: واحد زائد واحد يساوي اثنين، والنقيضان لا يجتمعان، نعم الكلام في شمول هذه القواعد وغيرها وتفسير مفرداتها؟

ذكرنا امس مثالا يوضح الفكرة وهو ان الحرارة تنتج عن النار والاحتكاك واشعة الشمس والكهرباء والغضب وغير ذلك، النار والاحتكاك علتان، النار من مقولة الجوهر والاحتكاك من مقولة العرض وهل يوجد جامع بينهما بين الجوهر والعرض؟ لا بد للعلتين من جامع حقيقي وليس جامعا اعتباريا، وكمثال آخر: الموت يكون بالرصاص والوقوع من شاهق ويكون بالسيف والسكتة القلبية وغير ذلك، هناك جامع حقيقي بينها.

لكن الاشكال يقع في العلل ذات المقولات المختلفة مثلا: النار والاحتكاك، ان النار من مقولة الجوهر والاحتكاك من مقولة العرض، والجوهر هو الموجود في موضوع والعرض الموجود لا في موضوع، ما هو الجامع بين النار والاحتكاك؟ هل يوجد جامع حقيقي تكويني بين الاثنين؟ لا نستطيع ان نجد جامعا بين النار والاحتكاك وهذا الجامع يجب ان يكون جامعا حقيقيا، وإذا كان جامعا حقيقيا ما هو؟ وكيف يمكن ان يكون؟

لذلك من ذهب إلى انه لابد من وجود جامع وهذا الاشكال شبهة في مقابل بديهة إذا لم نستطع ردّها ذهب إلى ما ذهب اليه صاحب الكفاية (ره) من ان الواحد لا يصدر إلا عن واحد مطلقا، استخدمها في الاعتباريات وفي الانتزاعيات وفي العنوانيات وفي الكليات وفي الشخصيان وفي النوعيات وفي كل شيء، استخدمها في بحث موضوع كل علم، وفي بحث الوجوب التخييري، وفي بحث الموضوع له في العبادات، عندما ذهب إلى ان الصلاة مثلا موضوعة لشيء واحد، كل ما في الامر اننا لا نعرفه بعنوانه بل نعرفه بما يشير إليه، عندما ورد ان الصلاة " قربان كل تقي " او " معراج المؤمن " أو انها " تنهى عن الفحشاء والمنكر " ، هذا اثر يصدر عن واحد والواحد لا اعرفه. استخدم الشيخ هذه القاعدة في موارد عدّة ليثبت ما يذهب اليه.

بعضهم فصّل بين النوعي والشخصي وبين الانتزاعي والحقيقي وبين الاعتباري والتكويني وغير ذلك، وسأذكر من جهتي ملخصا لما نذهب اليه.

المختار: بعد التسليم بالسنخية الواحدة بين العلّة والمعلول وإلا لصدر كل شيء عن كل شيء من دون ضابطة، هذه الضابطة سميناها السنخية وليس المراد من السنخية النوع ولا الجنس ولا الفصل ولا العرض العام ولا الخاصة، هناك علاقة خاصة بين العلة والمعلول حتى قيل ان المعلول وجود ضعيف للعلّة، أي ان المعلول كامن في علّته، هكذا قالوا وان العلّة وجود قوي للمعلول، لكن هذه لا نسلّم بها، نعم لا بد من علاقة بينهما. [1]

وبعد التسليم باختلاف العلّة والمعلول مفهوما وعدم اتحادهما في الذهن، وعدم ترتب أحدهما على الآخر ذهنا، بل التلازم العقلي بينهما هو في خصوص الوجود الخارجي، وبعد التسليم بان الشيء ما لم يتشخص لم يوجد، وانه ما لم يجب لم يوجد، فالمعلول وعلّته متحدان زمنا في الخارج مترتبان رتبة في الذهن.

بعد ذلك نقول: إن المعلول الواحد تارة في البسيط الواحد مثل هذه الحرارة، فلا شك في علّة واحدة له، وإلا لصدر كل شيء عن كل شيء لان صدور الاشياء حينئذ عن بعضها البعض يكون بلا ضابطة.

وهذا البسيط سواء كان فردا، أو طبيعة، او عنوانا منتزعا أو عنوانا اعتباريا، فان ما قلناه ينطبق عليه.

غدا ان شاء الله نكمل البحث ونبحث في قاعدة الواحد لا يصدر عنه إلا واحدـ، بعد هذا نقول ان الفرد البسيط سواء كان فردا أو عنوانا واحد لا يصدر إلا عن واحد صحيح اما المركب فلا.


[1] استطراد: لرفع بعض الشبهات: لماذا أدخل بعض الاصوليين والفقهاء القواعد الفلسفية والعقلية في الاستنباطات الفقهية؟ هناك كلام كيف ادخلتم الفلسفة في الاصول؟ هناك حملة شعواء ادخلتم المعقولات في علم الاصول والاستنباط، والاستنباط عبارة عن ظواهر وجعليات. نقول: ان هذا الكلام غير صحيح، نحن ندخل المعقولات في موردها ولا ندخلها في مورد آخر، بعبارة اخرى: مثلا: " النقيضان لا يجتمعان " هذه قاعدة وجدانية لماذا لا استطيع ان ادخلها في علم الاصول او في علم الفقه أو ان استنبط منها؟! الفكر ما هو؟ في حاشية الملا عبد الله يقول: والفكر ملاحظة المعلوم لتحصيل المجهول، أي انتقل من المعلوم إلى المجهول وهذا هو التفكر. اذا كان هناك شيء مجهول عندي فاستخدم فكري واستخدم احاديث أهل البيت والروايات، استخدم كل شيء بشرط ان يصبح يقينيا قطعيا، قواعد تصل من خلالها إلى نتيجة مجهولة من علم. في الامور الاعتبارية ليس هناك مجال للعقليات فهذا صحيح، من قبيل انا سميت ابني محمدا، اعتبرت ان ابني اسمه محمد. اما في العلّة المعلول وهي مسألة وجدانية لا تحتاج إلى دليل كما في النار علّة للحرارة، هذه مسألة وجدانية موجودة. والجعليات عبارة عن اعتباريات كما لو اعتبر ان الجنابة علّة لوجوب الغسل، او الحدث الاصغر علّة لاستحباب الغسل، هذا الاعتبار بيد المعتبر وقبل الاعتبار وفي عملية الاعتبار لا علاقة للفلسفة والقواعد العقلية به، ولذا قالوا إن الاعتبار سهل المؤونة، لكن بعد الاعتبار وبعد جعلت علاقة العلّة والمعلول بين المتباينين يخضع قهرا للقوانين العقلية، الحدث الاصغر والوضوء أمران متباينان، فلا يجري بينهما أحكام العلّة والمعلول، لكن بعدما جعلتهما علّة ومعلولا واعتبرتهما كذلك فلا بد من خضوعهما لأحكام العلاقة بين العلّة والمعلول. انا كمعتبر وشارع عندما اعتبرت وقلت ان هذا علّة لهذا يعني لا يمكن ان يكون هناك حدث اصغر من دون استحباب وضوء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo