< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الواجب التخييري.

     توضيح معنى اشتراط العلّة المباشرة من دون وسائط.

     الواجب التخييري.

نوضح ما ذكرناه بالأمس من اشتراط العلّة المباشرة: الواحد مباشرة بلا واسطة، وذلك لجريان القاعدة: الواحد لا يصدر إلا عن واحد. وليس المقصود العلّة بوسائط الواقعة في تسلسل العلل طوليا، فان القاعدة حينئذ لا تجري. ولا باس بالعودة لبيان هذه النقطة:

ونقرب مثالا شرعيا على ذلك في الامور الشرعية:

كفارة إفطار شهر رمضان عمدا مخيّرة بين عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا.

هناك مبنيان: تارة نقول ان الغرض واحد وهناك جامع مشترك بينها. وتارة الاغراض متعددة بتعدد الخصال.

فبناء على أن الغرض واحد من هذه الكفارات، لأن الأثر واحد، وهو مثلا إزالة الأثر السلبي للإفطار العمدي، يكون هذا الغرض الواحد صادر عن الجامع المشترك بين الخصال الثلاث، لأن الواحد لا يصدر إلا عن واحد.

وأما بناء على أن الاغراض متعددة بتعدد الخصال، فعتق الرقبة غرضه إلغاء الفوارق بين الناس مثلا، وصوم الشهرين غرضه تزكية وتربية النفس وصحة البدن، والاطعام غرضه سدّ جوع الآخرين، وإلى ما هنالك، فبناء على تعدد الاغراض لا يكون الأثر واحدا، فلا تنطبق القاعدة.

ولا يقال: إن الاغراض المتعددة تنتج أمرا واحد وأثرا واحدا، فلا بد من أن يكون هذا الاثر ناشئا من أمر واحد هو الجامع بين الاغراض المتعددة، لان الواحد لا يصدر إلا عن واحد، وبهذا عدنا إلى القاعدة من جديد!

فانه يقال: إن هذا الجامع المشترك هو بين أغراض الخصال لا بين الخصال نفسها، فلا جامع بين الخصال نفسها، فلا تنطبق القاعدة على نفس الخصال وذلك لتعدد الأثر، نعم هي تنطبق على الاغراض لانها ناشئة من غرض واحد، فلا بد من جامع بينها، وتنطبق القاعدة حينئذ. هذا ما قصدناه بالمباشر وغير المباشر أي العلّة بغير واسطة والعلّة بواسطة. هذا ما اشرنا اليه امس وسنحتاجه لاحقا.

فصل: الواجب التخييري:

والكلام فيه في امرين: الاول في معنى الواجب التخييري، والثاني: في انه هل يمكن التخيير بين الاقل والاكثر؟ أي كيف يكون الغرض الواحد ناشئا من اقل ومن اكثر هل نستطيع ان نتصور هذا؟

اما في الاول: أي معنى الواجب التخييري، هذه مسألة قديمة بحثها الاصوليون حيث يقول صاحب المعالم (ره): المشهور بين اصحابنا ان الامر بالشيئين او الاشياء على وجه التخيير يقتضي ايجاب الجميع لكن تخييرا، بمعنى انه لا يجب الجميع، ولا يجوز الاخلال بالجميع، وايهما فعل كان واجبا بالأصالة، وهو اختيار جمهور المعتزلة، وقالت الاشاعرة " الواجب واحد لا بعينه ويتعين بفعل المكلّف". [1]

مع التأمل في كلام صاحب المعالم نرى ان الواجب المخيّر صار مرتبطا باختيار المكلّف أي ليس هناك واجب واقعي، أي هناك فرق بين محقق الواجب والواجب. والفرق بين كلام المعتزلة والاشاعرة انه عند المعتزلة قالوا ان الجميع واجب، اما عند الاشاعرة الواجب واحد وليس بعينه، لذلك صاحب الكفاية (ره) لم يرتض كلامهم ولا يمكن تصور الواحد بعينه أي المردد.

إذن المسألة قديمة، ويقول صاحب الكفاية عند تعداد الاقوال: فصل: إذا تعلق الامر بأحد الشيئين أو الاشياء ففي وجوب كل واحد على التخيير بمعنى عدم جواز تركه إلا إلى بدل، او وجوب الواحد لا بعينه، أو وجوب كل منها مع السقوط بفعل احدهما، او وجوب المعيّن عند الله، اقوال.

والتحقيق أن يقال: إنه إن كان الامر بأحد الشيئين، بملاك أنه هناك غرض واحد يقوم به كل واحد منهما، بحيث إذا أتى بأحدهما حصل به تمام الغرض، ولذا يسقط به الامر، كان الواجب في الحقيقة هو الجامع بينهما، وكان التخيير بينهما بحسب الواقع عقليا لا شرعيا، وذلك لوضوح أن الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان، ما لم يكن بينهما جامع في البين، لاعتبار نحو من السنخية بين العلة والمعلول. [2] [3]

والمقصود هنا من الجامع العلّة المشتركة، أي الجامع المؤثر.

غدا ان شاء الله نكمل كلام صاحب الكفاية (ره).

 


[2] هناك مسألة عند الفلاسفة وهي كيف يمكن ربط الحادث بالقديم، بناء على قانون العلّية وعدم الانفكاك بين العلّة والمعلول والقول بان الله تعالى علّة الوجود مما يؤدي إلى قدم الحادث بقدم الخالق. هذه المسألة دفعت الفارابي للخروج بنظرية الفيض والاشراق والتي نقحها ونشرها ابن سينا. ونشير ان جامعة السوربون في باريس انشأت خصيصا للرد على فلسفة ابن سينا، ثم توسّعت حيث كان هناك في اوروبا تيار فلسفي عقلي اسمه " السينائيون " الذين يؤمنون بفكر ابن سينا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo