< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/04/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الواجب الكفائي.

     معنى الكفائي ومنشؤه.

     الاقوال في المسألة.

     مسألة: إذا توفر الماء الذي لا يمكن إلا لأحد المتيممين، فمن الذي يبطل تيممه؟

تكلم الاصوليون في معنى الواجب التخييري والكفائي والغيري، ونعلم ان الواجب قسموه إلى النفسي والغيري هو المقدمي، بحثنا هذه المسألة في مقدمة الواجب، ثم قسموه إلى وجوب تخييري وتعيني، وذكرنا الكلام في مفهوم التخييري وفي مسألة جواز التخيير بين الأقل والأكثر.

الواجب الكفائي وهو مقابل الواجب العيني.

والعيني: هو ما يطلب من المكلف نفسه ولا يسقط بفعل غيره، كالصلاة والصوم.

والكفائي: هو ما يطلب من جميع المكلفين بحيث يسقط بفعل أحدهم عن الاخرين.

والتكليف كما هو بحاجة إلى متعلّق كذلك هو بحاجة إلى من يمتثل وينفّذ، ويسمّى المكلف حينئذ الموضوع. [1]

يقول صاحب الكفاية (ره): في الوجوب الكفائي: والتحقيق أنه سنخ من الوجوب، وله تعلق بكل واحد، بحيث لو أخل بامتثاله الكل لعوقبوا على مخالفته جميعا، وإن سقط عنهم لو أتى به بعضهم، وذلك لأنه قضية ما إذا كان هناك غرض واحد، حصل بفعل واحد، صادر عن الكل أو البعض.

كما أن الظاهر هو امتثال الجميع لو أتوا به دفعة، واستحقاقهم للمثوبة، وسقوط الغرض بفعل الكل، كما هو قضية توارد العلل المتعددة على معلول واحد [2] . [3]

وقد اختلفت الانظار في موضوع التكليف في الواجب الكفائي بعد ان اتفقوا على ان المكلّف في العيني شخص مكلّف بعينه.

واختلفوا في ذلك:

     فقيل إنه معيّن عند الله.

     وقيل إنه جميع المكلفين على نحو العموم المجموعي. [4]

     وقيل إنه جميع المكلفين على نحو العموم الاستغراقي.

     وقيل إنه الجامع الانتزاعي من المكلف أي احدهم لا بعينه.

وتلخيصا للمسألة وضنا بأعمار الطلبة نقول:

إن الأمر لا يصدر إلا عن ملاك ومصلحة، وهذا الملاك والغرض على نحوين:

تارة لا يتحقق هذا الملاك والغرض إلا أن يكون من مكلّف بعينه، بحيث يكون لشخص المكلف مدخلية في تحقق الغرض، أي أن المحقق للغرض هو الفعل وصدوره عن المكلف المعيّن، فهذا هو الواجب العيني، وذلك كالصلاة، فان الغرض وهو " النهي عن الفحشاء والمنكر " " الصلاة قربان كل تقي " " الصلاة معراج المؤمن " لا يتم بفعل الآخرين، بل على المكلّف نفسه، أن يصل هو بنفسه وروحه بالله حتى تصفى وتتنزه فتنتهي عن الفحشاء، أما لو قام بالصلاة شخص آخر غير المكلف فلا يتم الاثر بالنسبة للمكلف.

وتارة يتحقق الغرض بصرف وجود الفعل كانقاذ غريق، أو تطبيب مريض، ولا يكون للممتثل بعينه دخالة في تحقق الغرض، فيسقط الامر بمجرد الامتثال من أي شخص وبذلك تبرا ذمة الآخرين، ويكون للممتثل الثواب، وهذا هو الواجب الكفائي. والثواب للممتثل سواء كان واحدا أم متعددا، ويكون العقاب على الجميع إذا تخاذلوا عن فعل الواجب. والواجب الكفائي موجود بكثرة، بل لعلّه أكثر من العيني في كل زوايا الحياة في الطب والهندسة والمهن والتبليغ والاجتهاد وغيرها.

مسألة: طرحها الشيخ النائيني (ره): لو وجب التيمم على اثنين ثم وجدا ماءا يكفي لاحدهما، فهل يبطل تيممهما، أم أحدهما، أم لا يبطل كلا التيممين؟

والجواب: يبطل خصوص تيمم المستخدم للماء بالفعل دون تيمم الآخر، لان الماء طالما لم يستعمل ولم يحجز طالما أمكن للآخر استعماله فلا يكون متوفرا فعلا لبقاء التزاحم.


[1] موضوع التكليف استعمله الاصوليّون والفقهاء ايضا بعدّة استعمالات، تارة مستعمل بمعنى متعلّق المتعلّق، مثلا: " أكرم عالما " فالحكم هو الصيغة الوجوب " اكرم " ومتعلّق الوجوب هو " الاكرام " والاكرام يحتاج إلى متعلّق وهو " العالم " وسمي متعلق المتعلق " العالم " موضوعا. كثير ما كان هذا التعبير متداولا عند الفقهاء والاصوليين، ليس هناك شيء معيّن او اصطلاح متفق عليه اسمه موضوع. كل ما كان موضوعا ومصبا لشيء يكون موضوعا لذلك الشيء. قلنا سابقا لنركز هذا المصطلح حتى لا يتكلم كل منا في واد، فنقول: " الاكرام " متعلّق الوجوب وموضوع الاكرام هو " العلماء ". وكثيرا ما يسمى المكلّف موضوع التكليف باعتبار ان التكليف منصب عليه.
[2] بنظره وهذه المسألة تدرس في الفلسفة، انه إذا كان هناك علل متعددة مثلا: ثلاثة اشخاص اطلقوا الرصاص على شخص واحد وقتل، فيقال ان كل واحد منهم هو القاتل، ينسب القتل إلى الثلاثة ولكل منهم على حدة، فإذا كان هناك عقاب يكون على الجميع لان نسبة القتل إلى الكل على نحو تواتر العلل على معلول واحد.
[4] العموم على ثلاثة اقسام: العموم البدلي: كما لو قلنا " أكرم عالما "، والعموم الاستغراقي: كـ " اكرم كل عالم " بحيث ينحل الحكم إلى احكام، والعموم المجموعي: " اكرم العلماء " على نحو المجموع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo