< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الامر بالامر بالشيء امر به؟

- صحة حج الصبي المميز من باب العمومات.

- القاعدة تقتضي عدم وجوب الاعادة على الصبي بعد البلوغ إذا كان حج قبله، لولا الاجماع.

من ثمرات مسألة " الامر بالامر بالشيء امر به؟ " من جملتها صحة عبادة الصبي المميّز، وقد أتممنا الاستدلال على الصحة أيضا بالعمومات " أيها الناس " " الذين آمنوا " ومن ثمرات تصحيح عبادات الصبي جواز استئجاره وجواز تبرعه، ومن الثمرات ان يكون حجه صحيحا ويقتضي ان يسقط بصحته حجة الاسلام، لكن الاجماع مطبق على ان حج الاسلام لا يصح فإذا بلغ يجب ان يحج مرّة اخرى، بل بعضهم اعتبره من الضرورات.

الاستدلال على كفاية حج الصبي عن حجة الاسلام، فلا تجب إعادة الحج عليه بعد البلوغ:

ان كل الآثار تتم عدا الالزام " يا ايها الناس " " وأذن في الناس بالحج يأتوك ... " قاعدة تقتضي الصحة، خرج الطفل غير المدرك من الخطاب، وبقي الصبي المميز والبالغ مشمولا له لاننا قلنا ان الصبي المميّز مدرك لكنه لم يحتلم بعد، فهو قابل لاستيعاب الخطاب وتوجيه الخطاب اليه والامتثال، لكن كل ما في الامر انه جاء حديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ورفع الإلزام، وهذا معناه ان حجه صحيح ويكفي عن حجة الاسلام إلا إذا كان هناك دليل خاص بعدم الكفاية.

دليل وجوب اعادة الحج بعد البلوغ:

الادلة الخاصة التي اطلعت عليها وجدت انها اربعة نصوص في الوسائل واحدة مؤيدة والثانية ضعيفة السند وواضحة اما غيرها فضعاف. قبل استعراض النصوص القاعدة ماذا تقتضي؟ ان الصبي من " الناس " والذي رفع هو الإلزام وهذا ممكن، فنقول: هل يشترط في حجة الاسلام التي هي واجبة على كل مسلم هل يشترط فيها البلوغ؟ اولا: من قال ان حجة الاسلام يشترط البلوغ فيها؟ فاشتراط البلوغ ليس شرط صحة.

قد يقال: ان حجة الاسلام مكلّف فيها وهي واجبة بقوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت " ولا يجزي الامتثال قبل البلوغ، فلا بد من إعادة.

لذلك نقول بعد توجيه التكليف اليه بالعمومات تم رفع الإلزام بحديث " رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم " وقبل الحديث كل عباداته صحيحة، ومقتضى الصحة ان حجة الاسلام سقطت. ولا دليل على اشتراط الوجوب في حجة الاسلام، ولذا لا تجب الاعادة بعد تمامية عنوان الحج إلا بدليل خاص.

 

نصوص على وجوب الاعادة:

النصوص في الوسائل ج 8 ب 12 و13. الباب 12 - باب اشتراط وجوب الحج بالبلوغ والعقل.

ح 1 - محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن صفوان، عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن ابن عشر سنين يحج، قال: عليه حجة الاسلام إذا احتلم وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت. [1]

من حيث السند: في الحديث اسحاق بن عمار فطحي، فيكون الحديث موثقا.

من حيث الدلالة: لكن دلالته على عدم الاجزاء غير واضحة، بل الظاهر ان اسحاق بن عمار كان يسأل الامام عن وجوب الحج على الصبي، وتعدد الاحتمالات في تفسير الرواية يبطل الاستدلال بها.

2 - محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن شهاب، عن أبي عبد الله عليه السلام ( في حديث ) قال: سألته عن ابن عشر سنين يحج، قال: عليه حجة الاسلام إذا احتلم، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب أقول: وتقدم ما يدل على ذلك في مقدمة العبادات وغيرها ، ويأتي ما يدل عليه.

من حيث السند: فيه سهل بن زياد والامر فيه صعب، والدلالة عليه نفس السابقة. فإلى هنا البلوغ شرط في الوجوب. اما أنه شرط في الصحة فليس كذلك. عمومات " يا ايها الناس " تشمل الصبي المميز فيحمل حينئذ اما على الاستحباب او على الاقل على وجود الملاك فيه، فيعني الصحة.

13 - باب ان الصبي إذا حج أو حج به لم يجزءه عن حجة الاسلام، ووجب عليه عند البلوغ مع الاستطاعة.

1 - محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن أبان بن الحكم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الاسلام حتى يكبر الحديث. [2]

من حيث السند: صحيح. ودلالته واضحة على الاجزاء لولا كلمة حتى يكبر، والوجوب ليس شرطا في صحة حجة الاسلام، التعبير ليس واضحا ولعل في الرواية هناك اقتطاع، وكلمة " حتى يكبر " غير واضحة. فهل معناها حتى نهاية العمر أم أن معناها حتى البلوغ؟

2 - محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام ( في حديث ) قال: لو أن غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الاسلام. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب، وبإسناده عن سهل بن زياد.

من حيث السند: الرواية ضعيفة بسهل وبمحمد بن الحسن بن شمون، وعبد الله بن عبد الرحمن الأصم.

ومن حيث الدلالة: فهي واضحة على عدم الاجزاء عن حجة الاسلام.

والظاهر أن فتوى الفقهاء مستندة إلى هذه الروايات، فالعمل بها على الاقل من باب الشهرة العمليّة، والشهرة العملية حينئذ تجبر ضعف الرواية بناء على الجبر كما هو مشهور القدماء على ذلك. لكننا نحن كما درسنا في علم الاصول لا نقول بان الشهرة العملية تجبر ضعف الرواية، هذه القاعدة عندي وعند بعض المتأخرين غير تامّة. والظاهر ان اجماعهم مستند لهذه الروايات فهذه نسميها شهرة عمليّة، وقد ورد في بعض كتب الحديث ان الشهرة الجابرة لعمل الاصحاب هي الشهرة الفتوائية، وهذا الكلام غير صحيح.

الشهرة على ثلاثة اقسام: الشهرة الفتوائية، والعمليّة، والروائية. الشهرة الروائية هي اشتهارها في الكتب وعلى الالسنة.

والشهرة الفتوائية هي اشتهار الفتوى وقد تكون مستندة إلى عدّة ادلّة لكنهم يتفقون على النتيجة من قبيل هذه المسألة مسألة حج الصبي والعبادات صحيحة او تمرينية. السيد الخوئي (ر) انما صححها برواية " مروهم بالصلاة بسبع سنسن " أي ان الامر بالامر بالشيء امر به. بعضهم صححها بالعمومات، لكن النتيجة واحدة وهي صحة عبادة الصبي المميز وإن اختلفت الطريق.

والشهرة العملية: الفتوى استنادا على رواية معيّنة، وهذه هي التي تجبر ضعف الرواية على قول مشهور. فإذا قلنا بان الشهرة العملية تجبر ضعف الرواية فحينئذ نقول ان هذه الروايات تامّة ونعمل بها.

المختار: عدم وجوب إعادة الحج: هذه الروايات اراها ضعيفة، نعم هناك اجماع على عدم الاجزاء. والاجماع في علم الاصول قد اسقطنا حجيته كبرى وصغرى. ومع مدركية هذا الاجماع، وبناء على القاعدة ان حجة الصبي صحيحة بناء على العمومات، وحج الاسلام لا يشترط فيه البلوغ، لا بد من الذهاب إلى عدم وجوب الاعادة. ومن باب التقريب وكمثال على ذلك: في الخمس إذا تعلّق بمال يستطيع صاحب المال ان يخرجه مباشرة قبل الحول، نعم يجب عليه اخراج الخمس إذا بقي لما بعد الحول، فزمن التعلّق شيء وزمن الوجوب شيء آخر، والتفريق بين زمن التعلّق وزمن الوجوب مهم، وهذا من هذا القبيل، هذا الحج إذا حجه الصبي من المفروض ان يكون صحيحا بحسب القواعد. فهذه النصوص إذا تمّت فكلها ضعيفة إما دلالة أو سندا، ومع وجود هذا الخلل وعدم جبرنا الضعف بعمل الاصحاب فلا دلالة على وجوب الاعادة، نعم كل ما في الامر انها تدل على استحباب الاعادة وليس على لزوم الاعادة لولا الاجماع.

إلى هنا ننتهي من عبادات الصبي صحيحة ام تمرينية، فهي مسألة مفيدة جدا واهم ما فيها مسألة الملاكات التي تصحح العبادات وتصحح العمل، وغدا ان شاء الله نشرع في مسألة الامر بعد الامر والفرق بينها وبين مسألة تداخل الاسباب والمسببات.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo