< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اجتماع الامر والنهي.

     الصور ثلاثة: الاولى: ان يكون كلٌ من متعلق الامر والنهي متأصلا، وهنا لا يتحد المتعلقان فلا بد من الذهاب إلى جواز الاجتماع.

     الثانية والثالثة: ان يكون احدهما انتزاعيا أو كلاهما.

     ينبغي في الثانية والثالثة ملاحظة منشأ الانتزاع لان الامر بالشيء امر بمنشأ انتزاعه فيمكن ان يكونا واحدا فيمتنع الاجتماع أو متعددا فيجوز.

نعود لكلام الشيخ النائيني (ره) وهو الفرق بين الحيثية التعليلية والحيثية القييدية، وقلنا ان المراد من الحيثية التعليلية ليس الحيثية التعليلية المتداولة بمعنى علّة ثبوت الحكم لموضوعه، بل المراد منها علّة ثبوت المبدأ لموضوعه أي علّة التلبس وهو كيفية قيام المبدأ بموضوعه. وقلنا لو قال بعبارة اخرى: ما كان وصفا فهو حيثية تعليلية وما كان مبدأ اشتقاق فهو حيثية تقييدية.

وفي الحيثية التعليلية ذكرنا ان الامور تذهب إلى القول بالامتناع، لانه في الحيثية التعليلية يجتمع الامر والنهي في واحد وهو محال لانه من صغرى الكبرى المحال، اما في الحيثية التقييدية يبقى الامر والنهي كل منهما على حدة ولا يجتمعان في واحد لان المبدأين مثلا الصلاتية والغصب - بناء على أن الغصب من الكيفيات المتأصلة - كل منهما يكون في مكان، لان الاعراض المتأصلة ليس لها اتحاد، فلا تنطبق على بعضها البعض، بل تبقى كل واحدة وحدها، اي ان العلم في الخارج غير المكان في الخارج لان الاصلين الفعليين لا يمكن ان يتحد احدهما مع الاخر عقلا. كل المقولات العشرة، الجوهر والاعراض التسعة لا يمكن ان ينطبق احدها على الآخر فلا يمكن ان يتحدا في الخارج. فكونهما لا يتحدان في الخارج يعني في الواقع هما اثنان، مقولتان منفصلتان فيكون هذا العرض متعلقا للامر وذاك العرض متعلقا للنهي ويتلازمان خارجا، ويصبحان من باب اتحاد ظاهري موردي وليس اتحادا حقيقيا. وإذا كان الاتحاد مورديا يصبح كالمتلازمين وننتقل إلى مسألة اخرى وهي انه هل يجوز في المتلازمين ان يكونا محكومين بحكمين متخالفين او لا؟ وهو ما عبّروا عنه بسريان حكم احد المتلازمين إلى الآخر.

الفرق بين المتأصل والانتزاعي: نعم هناك كلام في الانتزاعيين، او في الانتزاعي والمتأصل، فمتعلق الحكم في الانتزاعي يختلف عن الموجود في الخارج الموجود هو منشأ الانتزاع، ومتعلق الحكم هو المنتزع. لو فرضنا ان الغصب – بناء على انه أمر انتزاعي - الذي هو امر منتزع من التصرف بمال الغير بغير اذنه انتزع منه مفهوم الغصب، ثم ورد ان الغصب حرام. فالمنتزع هو كلي الغصب والمنتزع منه هو التصرف بمال الغير بغير اذنه. متعلق النهي المنتزع، الموجود خارجا المنتزع منه وهو التصرف بمال الغير بغير اذنه وهو منشأ الانتزاع. فالموجود في الخارج شيء ومتعلق النهي شيء آخر، وهذا ينطبق في الامر أيضا. المتعلق إذا كان منتزعا ايضا متعلق الامر شيء والمنتزع منه شيء آخر. متعلق الامر الصلاتية والمنتزع منه هو منشأ الانتزاع الموجود في الخارج الذي هو الحركات الركوع والسجود، فصار المنتزع منه تارة يكون شيئين تارة يكون شيئا واحدا ولا مانع من ذلك.

اما ان يكونا متأصلين هذا متعلق النهي وهذا متعلق الامر فلا اشكال الاشكال يقع ان يتحد الامر والنهي في شيء واحد. ولا مانع ان يكون امر واحد منشأ لانتزاع شيئين. من هنا فرّق بين المتأصلين وبين المنتزعين او احدهما منتزعا، المتأصلان موجودان في الخارج وكونهما موجودان في الخارج يعني لا يتحدان، وإذا كانا لا يتحدان يعني أن متعلق الامر غير متعلق النهي فنذهب إلى جواز اجتماع الامر والنهي في واحد، اي لا تكون صغرى للكبرى المسلمة التي سلمنا بعدم امكانها.

اما في الانتزاعيين او احدهما منتزعا فلا اشكال، شيء متأصل تعلّق به الامر ومنه نفسه في الخارج انتزع منه معنى يتعلّق به النهي، وفي هذه الحالة يكون لدينا شيء واحد تعلق به الامر والنهي.

لا باس ان نعود للمحاضرات ونذكر كلام النائيني (ره) وتعليق السيد الخوئي (ره) عليه:

وعلى الجملة : فالعنوانان في مورد الاجتماع إذا كانا متأصلين [1] فلا محالة يقتضيان تعدد المجمع فيه وجودا وماهية، فإذن يتعين القول بالجواز.

وأما إذا كانا انتزاعيين أو كان أحدهما انتزاعيا والآخر متأصلا فلا يقتضيان تعدد المجمع أبدا، بل لابد - وقتئذ - من تحقيق نقطة واحدة، وهي: ملاحظة أن منشأ انتزاعهما على الفرض الأول - وهو: ما إذا كان كلا العنوانين انتزاعيا – هل هو واحد في الخارج وجودا وماهية أو متعدد فيه كذلك ؟ ومنشأ انتزاع العنوان الانتزاعي على الفرض الثاني - وهو: ما إذا كان أحدهما انتزاعيا والاخر متأصلا - هل هو متحد مع العنوان الذاتي خارجا بأن يكونا موجودين بوجود واحد أو غير متحد معه بأن يكون منشأ انتزاعه مباينا للعنوان الذاتي وجودا وماهية ؟ ..............

الصور الثلاثة: فالنتيجة : أن الصور في المقام ثلاثة :

الأولى : - وهي ما إذا كان كلاهما من العناوين المتأصلة - قد تقدم آنفا : أن تعدد العنوان المقولي في مورد لا محالة يوجب تعدد المعنون والمطابق فيه ، بداهة أنه كما يستحيل اتحاد مقولة [2] مع مقولة أخرى واندراجهما تحت مقولة ثالثة كذلك يستحيل اتحاد نوع من مقولة مع نوع آخر من هذه المقولة، أو فرد من هذه المقولة مع فرد آخر منها ... وهكذا، وذلك لما برهن في محله : ............

الثانية: - وهي ما إذا كان أحد العنوانين من العناوين المتأصلة، والآخر من العناوين الانتزاعية - قد تقدم على صفة الإجمال: أن تعدد العنوان كذلك لا يقتضي تعدد المعنون والمطابق في الخارج، بل لابد من ملاحظة أن العنوان الانتزاعي هل ينتزع من مرتبة ذات العنوان المتأصل في الخارج أو من شيء آخر مباين له وجودا ؟ بمعنى: أن منشأ انتزاعه مباين للعنوان الذاتي خارجا .. ............الثالثة: - وهي: ما إذا كان كلا العنوانين من الماهيات الانتزاعية - أيضا لابد من ملاحظة أن العنوانين المتصادقين في مورد الاجتماع هل ينتزعان من موجود واحد في الخارج، بمعنى: أن ذلك الموجود الواحد باعتبار منشأ لانتزاع أحدهما وباعتبار آخر منشأ لانتزاع الآخر، أو ينتزع كل منهما من موجود مباين لما ينتزع منه الآخر ؟

فعلى الأول: لا محالة يكون التركيب بينهما اتحاديا ، لفرض أن منشأ انتزاعهما واحد في الخارج وجودا وماهية من ناحية، وعدم تعلق الحكم بالعنوان الانتزاعي بما هو من ناحية أخرى. [3] وعليه، فلا مناص من القول بالامتناع، ضرورة استحالة أن يكون شيء واحد مصداقا للمأمور به والمنهي عنه معا ومحبوبا ومبغوضا. [4]

والخلاصة: ان الشيخ النائيني (ره) فصّل في الموضوع وقال: إذا كان تعليليا فيمتنع اجتماع الامر والنهي، وإذا كان تقييديا فيجوز لان الاشكال الرئيسي عليه هو في الانتزاعيين ففصّل، والسيد الخوئي دافع عنه وفصّل ايضا في الانتزاعيين. غدا ان شاء الله عز وجل نذهب للمختار إن شاء الله تعالى.


[1] اي كانا من مقولتين وليسا منتزعين اي إذا كانا متاصلين اما جوهر واما عرض. الجوهران محال ان يتحدا حقيقة، بل اتحادهما لو كان هو ظاهري، فيكون متعلق الامر شيء ومتعلق النهي شيء آخر.
[2] المراد من المقولة هو المتأصل، المتاصل في الخارج امران: الجوهر والاعراض التسعة.
[3] وذلك لان الامر بالشيء أمر بمنشأ انتزاعه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo