< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/08/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اجتماع الامر والنهي.

     ملخص الاستدلال على الجواز بالوقوع الشرعي والعرفي.

     ملخص البحث في سطور.

     المختار وهو الجواز ومقدماته.

     الثمرة، وهو انه لا ثمرة لهذه المسألة على رأي السيد الاستاذ على مبناه في معنى العبادة.

بعد ان انتهى صاحب الكفاية من أدلة الامتناع وادلة الجواز، ثم استدل بالوقوع على امكان جواز اجتماع الامر والنهي وذلك بمثالين أحدهما شرعي والآخر عرفي اما المثال الشرعي فهو ما ورد من النهي عن العبادات وقد ذكرنا ذلك. أما المثال العرفي فهو انه لو امر المولى عبده ان يخيط له ثوبا ونهاه ان يكون في مكان خاص اي بعنوان آخر عرف ان الكون في ذلك المكان منهي عنه، وليس انه امر عبده ان يخيطه في غير ذلك المكان، اذ هو حينئذ بعنوان واحد. يقول العضدي والحاجبي ان العرف يقول انه مطيع وعاص في آن واحد. صاحب الكفاية (ره) اشكل باشكالين: الاول: ان المثال ليس من باب جواز اجتماع الامر والنهي لان العنوانين يختلفان مقولة، الخياطة من مقولة الفعل او الكيف، والكون في المكان المعين هو من مقولة الأين. وذكروا ان المقولتين المتأصلتين لا يمكن اجتماعهما ولا يمكن اتحادهما وجودا، كلما كان لدي مقولتان متأصلتان من المقولات العشرة الجوهر والاعراض التسعة المتأصلة، المقولات المتأصلة في الخارج لا يمكن اتحادها خارجا. نحن غيرنا المثال وقلنا انه لو امره بخياطة الثوب ونهاه عن التصرف في الفضاء المعيّن، فقال لخادمه لا تتصرف بهذا الفضاء فيمكن النهي عن التصرف بالفضاء، فخاط الخادم الثوب في هذا الفضاء المنهي عنه، بالنتيجة اجتمع معنونان مقولتان اصيلتان وجوديتان في معنون واحد كلاهما من مقولة الفعل، فالاشكال هنا يكون قد انتهى، فإذا غيرنا المثال فلا اشكال. صاحب الكفاية يقول في الاشكال الثاني انه بعد ان تمّ الدليل العقلي على الامتناع كل هذه الامثلة تحتاج إلى تأويل. لكن نحن قلنا ان الدليل عندنا على الجواز وليس على الامتناع.

ملاحظة أن صاحب الكفاية لم يجب عن المثال العرفي: نلاحظ ان صاحب الكفاية لم يفند المثال العرفي كل ما قاله انه من فبيل الشبهة مقابل البديهة. قال ان هناك دليل عقلي على الامتناع فلنرى كيف سنأول هذه المسائل، وكانه سلّم بها وجدانا اي ان اجتماع الامر والنهي موجود عرفا، بمعنى ان طبيعة البشر تتقبله، هذه النقطة مهمّة لا باس بالالتفات اليها ان صاحب الكفاية (ره) لم يرد على الاشكال ابدا، لان الاشكال بالمثال فقد اتينا بمثال آخر، حيث إن اشكالك في اتحاد المقولتين غير موجود، وماذا تقول في هذا المثال؟ كان جوابه (ره) بعد ما تم الدليل على الامتناع هذه شبهة مقابل بديهة فلا بد من تخريج ومن تأويل.

إذا تأملنا جيدا نجد ان صاحب الكفاية تهرّب من الجواب، بدل ان يجيب عن المسألة ويبينها خرج منها، وكانه سلّم ان عرف البشر ظاهرا يقول بجواز اجتماع الامر والنهي، بل استعمله بل اوقعه.

يقول صاحب الكفاية: بقي الكلام في حال التفصيل من بعض الاعلام (منسوب إلى المحقق الاردبيلي)، والقول بالجواز عقلا [1]

والامتناع عرفا.

وفيه انه لا سبيل للعرف في الحكم بالجواز او الامتناع [2] إلا طريق العقل ، فلا معنى لهذا التفصيل إلا ما أشرنا إليه من النظر المسامحي غير المبتني على التدقيق والتحقيق. [3]

 

وملخص ما ذكرناه في المسألة في سطور:

الاول: إن اجتماع الامر والنهي في واحد حقيقة محال.

الثاني: إن الكلام هو في اجتماع عنوانين على معنون واحد، هل هي صغرى لتلك الكبرى؟.

الثالث: إن من قال بالامتناع كالآخوند وغيره ذهب إلى ذلك لمقدمات أربع:

     الاحكام الخمسة متضادة.

     إن متعلّق الاحكام هو الافراد وليس الطبائع لكون الاثر مترتبا على الافراد.

     إذا قلتم إن الاحكام متعلقة بالطبائع فانها تسري إلى الفرد. وإذا سرى إلى الفرد اجتمع الامر والنهي في واحد.

     إن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون. " اكرم العالم ولا تكرم الفاسق " زيد عالم وهو فاسق. هل بالدقة عندي وجودان لزيد أو وجود واحد او عندي زيد واحد؟ طبعا هو واحد ولذلك اجتمع الامر والنهي في المعنون.

     إن الموجود بوجود واحد له ماهية واحدة. يعني في مثال الاكرام وعدمه لديّ زيد واحد، هو مأمور به وهو منهي عنه، فالاكرام واحد، فهو اما مأمور به وإما منهي عنه.

الرابع: من استدل بالجواز ذهب إلى تعلق الاحكام بالطبائع، وعدم سرايتها إلى الافراد. بعكس الاول تماما، ولو فرضنا نزل إلى الفرد فيلزم تعدد المعنون ويكون حينئذ من الاجتماع الموردي، وعلى أي حال، الامر في مكان والنهي في مكان آخر.

المختار في المسألة: جواز اجتماع الامر والنهي وذلك لمقدمات:

     إن الموجود في الخارج هو الافراد، والطبيعة غير موجودة فيه أصلا بل منتزعة من الافراد. حيث ان السيد الخوئي (ره) اعتبر ان الموجود في الخارج هو الطبيعة واعتبر ذلك من البديهيات. نقول: ان هذه المقدمة غير مسلمة، الكلي ليس موجودا في الخارج بل في الخارج افراد وانتزع منها الطبيعة.

     إن الحكم يتعلق بالطبيعة بلحاظ أفرادها بمعنى إن المحبوبية والمبغوضية هي في نفس المفهوم. ولذا يتعلّق الامر والنهي بنفس المفاهيم والطبائع، أما الخارج فهو المحقق للآثار، وفرق شاسع بين محقق الاثر وهو الفرد الخارجي وما كان متعلق الحكم وهو الطبيعة.

نعم، تحقيق هذه الطبيعة وتحقيق المراد وتحقيق الآثار يتوقف على فرد خارجي، الكلي الطبيعي موجود بمعنى وجود افراده، ليس هو موجودا بنفسه خارجا، وكأني اقول لك: الامر بالشيء امر بمنشأ انتزاعه، هذا لا يعني ان الامر حقيقة تعلق بمنشأ انتزاعه، بل يعني انا حتى يتحقق الاثر اريد منشأ الانتزاع، اما الامر كأمر يبقى متعلقا بالمنتزع، ولذلك المحبوبية للعالم والمبغوضية في الفاسق للكلي وليس للفرد.

ففي ما ذكروه من المثال: الصلاة في الارض المغصوبة، يكون الامر والمحبوبية لعنوان الصلاة، والنهي والمبغوضية لعنوان الغصب، ولا يسري ذلك إلى الفرد، بل الفرد محقق للمصلحة والمفسدة أي للآثار، ولذا يبقى متعلّق الامر في مكانه ومتعلّق النهي في مكانه ولا يتحدان أبدا. ولذلك نتساءل ماذا نفعل؟ حينئذ نقدم الاهم على كل حال، بل على كل قول. فان كان من باب التعارض ونعلم بوجود حكم واحد، كان تقديم الاهم من باب الكسر والانكسار قبل مرحلة الانشاء، أي في عالم الملاكات والاقتضاء. وإذا كان في مقام الامتثال يقدم الاهم إذا كان لديّ حكمان من باب التزاحم، يكون واحد انشائيا وواحد فعليا، الفعلي مقدم. بالنتيجة يقدم الاهم.

الثمرة: المشهور والمعروف بين علماء الاصول قديما وحديثا انه على القول بجواز الاجتماع تصح الصلاة في المكان المغصوب، إذ هي مأمور بها وإن كانت ملازمة لارتكاب الحرام خارجا وهو الغصب. وعلى القول بالامتناع وترجيح جانب النهي تكون فاسدة.

وفيها: إن هذا مبني على كون داعي الامر له مدخلية في صحة العبادة او مفهومها، أو على ان النهي يقتضي فسادها، وهذان المبنيان لا نقول بهما. قلنا ان العبادة لا علاقة لها بالامر نعم الامر يبيّن الحكم، واجبة هي ام مستحبة، كالبيع تماما، مثلا: الصلاة وهي عبادة وبر الوالدين وهو توصلي متساويان، بر الوالدين امر توصلي وليس تعبديا، لا فرق بين الامر ببر الوالدين والامر بالصلاة، ولذلك يكون تعلّق الحكم بهما على نحو طولي، هناك شيء موجود اسمه عبادة تعلق الامر والنهي والكراهة بها هي، تماما كالتعلق ببر الوالدين. التوصلي والتعبدي لا فرق بينهما، ولذلك لا فرق بين النهي عن البيع في وقت الآذان { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [4] قالوا البيع صحيح وان عصى تكليفا. وانا اقول كذلك ايضا في التعبديات. " لا تصل في الحمام " الصلاة صحيحة وان عصى، " لا تصم يوم عاشوراء " الصوم صحيح وان عصى، إلا في حالة واحدة وستاتي في مسألة: النهي عن العبادة أو المعاملة هل يقتضي الفساد أو لا؟ ان لي رأي وهو ان النهي عن العبادة لا يقتضي فسادها، إلا ان يدل الدليل اللفظي على انها باطلة وليست صلاة.


[1] باعتبار الادلة على عنوانين في معنون واحد، وقلنا ان دليل الجواز هو ان الاحكام متعلقة بالطبائع ولا يسري الحكم من الطبيعة للفرد. فلا يكون في اجتماع الامر والنهي لان الامر في مكان والنهي في مكان آخر.
[2] هذا رد صاحب الكفاية بان المسألة عقلية ولا دخل للعرف فيها، العرف مرجع في المفاهيم، اما انه مرجع في المصاديق والاحكام العقلية ومرجع في الامور الشرعية ليس كذلك. المرجعية مسألة مهمة في استنباط المسألة وهي مزال أقدام الكثير من الفقهاء، عندما اشك لمن ارجع؟ هل ارجع إلى الناس؟ إلى العقل؟ أو إلى المكلف نفسه؟ إلى الشرع؟ واقع الامور كل مسألة لها مرجعيتها. قلنا في اول درس درسناه ان الامور الشرعية احكام أو مخترعات الاحكام ترجع للشارع. في المفاهيم اللغوية نرجع لأهل اللغة للعرف. في المصاديق نرجع للمكلف نفسه. ولذلك هناك عبارة متداولة عند الناس ان هذا عرفا دم أو غناء، وهذا الامر غلط لان العرف ليس له علاقة، العرف يقول ما معنى الغناء، أما هذا غناء او لا؟ فهذا من شأن الفرد.
[3] كفاية الاصول، الآخوند الخرساني، ص167. يعني ما ذكره في الرد على العضدي والحاجبي انها مسألة عقلية والعقل يحكم بالامتناع، فالعرف يتسامح فيرى اجتماع الامر والنهي شيئا طبيعيا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo