< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

37/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: علم الرجال.

1-الحاجة إلى علم الرجال.

2-الحاجة إلى الكتابة، الوسيلة الطبيعية عند عرف الناس.

3-مأساة منه كتابة الحديث وروايته.

4-التداعيات والحاجة لمعرفة أحوال الرواة.

الحاجة إلى علم الرجال: كثر الحديث في الحاجة إلى علم الرجال لكن، بين المثبت للحاجة مستدلين بأمور منها: حجية خبر الثقة حيث انها تدل على الحاجة لعلم الرجال بنحو الان لا بنحو اللم، واستدل بالأمر بالرجوع إلى صفات الراوي، ووجود الوضاعين والمدلسين والمنحرفين عقائديا أو مسلكيا وغير ذلك. وبين نافٍ للحاجة إلى هذا العلم مطلقا محتجين بكفاية الكتب الأربعة: الكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، والتهذيب والاستبصار للطوسي، ومع الاكتفاء بها والقطع بصدورها لا داعي للبحث في أسناد رواياتها [1] ، فلا داعي لعلم الرجال.

وبين من يدعي الحاجة إليه في خصوص غير الكتب الأربعة، أو في خصوص غير المشهور، وغير ذلك من الآراء.

إلا أننا سنستعرض المراحل التي مرّت بها احاديث الرسول (ص) وأهل البيت (ع)، لنجد إلى أنه لا ينبغي التوقف في الحاجة إلى هذا العلم.

لقد أمرنا الله تعالى بالأخذ بسنّة نبيّه (ص) حيث يقول عز من قائل: ) وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( [2] وهذا أمر للناس جميعا، الحاضر منهم والغائب، والمعاصر ومن في العصور المتأخرة إلى يوم القيامة، وهذا ملاك أهمية النبي (ص) وأهل بينه (ع) بل والعلماء حيث ورد في الحديث: " علماء أمتي أفضل من أنبياء بني اسرائيل ".

واستطرادا لسائل أن يسأل: وهل العلماء أفضل من الأنبياء؟

فنقول لهم: إن الفضل والافضليّة هو بلحاظ أهمية الرسالة الملقاة على عاتقه، ولا شك أن الرسالة الملقاة على عاتق رسول الله وأهل بيته من بعده أهم من كل الرسالات السابقة، كرسالة موسى وعيسى (عليهم السلام) وأولي العزم من الرسل، بل وجميع الأنبياء الآخرين كرسالة، لأنها تشمل كل الأمكنة من شمال الأرض إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، وتشمل كل الأزمنة حتى يوم القيامة، ففي الحديث:" حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ". فمن الواجب معرفة السنّة، ومن المحال أن يباشر كل إنسان بنفسه، بل من المحال حتى لمن عاصره (ص) بل حتى للشخص الواحد أن يباشر سنّته (ص) إذ لا يمكن الكون معه دائما وطوال النهار والليل، فكيف بمئات الآلاف وأكثر ممن عاصروه (ص)، وإذا كان هذا حال من عاصروه فكيف بحال من جاء بعده؟!

وكان من الطبيعي الإتكال على الناس لنقل السنة وقد نزل التنزيل بذلك في قوله تعالى: ) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ( [3] ، وهذا حث على الأخذ بأخبار هؤلاء النفر. وقلنا في بحث حجية الخبر انها مسألة عقلائية لا تحتاج إلى دليل واستدلال، وذكرنا ان ما ورد من الآيات القرآنية والاخبار هي ارشاد إلى ما عند الناس وإلى إقرار طريقتهم، فكان ومن الطبيعي عدم إمكانية حفظ كل مسلم للسنة، فكان السماع وحده ليس كافيا، وكان لا بد من كتابة السنة. وهذه سنة بشرية خصوصا للأجيال اللاحقة، إذ لا يمكن إلا بهذه الطريقة وهي الكتابة، ولهذا كتب المصريون أيام الفراعنة وقوانينهم بالكتابة الهيروغليفية، وكتب البابليون شريعة حمورابي بالكتابة المسمارية، وهكذا كتب الصينيون والهنود واليونان، وإلى عصرنا الحاضر. بل الكتابة أمر حث عليه الشارع، فعن علي (ع) " ما كتب قرّ وما لم يكتب فرّ "، فالكتابة سنّة بشرية ليعرف اللاحق السابق.

ولكن بعد وفاة رسول الله (ص) حدثت فاجعة ومأساة، لقد منعت كتابة سنة رسول الله (ص) من زمن أبي بكر إلى زمن عمر بن عبد العزيز، بحجج وذرائع كلها واهية، كقولهم: " حتى لا يختلط الكتاب بالسنّة "، وغريب هذا الكلام، وهل يمكن أن يختلط الكتاب بالسنّة؟! ولكل منها اسلوبه الخاص المميز به!! أوليس من إعجاز القرآن اسلوب بيانه الذي يختلف جذريا عن السنّة؟! [4] فهل نسينا قوله تعالى: ) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (. [5] لكن المأساة قد وقعت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وللسيد مرتضى العسكري (ره) في كتابه " معالم المدرستين " بحث جميل حول منع الكتابة وذكر مصادر المنع وبعض روايات المنع، منها: ما رواه الذهبي في " تذكرة الحفاظ " أن عمر حبس ثلاثة: عبد الله بن مسعود وابا الدرداء وابا مسعود الانصاري فقال: أكثرتم الحديث عن رسول الله (ص).

وفي هذا العصر كان - أيضا - ما رواه الأحنف بن قيس [6] قال: أتيت الشام فجمعت، فإذا رجل لا ينتهي إلى سارية إلا فر أهلها، يصلي ويخف صلاته. قال: فجلست إليه، فقلت له: يا عبد الله من أنت؟ قال أنا أبو ذر، فقال لي: فأنت من أنت؟ قال: قلت: الأحنف بن قيس. قال: قم عني لا أعدك بشر، فقلت له: كيف تعدني بشر؟ قال: إن هذا - يعني معاوية - نادى مناديه: " ألا يجالسني أحد ". ومن أجل مخالفته لأوامر السلطة، نفي أبو ذر من بلد إلى بلد حتى لقي حتفه طريدا فريدا بالربذة سنة 31 ه‌ . هذه أمثله مما كان على عهد الخلفاء الثلاثة من الحظر على الصحابة في نشر أحاديث الرسول، غير أنهم جمجموا في الكلام ولم يفصحوا عن السبب كما فعله معاوية على عهده.

على عهد معاوية روى الطبري ان معاوية لما استعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة إحدى وأربعين وأمَّره عليها دعاه وقال له: قد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتمادا على بصرك. ولست تاركا إيصاءك بخصلة: لا تترك شتم علي وذمه، والترحم على عثمان والاستغفار له والعيب لأصحاب علي والاقصاء لهم، والاطراء لشيعة عثمان والادناء لهم، فقال له المغيرة: قد جربت وجربت، وعملت قبلك لغيرك، فلم يذممني وستبلو فتحمد أو تذم، فقال: بل نحمد إن شاء الله.

وروى المدائني في كتاب الاحداث وقال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة [7] ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته وكان أشد البلاء حينئذ أهل الكوفة. وفى هذا السبيل قتل حجر بن عدي وأصحابه صبرا وقتل وصلب رشيد الهجري وميثم التمار.

هكذا خنقت مدرسة الخلفاء أنفاس الصحابة والتابعين وقضت على من خالف سياستهم ، وفي مقابل ذلك فتحت الباب لآخرين أن يتحدثوا بين المسلمين كما يشاؤون. انتهى كلامه [8]

ولعلّ الغاية الحقيقية وراء هذا المنع هو منع الناس عن الرواية في أهل البيت (ع) وفي علي (ع) خوفا منهم على السلطة وان يزداد ولاء الناس لهم، أوليس من العجيب أن كتابا كصحيح البخاري فيه أكثر من ستة آلف حديث لا يروي إلا 27 حديثا عن علي (ع) ونصفها فيها توهين له (ع)!! والبخاري بنفسه يقول: " ولقد تركت من الصحيح أكثر مما ذكرت، " انظر كتاب تهمة التحريف ص 107 " ذكرت المسألة باختصار. الا يستحق هذا التصريح من البخاري التوقف عنده؟! بل التوقف طويلا لنعرف مدى خطورة تلك المرحلة على الاسلام، بل انني أرى كل ما حصل على الاسلام والمسلمين الذين ربّاهم رسول الله (ص) ليكونوا خير أمة أخرجت للناس فإذا هم كباقي الأمم بعد فترة من الزمن، كل هذا هو من تداعيات تلك المرحلة لانهم عادوا إلى الجاهلية.

قرابة مائة عام، قرن من الزمن، منعت كتابة الحديث مما فسح بالمجال لأزهل الاهواء والفتن بالافتراء والكذب على لسان رسول اله (ص) وكثر هؤلاء وقد أخبر عنهم النبي (ص) في الغيب: " سيكثر من بعدي الوضاعون ".

وكثر المدلسون والكذابون، وفي بالي كلام لعبد الله بن عباس يقول فيه: " كلما لعق أحدهم من الاسلام لعقة ذهب يقول: حدثني حبيبي رسول الله (ص) ما حدّثه رسول الله بشيء ولا هو ممن يفقهون حديثا " .[9]

بعد هذا الاستعراض كان لا بد عند الشيعة والمنصفين من السنَّة من غربلة الاحاديث التي كثر فيها الكذب والوضع، ولا بد من منهج للغربلة، والمنهج العقلائي العام ان نبحث في وثاقة الرواية وهي ناشئة غالبا من وثاقة الراوي وحينئذ نبحث هذا الراوي من هو؟ ثقة او غير ثقة؟ عدل او غير عدل؟ هذا منهج الناس ومنهج علم التاريخ إلى يومنا هذا، ولذلك كان علم الرجال علم ضروري لا يحتاج إلى برهان في الحاجة اليه وان كان بعض الاساطين استدلوا على ذلك وسنذكر بعض الادلة التي سيقت على الحاجة إلى علم الرجال.

لكن اعتقد بعد هذا البيان والاستعراض السهل التاريخي نتلمس الحاجة إلى علم الرجال والحاجة إلى معرفة الثقات والعدول من الرواة، نعم استدلوا بأمور بنحو الإن، كالدليل على حجية خبر الواحد الثابتة، فما دل على حجية الخبر هو بنفسه يدل على الحاجة لعلم الرجال.

غدا ان شاء الله نكمل البحث.


[1] كما نقل السيد الخوئي (ره) عن استاذ الشيخ النائيني (ره) انه يقول: ان البحث في اسانيد الكافي هو حرفة العاجز. كانه كنا يسلم ان الكافي كله صحيح.
[4] الفرق بين القرآن والسنّة: ان كليهما ورد من الله عز وجل وكلاهما تشريع ويجب ان يقتدى به وكلاهما اعجاز، لكن القرآن ورد على نحو الاعجاز مضمونا وبيانا، اما السنة النبوية الشريفة فالمضمون الالهي لكن البيان بشري. وفي الحديث القدسي المضمون الالهي لكن لا على نحو الاعجاز.
[6] الاحنف بن قيس من شخصيات العرب زعيم بني تميم، وكان من اصحاب امير المؤمنين (ع) ومن جنده والقادة، وكان معاوية يهابه كثيرا.
[7] برئي الذمة تقتضي: ابيح دمه وماله وعرضه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo