< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

38/07/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الحاجة إلى علم الرجال.

     الحديث عن كتاب " اختيار معرفة الرجال ".

بعد ان تدرجنا في علم الرجال في تاريخه، بيّنا علماء الرجال في القرن الاول والثاني والثالث والرابع والخامس واشارة إلى من بعدهم، بقي الكلام في الاصول الرجالية وفي القواعد الرجالية. لكن لاحظنا شيء اننا في دراسة علم الرجال وتطوره انه بدأ ليس بغاية التوثيق او القدح والذم، بل بدأ بغاية ( سياسية )، عبيد الله بن ابي رافع اول من كتب في علم الرجال اول فهرست في " من كان مع علي (ع) من اصحاب رسول الله (ص) " وفي كتاب آخر: " " من كان مع علي (ع) من الانصار ". لم تكن كتابة الفهرست لأجل التوثيق أو الذم والقدح فقد كان سردا محضا.

بدأ علم الرجال -كما احتمل - بتسليط الضوء على ان من حارب محمدا حارب عليا، ومن ناصر محمدا ناصر عليا، ولما نعلم من ان للصحابة في الاسلام من وزن، ناصروا رسول الله (ص) وخرج كثيرون بدليل. الاصحاب ليسوا معصومين، بل هم مسلمون ناصروا رسول الله (ص)، أهل " بدر " و " احد " جاهدوا في سبيل الله، آمنوا به ونصروه ثم خرج من خرج.

ولذلك تجد ان كتاب عبيد الله بن ابي رافع (صاحب بيت المال) عندما ألّف: " من كان مع عليا من اصحاب رسول الله "، نتساءل ما الدافع والداعي إلى ذكر هؤلاء الذين كانوا مع الرسول (ص) وكانوا مع علي (ع) ايضا في حربه مع معاوية، لماذا جعل لهم فهرسا خاصا وبعضهم من اصحاب عليّ (ع) الخلّص. في ذلك الزمن اصحاب رسول الله كان لهم الاحترام الكبير. نعم اراد معاوية بعد ذلك ان يجعل للصحابة مرجعية، هنا تكمن الخطورة في ذلك، انهم اصبحوا مرجعية مقابل أهل البيت (ع). أهل البيت الله عز وجل جعلهم المرجعية بعد الرسول (ص) فجاء من اراد ان ينازعهم ويجعل مرجعية اخرى حتى يجعل المسلمين في اطار آخر. لان معاوية كان يواجه مشكلة وهي انه كيف يمكن ان يستطيع ان يحارب عليا (ع) وعلي من أهل البيت فيجب عليه شرعا وعقيدة أن يتبع علي بن ابي طالب (ع)؟! هذا بالنسبة لمعاوية كان اشكالا كبيرا ان يبقى المسلمين على مرجعية أهل البيت، فكيف يستطيع ان يحارب عليا (ع) وهو يجب عليه ان يتبعه؟! لذلك كتحليل مني وليس كنصوص اخترع عنوانا اسمه " الصحابة " يحبه المسلمون والعرب وانصار رسول الله، هم والانصار حموه وكان منهم بيعة العقبة وبيعة الرضوان والشجرة إلى آخره وحاربوا ودافعوا. هذا العنوان الراقي كان فرصة لشيطنة في حربه لعلي فجعله مرجعية مقابل مرجعية أهل البيت (ع). فضاع المسلمون في تحديد المرجعية، ولذلك اخترع هذه الروايات: " اصحابي كالنجوم من اقتضى بمن اهتدى "، المشكلة اصبحت في مرجعيتهم، وإلا الكثير منهم اناس عادين آمنوا برسول الله (ص) وحاربوا معه، وكان الصحابة في إخلاصهم وثباتهم وصفاء عقدتهم من قبيل الكلي المشكك، فمن أهل بيت العصمة (ع) الذين ثبتت عصمتهم بالدليل القطعي من قبيل أهل البيت بعصمتهم إلى من بعدهم من الاركان ... إلى من هم اقل ... إلى المنافقين، هناك الف درجة يتدرج بها الصحابة، ليس الجميع في مستوى واحد، ليس سلمان ولا المقداد ولا عمّار ولا حذيفة بن اليمان كبقية الصحابة. يتدرجون من الاصحاب الخلص الموالين إلى آخر درجة.

من هذا الباب المسلمون قريبي عهد، ومعاوية اراد ان يجعل له غطاء شرعيا اصبح يخترع انه كاتب الوحي، ويقول عن نفسه انه خال المؤمنين وغير ذلك. اصحاب امير المؤمنين (ع) واجهوا الموضوع بطريقة ذكية مثلا عبيد الله بن ابي رافع عندما علم ان معاوية هو الذي اخترع مرجعية الصحابة، ذكر صحابة رسول الله مع من هم، هؤلاء الذين ناصروا رسول الله هم ناصروا عليا، معاوية لا يستطيع الغاء مرجعية أهل البيت فاخترع مرجعية اخرى ونشرها " الصحابة "، ولذلك ولعلّه عبيد الله بن ابي رافع كتب هذا الفهرست " من كان مع رسول الله من الصحابة ومن الانصار ". من قبيل من فمك أدينك.

فلذلك بدأ علم الرجال ليس كما يقول ابناء العامة ان يحيى بن ابي شعبة هو الاول، بل الاول هو عبيد الله بن ابي رافع عندما كتب " الفهرست "، لكن كتبه لم تكن لدافع التوثيق والتضعيف، ليست بدافع التعديل والجرح، ولا الاخذ بالأخبار وعدم الاخذ بالأخبار، بل بالدافع السياسي والعقائدي والولاء لأمير المؤمنين علي (ع) ، ولبقاء الاسلام نقيا ثم بدأ يأخذ منحى آخر ككتاب " الممدوحين والمذمومين "، بدأت العناوين تختلف.

وكما ذكرنا فان الكتب الرجالية كثيرة عديدة وسنتكلم عن ستة منها مشهورة، عليها المعتمد، وهي محور الدراسات الرجالية وهي: اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي وهو اختصار كتاب الكشي. وكتاب الرجال والفهرست للطوسي، وكتاب الرجال للنجاشي، ورجال الغضائري، ورجال البرقي.

نبدأ بالكشي وسنسلط الضوء على أمور يمكن أن تنفعنا في أهمية هذا الكتاب من ناحية الاعتماد عليه جرحا وتعديلا.

اختيار معرفة الرجال:

المشهور أنه تلخيص وتهذيب وتشذيب لكتاب الكشي قام به شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (ره) وهناك من يقول بأن الكتاب هو للشيخ الطوسي نفسه، لكن من المعلوم أن أصل هذا الكتاب هو للكشي، وكان يسمى بـ " معرفة الناقلين عن الائمة الصادقين " إلا أن هذا الكتاب لم يصلنا، والموجود بين أيدينا هو كتاب " الاختيار ".

والكشي نسبة إلى كش بفتح الكاف وتشديد الشين، وهي قرية من قرى كركان، وعلى قول من بلاد ما وراء النهر.

من هو الكشي؟ يقول عنه النجاشي تحت رقم 1018: محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي ابو عمرو، كان ثقة، عينا، وروى عن الضعفاء كثيرا، وصحب العياشي وأخذ عنه، وتخرج عليه وفي داره التي كانت مرتعا للشيعة وأهل العلم، له كتاب الرجال، كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة، وأخبرنا أحمد بن علي بن نوح السيرافي (ثقة) وغيره، عن جعفر بن محمد عنه بكتابه. [1]

وهذا تعبير صريح أن الكتاب لم يكن عنده، ولكن يبدو من كلمات ابن حجر العسقلاني أنه كان لديه، حيث ينقل عنه. وكان ابن حجر ينقل عن كتب الشيعة وكان كثير منها موجود عنده.

وذكر ابن شهر اشوب المتوفي سنة 588 ه في كتاب " معالم العلماء "، الذي قال عن كتابه انه متمم لفهرست الطوسي، ذكر كتاب الكشي حيث يقول: له " معرفة الناقلين من الائمة الصادقين ".

ما هو المراد من " أغلاط كثيرة " التي ذكرها النجاشي؟

الظاهر من نص النجاشي أن هذه الاغلاط هي في كتاب الكشي نفسه.

ولكن من أين عرف النجاشي هذه الاغلاط، والكتاب لم يكن بين يديه؟! إلا إذا كان أحمد بن علي بن نوح هو الذي أخبره بها أو أخبره بالكتاب فعرف أغلاطه بخبرته.

وقد يقال إن النسخة الموجودة بين ايدينا وهي " الاختيار " هي المراد بـ " الاغلاط الكثيرة " إلا أن ذلك خلاف ظاهر تعبير النجاشي.

والظاهر أن نسخة " الاختيار " الموجودة بين ايدينا قد تعرضت للتلاعب والتصحيف بقرائن:

منها: أن المحدّث النوري (ره) في " خاتمة مستدرك الوسائل " ذكر بعض الموارد على أن مؤلفي الكتب الرجالية ذكروا عبارة عن " اختيار الرجال " لا نجدها في النسخة المتوفرة لدينا حاليا.

ومنها: ما ذكره السيد الخامنئي من أن في النسخة الحالية اشتباهات وتصحيفات أشار إلى بعضها الرجاليون المتأخرون. وذلك في دراسته " الاصول الاربعة في علم الرجال " من قوله: " ويعتقد المحقق الشوشتري أن أخطاء هذا الكتاب أكثر من موارد الصحة المعدودة فيه، ومن جملة تلك الاخطاء التي أشار إليها المحقق المذكور هي:

لقد اختلطت الاحاديث في الكثير من العناوين المرتبطة بترجمة شخص مع الاحاديث المتعلقة بترجمة شخص آخر، أو باحاديث من شابهه في الاسم من الطبقات الاخرى، ومثال ذلك اختلاط الاحاديث المرتبطة بابي بصير ليث المرادي مع الاحاديث المتعلقة بابي بصير الاسدي. كما عدّ الحميري الذي هو من اصحاب العسكري (ع) من جملة اصحاب على بن موسى الرضا (ع). وذكر اول رواية في ترجمة عبد الله بن عباس ضمن الاحاديث المختصة بخزيمة ( الذي يعنون بعد عبد الله عادة )، واورد في ترجمة محمد بن زينب المكنى بابي الخطاب ثلاثا وعشرين رواية ليست لها علاقة به من أي وجه.

وبهذا يتضح أن مثل هذه الاخطاء لا يمكن أن تصدر عن شخص مثل الكشي أو الشيخ الطوسي، فلا بد من اسناد ذلك إلى النساخ والكتّاب.

وهناك اخطاء اخرى في الكتاب من قبيل تاريخ وفاة حماد بن عيسى وتحديد عمر معاوية بن عمار وتحريف اسم جبرائيل بن احمد الفاريابي في اول الكتاب بجبرائيل بن محمد الفاريابي، وغيرها مما ذكرها واشار إليها العلامة الكلباسي في " سماء المقال "، وهي ايضا من الاخطاء التي يستبعد تصديق نسبتها لمثل الشيخ الطوسي. [2]

لكن الكلام المهم هو في: هل هذا النوع من الاخطاء يسقط الكتاب؟ هل يبقى على اهميّته او لا؟

نقول: إن هذه الاغلاط لا تسقط أهمية الكتاب وكونه مصدرا مهما لهذا العلم، فقد اختاره الشيخ الطوسي (ره) لوصفه أقدم الاصول الرجالية الخمسة عند الامامية كما يقول الشيخ علي الشويلي في دراسته.

ونقول: إن هذه الاغلاط من النساخ لا علاقة بإسناد الرواة والتوثيقات وما يهمنا في الجرح والتوثيق، لذا يبقى الكتاب على أهميته.

غدا ان شاء الله نكمل ونشير إلى ان هذا الكتاب للكشي او للطوسي (ره).


[2] الاصول الاربعة في علم الرجال، سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي، ص26.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo