< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

38/07/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: البحث في كتاب.

     مفاصل نشأة المذاهب السنيّة.

     النقاش في غاية كتابة كتاب النجاشي، والرد على كلمة " التعيير ".

     كلمة " سلفنا الصالح " في مقدمة النجاشي.

     الفرق بين " رجال " وفهرست " الطوسي.

كان الكلام في مقدمة النجاشي عندما قال: ان القوم يعيروننا باننا لا سلف لنا ولا جذور ولا اصول ولا مصنفات، فكتب هذا الكتاب. وتوقفنا عند نقطتين: الاولى وهي مسالة التعيير، حتى ان بعضهم جعل مسألة التعيير هي السبب في كتابة كل الكتب. وقلنا ان هذا الكلام غير سليم، وانتقلنا إلى فكرة ولو كانت استطرادية وهي ما انتشر بين الفقهاء والعلماء من كتب تحمل عناوين مثل " نشأة التشيع " وهي كتب جليلة. وقلنا ان هذا العنوان مسيء للتشيع، لانه يشعر أن التشيع أمر طارئ حادث. والواقع ان المذاهب الاسلامية الأخرى هي التي نشأت في ضمن تاريخ الاسلام، ولاحظت في نشأتها وتأسيسها التاريخي مرورها بأربعة مفاصل ليتكون منها المذهب:

الاول: التأسيس العام في العهد الاول بعد وفاة الرسول (ص)، وذلك بانتزاع الخلافة من أصحابها الشرعيين، الذين نصّ الرسول الاكرم (ص) عليهم. نشأت فكره عامة وهي انه يجوز مخالفة نص رسول الله لأجل بعض المبررات والاستحسانات التي يراها أهل الحل والعقد، كالقول بان علي بن ابي طالب مازال صغيرا فلا يكون مقبولا عند الناس، وان من مصلحة البلاد ان يبايع الناس ابا بكر، او ان الناس لا تقبل عليا (ع) لأنه من بني هاشم، او لان الناس تحقد على علي (ع) لأنه قتال الكفار الصناديد من العرب إلى آخره. هذه الاستحسانات من الخلافة وغيرها قدموها على نص رسول الله (ص)، الناس سمعت نص الغدير ولكن اذهلت عنه بألاعيب إعلامية وإن شاء الله سوف تعود اليه.

المفصل الثاني: التأسيس الفكري على عهد معاوية حيث أسس لفكرة قداسة السلطة، ووجوب طاعتها، ووجوب طاعة الحاكم ولو كان أصلا ظالما فاجرا. بتعليل أن ما يصلحون فيه أكثر مما يفسدون. وبهذا التعليل جعلت غاية الاسلام إقامة سلطة بلباس ديني، وليست الغاية الإنسان. [1]

المفصل الثالث: التأسيس الفقهي الذي قام به المنصور الدوانيقي حيث طلب من مالك بن أنس تأليف كتابه الموطأ، فتأسس المذهب المالكي، وبعد ذلك جاء أبو يوسف ليؤسس لمذهب الأحناف، وأهم ما فيه التأسيس إنشاء مصدر أساسي للاستنباط يختلف عما أسسه النبي محمد (ص) وهو القياس، ولذلك صاروا يبحثون عن مبرر للعمل به واستدلال لحجيته، حتى صار بديلا عن السنة التي لم تثبت عنده منها سوى سبعة عشر حديثا. [2]

المفصل الرابع: التأسيس الروائي بعد أن قام الزهري بجمع الاحاديث، ووصلت الجهود إلى كتابة المجاميع الروائية والصحاح كصحيح البخاري وصحيح مسلم، واعطيت قداسة خاصة، فقالوا عن البخاري أنه أصدق كتاب بعد كتاب الله، وإذا اتفق مسلم والبخاري قالوا عن الحديث: متفقٌ عليه.

وبهذا المفاصل الاربعة تمّ تأسيس مذاهب أبناء العامة، ونستنتج منه حدوث هذه المذاهب لغايات عند أصحاب السلطة وأهل الأهواء. [3]

ونعود للغاية لتأليف النجاشي لكتابه في الرجال وهي الردّ على " التعيير ". فقد جعلها بعض أهل هذا الفن ردا على من استدل للحاجة إلى علم الرجال بتأليف الكتب الرجالية، واستفاد من ذلك أن الغاية لم تكن بغاية الجرح أو التعديل، مما يعني عدم الحاجة إلى ذلك لصحة جميع أحاديث الكتب الاربعة وغيرها.

ونقول هنا: إن تأليف الكتب الرجالية كان قبل زمن التنافس والتحريض وقد كتبت الكتب الأولى لأجل غاية فكرية عقائدية وسياسية. فأول من كتب عبد الله بن ابي رافع، ولم يكتب بغاية الجرح والتعديل ولا لأجل الاستنباط. كتب بان كل صحابة رسول الله (ص) كانوا مع علي بن ابي طالب (ع)، هذا ما اردا ان يقوله عبيد الله بن ابي رافع للناس. هذا النوع من نوع الحرب الناعمة، لكن في سبيل إحقاق حق، وكانه كان ردّا على تأسيس مرجعية للدين أسسها رسول الله (ص) وهي " أهل البيت " ففي قوله (ع): اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي " فجاء معاوية ليؤسس لمرجعية أخرى وهي الصحابة.

ثم ان النجاشي يقول: " على ان لأصحابنا (ره) في بعض هذا الفن كتبا ليست مستغرقة لجميع ما رسمه ". فهو يذكر كتبا كانت قبله، فهل هذه الكتب كتبت جميعها بدافع التعيير؟

الامر الثاني في كلام النجاشي قوله: " وها انا أذكر المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالح، وهي اسماء قليلة ..."

ففي قوله " من سلفنا الصالح " ثناء ومدح لكل من ذكرهم من أصحاب التصانيف، وهذه نكتة تؤخذ بعين الاعتبار وهل نستطيع ان نستنبط قاعدة منه؟

موارد رجال النجاشي:

منها: ما كان يستقيه من شيوخه مباشرة.

ومنها ما كتبه بعض الاعلام إليه فيقول: كتب ذلك لي بخطه.

ومنها: خطوط بعض الاعلام كما في قوله: " وجدت " " ورأيت ". فيقول: " رأيت بخط ابي العباس بن نوح ".

ومنها: المؤلفات الواصلة إليه، مثل ابن عقدة الزيدي، وسعد بن عبد الله الاشعري، والحافظ، وابن النديم، وابن بطة، والزهري، والكشي والصدوق.

ومنها: ما ذكره شيوخه مباشرة من دون معرفتهم بأعيانهم، مثل: " حكى بعض أصحابنا " و " أخبرنا جماعة ".

ومنها: الفهارس والطبقات، مثل: فهرس محمد بن الحسن بن الوليد وفهرست حميد بن زياد الدهقان الكوفي.

إلى هنا نكون قد القينا نظرة عامة على كتاب النجاشي، والمشهور بين علماء الرجال انه " ثبت "، اثبتوا انه اكثر شخص متثبت في من كتب في علم الرجال. واغا بزرك الطهراني يقول: لو تعارض كلام النجاشي مع غيره في مسألة علم الرجال يقدّم النجاشي.

3- رجال الطوسي:

أو الابواب أو الطبقات لأصحاب النبي (ص) والائمة (ع).

الفرق بين رجال الطوسي وفهرست الطوسي:

رجال الطوسي ليس مخصوصا بالإمامية، بل إستقصى أصحاب النبي (ص) والائمة (ع) ومن روى عنه مؤمنا كان أم منافقا، إماميا أو عادلا، عادلا أم فاسقا وكان استقصاء ناقصا.

وقد ذكر بعض الأجلة من المعاصرين: " فالظاهر كون الراوي إماميا ما لم يصرّح بالخلاف أو لا أقل شيعيا فتدبّر ". [4]

وقد تدبرنا فلم نجد لهذا الظهور من مبرر، فإن قسما كبيرا من الرواة لم يكن شيعيا، والشيخ الطوسي (ره) لم يصرّح بذلك. ولا توجد قرينة لبيّة كما في الفهرست.

4- فهرست الشيخ الطوسي:

أتى الشيخ الطوسي (ره) بأسماء الذين لهم تصنيف أو أصل. ويختلف " الفهرس " عن " الرجال " بكون " الفهرست " خاصا للرواة من الشيعة بالمعنى الأعم، أي ما يشمل الواقفة والفطحية وغيرهم، بل وكل محبّ للنبي (ص) والائمة (ع) وليس هذا من نص من الشيخ الطوسي، بل يعلم ذلك بقرينة لبيّة، إذ يعلم بحسب طبيعة الناس أن من يكتب عن شخص عادة وينشر أفكاره أو سيرته أو أحكامه أو غير ذلك. يكتب اما لحبه الشديد له أو لتحطيمه. ونرى ان في التصانيف ليس فيها شيء من التحطيم، لذلك يرجح الاحتمال الاول. طبيعة البشر من يكتب وينشر احكام وافكار وروايات واحاديث وسيرة كانه ينشر ميزة معينة.

هذه هي القرينة التي يمكن ان يستدل بها على ان كل من ورد في الفهرست فهو شيعي بالمعنى الاعم، ليشمل المحب أيضا. النوفلي والسكوني وابناء العامة الذين رووا عن الائمة (ع)، وقلت مرارا ان هؤلاء كانوا استشهاديين في ذلك الزمن الصعب. [5]

ولذا فالظاهر بحسب ديدن الناس وليس من نص للشيخ أن كل من ورد في الفهرست من صاحب أصل او مصنّف فهو من الشيعة بالمعنى الأعم، إلا ان يدل دليل على الخلاف. يمكن ان تكون هذه قاعدة عامة نتبعها في تشخيص اصحاب الاصول. وهذا الأمر فرق أساسي بين كتابي " الرجال " و " الفهرس ".

انتهينا من الكشي والطوسي يبقى للبحث الغضائري والبرقي.


[1] هذا التأسيس الفكري خلاف الاسلام، الاسلام رحمة للعالمين، اربعمائة آية في القرآن الكريم ضد الظلم. بحثت هذا الموضوع في كتاب " لو بايع الحسين (ع) ". الحسين (ع) من جوهر حركته لم تكن لأجل السلطة، ولا السلطة العادلة، ولا ضد بني أمية بالذات وكل ما يقال، بل في ذلك الزمن بدأ ينتشر فكرة طاعة الحاكم حتى لو كان ظالما رغم ان هذه الفكرة تعارض القرآن: " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار "، وإذا بالفكر الاموي يقول بانه يجب طاعة الحاكم لمبررات كـ : " ان ما يصلح الله فيهم اكثر مما يفسد "، وانه لا بد من دولة. ولذلك ابن خلدون قال: انه كان على يزيد ان يقتل الحسين (ع)، لان الدولة قائمة على العصبية الامويّة، والعصبيّة الاموية إذا انهارت إنهارت الدولة الاسلامية، فإذن يجب أن نحافظ على بني اميّة وعلى هذه العصبية حتى تبقى الدولة والامّة. فأسسوا لإطاعة الامير ولو ضرب ظهرك من خلال روايات واحاديث ومذاهب كمذهب الارجاء، ومن خلال الاشعار. احتاجوا إلى حملة اعلامية واسعة جدا حتى ترسخت في الاذهان، اسسوا لفكرة الخنوع وان القيام ضد بين اميّة هو قيام ضد مشيئة الله عز وجل كما في قضية دخول رأس الامام الحسين (ع) على يزيد بن معاوية قال: " أتعلمون من اين أتي هذا، قال: من قبل قلّة فقهه "، قالوا كيف؟ قال: انه لم يقرأ قوله تعالى: " يؤتي الملك من يشاء ". حتى القرآن ارادوا ادخاله لإثبات فكرهم. وكما في قولهم في كربلاء: " يا خيل الله اركبي ودوسي صدر الحسين " وهذا يعني انهم هم لله عز وجل يقتلون الحسين (ع) رغم انه عندهم سيد شباب أهل الجنّة، وامام قام أو قعد. هذا التضليل الفكري اليوم موجود ايضا في ايامنا. فبدل ان يكون الفكر الاسلامي رحمة صار نقمة على العباد. لذلك الفرق بين التشيع وبين المذاهب السنيّة، ان التشيع مذهب حق ينشد الحقيقة، أين يريدنا الله عز وجل. بينما المذاهب السنية تريد السلطة ولو كانت ظالمة، يكفي الباسها لباس الاسلام، يتمنون ويسعون ان تكون عادلة لكن ان كانت ظالمة يجب طاعتها.
[2] الانصاف ان كلام ابو حنيفة سليم لأنه منعت كتابة الاحاديث مائة عام، ولما جاء الزهري لجمع الاحاديث جمعها كيف ما تفق بعد مرور مائة سنة، لذلك كثر الوضاعون والكذابون أثناء هذا المنع الطويل ثم بأمر من عمر بن عبد العزيز بدأت لملمة الاحاديث لذلك لم يجد ابو حنيفة احاديث صحيحة كافية فجعل ذلك مبررا للعمل بالقياس، والقياس مسألة عقلائية يعمل حتى الفقهاء من دون ان يشعروا. نعم ورد النص الصريح بالنهي عن العمل به.
[3] ذكرت هذه المفاصل الاربعة لتأسيس المذهب حتى يوما ما يأتي شخص منكم او من غيركم ويكتب كتابا عن هذه المفاصل لأننا قتلنا عندما كتبنا في " حدوث التشيع " ونشأة التشيع " وغيرها، حتى اصبح الاعتقاد بانهم هم الاسلام، وبعضنا اصبح يقوا اننا نحن مثلكم نصلي ونصوم، اصبحنا نتقرب اليهم، كانه كلما اقتربت اليهم اقتربت من الاسلام، وكلما ابتعدت عنهم ابتعدت عن الاسلام.
[5] قد يقال ان هذا الكلام فيه مبالغة. اقول: نحن عشنا هذه الحالة في العراق، عشنا تفاصيل كنا نسمعها عن الائمة (ع) وعن العباسيين وعن الامويين ولا نصدّق، إلى ان رأينا ذلك بأعيننا. كنا نسمع تفاصيل عن عاشوراء كنا نقول ان هذه مبالغات القراء، لم نصدق ذلك حتى رأيناه وعشناه في العراق في زمن الطاغوت والظلم. فبمجرد ان تتحدث مع شخص تصبح في السجن. في زمن معاوية (الحليم) إذا أراد أحد من الناس أن يحدّث عن الامام علي (ع)كان يقول: قال ابو زينب. عشنا هذا المرحلة وكنا نظن انها مبالغات. وقصة مسلم بن عقيل كيف كان معه الناس وبايعوه وعرفوه انه رسول الامام الحسين (ع) ثم واجه وحده الجند وصارت النساء والاطفال تقاتله وترمي عليه الرماد في الاطباق ويرمون عليه الحجارة. كنت من الناس الذين يشككون في هذه الروايات واقول في نفسي لماذا لا يجلسون على الأقل في بيوتهم دون قتال مسلم بن عقيل خصوصا مع عدم طلب ابن زياد ذلك منهم؟، لكن حصل ذلك فعلا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo