< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/02/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اصحاب الاجماع.

التوثيقات العامة، أصحاب الاجماع:

-قصة الاجماع مختصرا.

-الاجماع حجة لشرطين: في خصوص الاحكام الشرعية أو ما له من أثر شرعي. وفي رأي المعصوم كشفا حسيا.

-نقل كلام الشيخ السبحاني والسيد الخوئي.

-ملخص ما مضى.

نكمل الكلام في مسألة اصحاب الاجماع وفرقنا بين مسألة اصحاب الاجماع ومسألة ما اسميناه مشايخ الثقات.

في اصحاب الاجماع قلنا ان الاكلام في نقطتين:

الاولى: في معنى كلمة " تصحيح ما يصح عنهم "، واخترنا ان معنى هذه العبارة هو بيان جلالتهم والزيادة في وثاقتهم وانا الفقه يدور حولهم " وانقادوا لهم بالفقه " وغير ذلك مما قيل فيهم.

الثانية: وهو حجية هذا الاجماع المنقول، نقل الكشي قال: " اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم "، هذا اجماع منقول من قبل الكشي.

سنتكلم في هذا الاجماع ومدى حجيته، هل هو حجة بحقنا نحن الذين نقل اليهم هذا الاجماع، هل هو حجة بحقه هو شخصيا. بالنسبة له هذا الاجماع محصّل، وبالنسبة لنا اجماع منقول خبر واحد.

سنشرع بإطلالة على مسألة الاجماع المحصل: الاجماع هو حجة أو ليس حجة؟

الاجماع اساسا ليس منا، بل هو من ابناء العامّة ورحمة الله على الشيخ الانصاري ذكرنا مرارا في درس الاصول والفقه تعبيره " ان الاجماع هم أصل له وهو أصل لهم " يذكره في اول رسائله، وتصوري ان بحث الاجماع بالنسبة للشيخ الانصاري في كفة ميزان وهذه العبارة في كفّة اخرى من ناحية القيمة العلمية، مراده (ره) ان ابناء العامة ابتكروا الاجماع وجعلوه مدركا من مدارك الفقه والاستنباط لتصحيح خلافة الاول أي أبا بكر بن ابي قحافة [1] .

هم ابتكروا اشياء كثيرة لأجل تصحيح خلافة هؤلاء وابتكروا الاجماع وحاولوا الاستدلال عليه من قبيل الحديث الذي ينقلونه من طرقهم: " ما اجتمعت امتي على خطأ "- وهو حديث غير تام الحجية - وانتشرت حجية الاجماع بينهم، ولما كانوا هم السلطة المسيطرة على الجو العام بدأ فقهاؤنا في محاكاتهم لعدة اسباب فقالوا ان الاجماع حجة لكن ما الدليل عليه؟ فحاولوا ايجاد تبرير أو تصحيح للحجية، فانطلقت نظرية حجية الاجماع.

فقالوا: إن الاجماع حجة لكشفه عن رأي المعصوم (ع) مما استدعى سؤالا آخر، ولكن كيف يكشف عن رأي المعصوم؟ اختلفوا، فذهب الشيخ الطوسي (ره) الى اللطف، يعني من لطف الله عز وجل ان لا يترك الامّة سدى، ليس من المعقول ان تخلو الارض من حكم صحيح فهذا خلاف لطف الله عز وجل. قاعدة اللطف قاعدة عقلية تؤدي إلى قطع، يعني ان الاجماع يكشف بنحو القطع واليقين عن رأي المعصوم، إذن الشيخ الطوسي قال بالإجماع اللطفي، بعضهم قال بالإجماع الدخولي يعني ان نعلم ان المعصوم احد الموجودين فيصير من باب الخبر الواحد الحجة، ولعل هذا ممكن في زمن الغيبة الصغرى اما ما بعد فهو من باب الفرض. وبعضهم ذكر ان الاجماع يكشف عن رأي المعصوم من باب الحدس يعني ان العقلاء كعقلاء يرون اننا نستكشف من اتفاق المرؤوسين رأي الرئيس، مجرد حدس محض انه من اتفاق مجموعة نفهم حينئذ ان هذا الكلام ليس منهم فقط بل الرئيس أي الامام المعصوم (ع). سنرى في بحث الاجماع ان كل هذا تبريرات (واهية) لا نقول بها، لذلك قلنا في درس الاصول إن الاجماع ليس حجة بذاته.

وهناك امر ان الحدس برأي المعصوم تارة يكون حدسا، من خلال مجموعة تقطع من خلال أرائيهم برأي المعصوم ، فمثلا قد يوجد بعض العلماء إذا قالوا بقول واحد انا اطمئن بانه الحكم الشرعي ورأي الامام (ع) ويقال حينئذ إن وسيرة العقلاء على ذلك، حينها تصبح السيرة هي الحجة. هذا مختصرا قصة الاجماع اجمالا ونحن لا نقول بشيء منها، من الناحية الاصولية الاجماع ليس حجة إلا ان يقال بحجية الشهرة الفتوائية، والاجماع اقوى حجة من الشهرة بلا شك، هو اقوى ظنا لكنني اعتقد ان موضوع الخلاف في الاجماع يختلف جذريا عن موضوع الخلاف في الشهرة، والاستدلال بها استدلال تعبدي، والحجية حجية تعبدية، سواء قلنا ان دليلها تنشأ ظنا اكثر من الخبر الواحد، فإذا كان الخبر حجة فالشهرة حجة من باب اولى، او قلنا ان " خذ ما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر " يعني ان الشهرة حجيتها تعبدية لأنها ظنية.

ثم إن الاجماع على قسمين: محصل ومنقول، فلو نقل أحدهم إجماعا، فهذا من باب خبر الواحد، و نحن قد درسنا في علم الاصول أن الخبر حجة لشرطين: اولا: في خصوص الاحكام الشرعية أي في خصوص ما كان الكشف فيه عن الحكم الشرعي أو ما له أثر شرعي، وثانيا: أن يكون رأي المعصوم كشفا حسيا لا حدسيا، وعليه فان عدّة اشكالات تتوجه على نقل هذا الاجماع –الاجماع الذي نقله الشيخ الكشي (ره) في مسألة اصحاب الاجماع " ان العصابة اجمعت على تصحيح ما صح عنهم - .

الاول: من ناحية السبب – النقل- [2] ، وهو اتفاق الكل، فإن اكثر الفقهاء كما ذكر الشيخ الانصاري (ره) كانوا يكتفون باتفاق البعض لينتقلوا إلى الكل حدسا، أي هناك تسامح في تحصيل الاجماع أو الاتفاق أو التسالم، لم يستقرئ الناقل كل المجتهدين بل ينتقل من بعضهم إلى كلهم، واتكلوا على حدسهم في هذا التحصيل، وهذا خارج عن أدلة حجية الخبر.

وهذا الاشكال يشمل كل الاجماعات المنقولة، نعم في مقامنا تختلف النتيجة بحسب المراد من قول الكشي " أجمعت العصابة على تصحيح ما صحّ عنهم " فان كان المراد هو جلالتهم ووثاقتهم كما قدمنا في تفسير العبارة تكون النتيجة هو نقل اتفاق جزئي أي على نحو القضية الجزئية إجمالا، وكانه قال: " أجمع بعض الفقهاء على توثيق هؤلاء ". ولما كان هذا النقل له أثر شرعي كان حجة شرعا. بعبارة اخرى: إن النتيجة هي حجية نقل الكشي وثاقة هؤلاء الثمانية عشر عن بعض الفقهاء. هذا إذا كان المراد بيان وثاقته وجلالتهم.

اما إذا كان المراد من " تصحيح ما يصح عنهم " انهم لا يروون إلا عن ثقة فكذلك الامر. يعني ان الكشي إذا نقل اجماع عشرة اشخاص بانهم لا يروون إلا عن ثقة وهذا الامر له أثر شرعي، فكما قلنا ان خبر الواحد حجة في ما كان شرعيا او ما كان له أثر شرعي. فبالنسبة لي صار هذا النقل حجة.

اما إذا كان المراد تصحيح الرواية من دون نظر إلى سندها كما ذهب اليه صاحب الوسائل وغيره، فهذا نقل حدسي لصحة الرواية، أي أن هؤلاء يرون صحة رواية هؤلاء الثمانية عشر، بمعنى اعتبارها وجواز الاتكال عليها.

وهنا لا باس بنقل كلام للشيخ السبحاني وفقه الله حيث يقول" وهناك إشكال آخر يختص بالمقام، وهو أن الاجماع المنقول لو قلنا بحجيته، إنما هو فيما إذا تعلق على الحكم الشرعي، لا على الموضوع، ومتعلق الاجماع في المقام موضوع من الموضوعات لا حكم من الاحكام، كما تفصح منه عبارة الكشي: " أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة ... " .

والاجماع على موضوع ولو كان محصلا، ليست بحجة، فكيف إذا كان منقولا. [3]

هنا قال: " أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة " هذا موضوع خارجي وليس حكما شرعيا، صار من قبيل الخبر الواحد، والاجماع المنقول خبر والخبر انما يكن حجة إذا كان في حال الحسية وحال كونه حكما شرعيا. لكن نقول: ان خبر الواحد انما هو حجة في الامور الشرعية كالأحكام أو ما له اثر شرعي، لذلك قلنا بحجيته في الموضوعات.

وكذا لا باس بنقل كلام للسيد الخوئي (ره) حيث يقول: ثم إنا لو تنزلنا عن ذلك وفرضنا أن عبارة الكشي صريحة في ما نسب إلى جماعة واختاره صاحب الوسائل، فغاية ذلك دعوى الاجماع على حجية رواية هؤلاء عن المعصومين عليهم السلام تعبدا، وإن كانت الواسطة بينهم وبين المعصوم ضعيفا أو مجهول الحال، فترجع هذه الدعوى إلى دعوى الاجماع على حكم شرعي. وقد بينا في المباحث الأصولية: أن الاجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجة، وأدلة حجية خبر الواحد لا تشمل الاخبار الحدسية. [4]

وهو كلام متين، لكن يجب تقييده بما إذا لم يكن الناقل والمنقول إليه من نفس المشرب. يعنى إذا كان الناقل والمنقول إليه يقولان بحجية الاجماع من باب اللطف مثلا، يكون الاجماع المنقول حجة.

وملخص ما مضى في سطور:

-إن الاجماع المنقول من الكشي لا يدلنا على أكثر من بناء جماعة على توثيق هؤلاء على نحو الموجبة الجزئية.

-إن معنى عبارة " تصحيح ما صحّ عنهم " هو بيان جلالتهم ووثاقتهم وليس المروي كما ذهب اليه السيد الخوئي (ره) وكلامه هو الذي نتبناه، وليس المراد المروي كما ذهب إليه صاحب الوسائل (ره).

-إنا لا نقول بحجية هذا الاجماع ولا بغيره، ولكن للنقل ثمرة مهمة وهي تأييد جلالتهم من جهة وكون بعضهم من الملحقين بمشايخ الثقات من جهة أخرى كما سيتبيّن لنا ذلك لأننا سنقول بهذه القاعدة. عندما قال الشيخ الطوسي (ره) ان ابن ابي عمير والبزنطي وصفوان واضرابهم وامثالهم، من هم امثالهم؟ لم نرى تحقيقا في ذلك، بعضهم يقول انهم نفس اصحاب الاجماع لكن هذا الكلام غير صحيح، سنرى من هم المراد في قولهم واضرابهم وامثالهم، مثلا منهم يونس بن عبد الرحمان. هذا البحث ليس خاليا من الفائدة العلمية.

ننتهي من قاعدة اصحاب الاجماع ونشرع ان شاء الله في مشايخ الثقات.

 


[1] استطراد: النظريات السياسية الرئيسية عند ابناء العامة اربعة: الاولى: نظرية الاجماع ابتكروها لتصحيح خلافة ابي بكر. الثانية: نظرية التعيين أي ان الخليفة إذا عيين شخصا كان هو الخليفة، وذلك لتصحيح خلافة عمر. الثالثة: نظرية الشورى واهل الحل والعقد وذلك لتصحيح خلافة عثمان. والرابعة: نظرية الغلبة، من غلب بالسيف وجبت طاعته، وذلك لتصحيح خلافة معاوية.
[2] ناحية السبب: السبب هو النقل ان هناك اتفاق من اربع او من عشرة او انفاق الجميع إلى آخره. والمسبب هو ان هؤلاء اتفقوا، من قبيل الخبر والخبر به.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo