< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مشايخ الثقات.

     نقاش السيد الخوئي في كون الدعاوي الثلاثة عن حدس لا حس.

     الادلة على كون اثنين منهما حسيتين، أي دعوى: لا يروون إلا عن ثقة " ودعوى التسوية. أما استناد احداهما على الاخرى فحدسي.

     الجواب على تاكيد السيد الخوئي لكون منشأ القاعدة كلام الكشي في تصحيح ما صحّ عن الثمانية عشر.

قلنا ان كلام الشيخ الطوسي (ره) ينحل إلى ثلاثة دعاوى:

الأولى: إن هؤلاء الثلاثة وغيرهم (واضرابهم) من الثقات لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة موثوق به.

الثانية: إن الطائفة سوّت بين مسانيدهم ومراسيلهم، بحيث أن مرسلاتهم تعارض مسانيدهم ومسانيد غيرهم.

الثالثة: إن التسوية مستندة الى الدعوى الاولى وذلك لقوله (ره): " لأجل ذلك سوت الطائفة ".

ونحن فككنا كلام الشيخ الطوسي لانا قلنا ما كان عن حدس فهو حجة عليه لا علينا، وان كان عن حس فهو حجة علينا لانه نقل ثقة.

سنقرأ بعض كلام السيد الخوئي (ره) حيث يعتبر أن الجميع حدس، وسنرى كأنه عندما يقول " لأجل ذلك سوّت الطائفة " ان هناك شيء من الحدسية في الاستنباط.

إذن السيد الخوئي (ره) قال ان كلتا الدعويين حدسيتان واستنج أن ذلك من كلام الكشي في اصحاب الاجماع عندما قال: " اجمعت العصابة على تصحيح ما صح عنهم ". والسيد يعتبر ان الدعوى الاولى " لا يروي إلا عن ثقة " امر اجتهادي مستنبط من العدوى الثانية " التسوية " ويقول: ومما يكشف عما ذكرناه - من أن نسبة الشيخ التسوية المذكورة إلى الأصحاب مبتنية على اجتهاده،..

ويقول في الصفحة التالية: وثانيا: فرضنا أن التسوية المزبورة ثابتة، وأن الأصحاب عملوا بمراسيل ابن أبي عمير، وصفوان، والبزنطي وأضرابهم. ولكنها لا تكشف عن أن منشأها هو أن هؤلاء لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة،..[1]

فلنراجع كلام الشيخ الطوسي (ره) ولنعلق على كلام السيد الخوئي (ره):

اولا: أيّ الدعويين مستندة على الاولى؟ ففي حين في الصفحة 61 يظهر أن الدعوى الأولى مستنبطة من الثانية وذلك في قوله: " فإنه اجتهاد من الشيخ قد استنبطه من اعتقاده التسوية "، أي أن الأولى متأخرة عن الثانية كأن التسوية هي الاساس واستنبط من التسوية انهم لا يروون إلا عن ثقة.

نراه يقول في الصفحة 62: " ولكنها لا تكشف عن أن منشأها هو أن هؤلاء " أي أن الدعوى الاولى متقدّمة عن الثانية وهي المستنبط منها.

التعليق الثاني: الظاهر من كلام العدّة أن الدعوى الثانية مستندة إلى الاولى حيث يقول في العدّة: وإذا كان أحد الراويين مسندا والاخر مرسلا، نظر في حال المرسل، فان كان ممن يعلم انه لا يرسل الا عن ثقة موثوق به فلا ترجح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه ....

ويفهم من كلام الشيخ (ره) أنه لأجل علمنا بالتوثيق سوّت الطائفة، فجعل الدعوى الثانية استنباطية وهي أن التسوية مسألة اجتهادية مستندة ونتيجة الاولى، لقوله: " ولأجل ذلك سوّت الطائفة "، أي لأجل عدم الرواية إلا عن ثقة سوت الطائفة.

التعليق الثالث: أن الظاهر من عبارة الشيخ في العدّة: " فان كان ممن يُعلم أنه لا يرسل الا عن ثقة موثوق به " كلمة " يُعلم " يعني أنه هو يشهد أنه من المعلوم أنه لا ينقل إلا عن ثقة وانها نقلية عن حس وليس من حدس منه، وذلك لظهور التعبيرين التاليين: اولا: " فان كان ممن يُعلم أنه لا يرسل الا عن ثقة " يُعلم مبنية للمجهول.

ثانيا: " الذين عُرفوا انه لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة "، عُرفوا أيضا فعل ماض مبني للمجهول.

وهذان التعبيران مادة وصيغة يدلان على أن الشيخ الطوسي (ره) نقل هذا نقلا عن حس، وليس عن حدس واجتهاد منه. " عُلم " وعُرف "، نقول هذا عُرف أي ما عند الناس، وهذا يختلف ما إذا قلت أنا " اعتقد " أو " جزمت" أو " قطعت " هذه العبارات توحي بالاستنباط، هذا من ناحية المادة.

أما في الصيغة وهي صيغة الماضي للمجهول، فقد اتضح في علم البلاغة انه عندما يحذف الفاعل يحذف لدواع، مع أن المفروض أن يذكر. يذكرون أن من اسباب حذف الفاعل هو التعميم وغير ذلك، أي أن عامة الناس على ذلك وليس هنا من داع لذكر فلان وفلان، وهذا ليس فقط في اللغة العربية. فبدل من أن أقول: " عَرف الناس اي عرف فلان وفلان وفلان... أن ابن أبي عمير من أنه لا يروي إلا عن ثقة، أقول: " عُرف انه لا يروي إلا عن ثقة "، وخير الكلام ما قل ودل، لكثرة التعميم فلا داعي لذكر الفاعل.

إذن عبارة الشيخ الطوسي (ره) توحي وتشير إلى انه ينقل كلمة " لا يروون الا عن ثقة " عن حس وليس عن حدس، أي أنه خبر واحد ثقة وليس اجتهادا منه. وأيضا كلمة " سوّت " ظاهرها انها عن حس، وهي تختلف عن كلمة " اجمعت الطائفة "، فالنقل عن حس منقول بالتسوية والحدس في التبرير بظهور كلمة " لأجل ذلك سوت الطائفة " التي ضعضعت المفهوم انه عن حس. فنقل الاجماع حسي، نعم هذا الاجماع صار مدركيا. نعم تبريره الاجماع وقال ان هذا اجماع بسبب " لاجل ذلك سوّت الطائفة " التبرير منه أي اصبح عن حدس، وهذا الحدس لا آخذ به لان اجتهاده علبه ونقله علينا.

ملخص الكلام: ان تعبير الشيخ الطوسي (ره) " عرفوا انهم لا يروون إلا عن ثقة " هذا عن حس، و " سوت الطائفة " عن حس، التبرير او التعليل هو عن حدس " لاجل ذلك سوت الطائفة " أي ان الدعوى الثالثة ان التسوية مستندة إلى الدعوى الاولى هذا حدس من الشيخ الطوسي. هذا الحدس لا آخذ به، نعم انا آخذ بالدعوى الاولى والثانية.

ثم ان السيد الخوئي (ره) قال ان هذه الدعوى " ان صفوان وابن ابي عمير لا يروي إلا عن ثقة " منشؤها ابو عمرو الكشي، يقول في معجمه: " فمن المطمأن به أن منشأ هذا الدعوى هو دعوى الكشي الاجماع على تصحيح ما يصح عن هؤلاء. وقد زعم الشيخ أن منشأ الاجماع هو أن هؤلاء لا يروون إلا عن ثقة، وقد مر قريبا بطلان ذلك. ويؤكد ما ذكرناه أن الشيخ لم يخص ما ذكره بالثلاثة المذكورين بل عممه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون إلا عمن يوثق به. ومن الظاهر أنه لم يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوى الكشي الاجماع على التصحيح ". [2]

بنى السيد الخوئي (ره) أن أصل كلام الشيخ نشأ من الكشي، ولذلك صارت عن حدس وليس عن حس، فتبطل القاعدة، لان ما بني على باطل فهو باطل.

ونعلّق على التأكيد الأخير للسيد الخوئي (ره) ونقول: إن قاعدة أصحاب الاجماع تدل على جلالتهم ولا تدل على كون هؤلاء الثمانية عشر لا يروون إلا عن ثقة، وهذا ما ذهب إليه.

لكن نقول: كون الراوي جليلا لا يعني انه لا يروي عن غير ثقة، بل قد يروي عن ضعيف، بل عن كذّاب لدواع من قبيل: " من فمك أدينك " فالراوي الثقة الجليل قد يروي عن ظالم وعن كذّاب، وعن غيرهم لأغراض متعددة.

ولذا نقول: إن جلالة الراوي لا تعني انه لا يروي عن غير ثقة، وإلا ذهبنا إلى أن من التوثيقات العامة مجرد رواية الثقة عنه، ولذا سنرى أن يونس بن عبد الرحمن من أضراب هؤلاء الثلاثة دون زرارة الذي هو اجل وأهم من يونس.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo