الموضوع: مشايخ الثقات.

    • استدلالات السيد الخوئي على استناد قاعدة " مشايخ الثقات " إلى قاعدة " اصحاب الاجماع".

    • بيان مواقع الخدش في هذه الاستدلالات.

    • إشكالات السيد الخوئي على هذه القاعدة.

    • الاشكال الاول: انه ليس لها عند القدماء عين ولا أثر.

    • الجواب على الاشكال الاول.

    •

نستعرض استدلالات السيد الخوئي (ره) اولا ، وبعد ذلك نستعرض إشكالاته والاجوبة عليها.

ذهب السيد الخوئي (ره) إلى أن مردّ قاعدة مشايخ الثقات ناشئ من كلام الكشي ومستنبطة من قاعدة أصحاب الاجماع، ودليله أنه لم يحصر الذين لا يروون إلا عن ثقة بهؤلاء الثلاثة فقط، بل قال: هؤلاء الثلاثة وأضرابهم من الثقات. وتدل كلمة أضرابهم على اصحاب الاجماع وبالتالي فإن القاعدة اجتهاد من الشيخ وهي حدس وليست نقلا.

هذا الكلام غير تام ولا دليل عليه بل ان الشيخ قد عبّر " ان هؤلاء ( محمد بن أبى عمير وامثاله ) عرفوا "، وهذا التعبير ( عرفوا ) صريح بالنقل عن حس لا عن حدس.

بعبارة أخرى: نقول: ان الأمور الحدسية ملزمة للمجتهد نفسه، أما الأمور النقلية الحسية فنحن ملزمون بها أيضا.

وكون الدعوى حدسية أمر ممكن لكن كما يقول ابن سينا: " كل ما قرع سمعك فدعه في دائرة الامكان حتى يأتيك منه واضح البرهان "، لكن ما ذكره السيد (ره) ليس دليلا، خصوصا أن لسان الشيخ الطوسي (ره) لسان نقل وليس لسان حدس: " ممن عُلم انهم لا يروون إلا عن ثقة " " كانوا يُعرفون "، قد نسب ذلك إلى علماء الطائفة.

أما استدلال السيد الخوئي (ره) على هذا الاستناد بعدم حصر الذين لا يروون إلا عن ثقة بهؤلاء الثلاثة. فيردّه أن الثقة مهما عظم شأنه وجلالته يمكن أن يروي عن غير الثقة كما يروي عن الثقة. وهذا لا يخدش بجلالته فضلا عن وثاقته، وإلا ذهبنا إلى أن من التوثيقات العامة رواية أي ثقة عنه، وهو ما لا نقول به كما سياتي. وسنبيّن لاحقا أن من مصاديق " أضرابهم " يونس بن عبد الرحمن دون زرارة بن أعين، ومن المعلوم مكانه زرارة. وبعبارة اخرى إننا نحتاج إلى دليل لكون الراوي لا يروي إلا عن ثقة حتى لو كان من أصحاب الاجماع.

وهذا التأييد الذي ذكره السيد الخوئي (ره) ليس في محلّه، إذ أن الشيخ (ره) نصّ على هؤلاء الثلاثة من باب تطبيق دعوى عامة وهي: " من عُلم أنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة موثوق به ". فهو علل التسوية بذلك، وهو ينطبق على أصحاب الاجماع الذين اجمعت الطائفة على تصحيح ما صح عنهم وعلى غيرهم ممن قد يثبت فيه ذلك. وإلا فما المانع من أن يقول الشيح الطوسي (ره) عن اصحاب الاجماع: " سوّت الطائفة بين مراسيلهم ومسانيدهم " من دون بيان التعليل؟! لماذا الشيخ (ره) جعل قاعدة عامة " كل من لا يروي إلا عن ثقة ولا يرسل إلا عن ثقة، عند التعارض يعامل المرسل كالمسند، فيتعارضان عند التنافي.

الاجوبة على إشكالات السيد الخوئي (ره) على قاعدة مشايخ الثقات:

1-الاشكال الاول: لو كانت القاعدة صحيحة لانتشرت بين علماء الرجال، بينما لا نجد لها عينا ولا أثرا.

والجواب: أما لماذا لم تذكر القاعدة في كلام القدماء؟، فان عدم ذكرها في كتب الاصحاب ليس نقضا، وذلك لأمرين:

الاول: عدم وصول معظم الكتب إلينا. يقول السيد الخوئي (ره) نفسه في معجم رجال الحديث: وقد كان تأليف كتب الفهارس والتراجم لتمييز الصحيح من السقيم أمرا متعارفا عندهم، وقد وصلتنا جملة من ذلك ولم تصلنا جملة أخرى. وقد بلغ عدد الكتب الرجالية من زمان الحسن بن محبوب إلى زمان الشيخ نيفا ومئة كتاب على ما يظهر من

النجاشي والشيخ وغيرهما. وقد جمع ذلك البحاثة الشهير المعاصر الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه مصفي المقال. انتهى [1]

ثانيا: إن تطور العلوم إنما يتم بالتفات العلماء لهذه الامور فيجعلونها في قواعد. وهذا شأن جميع العلوم، فإن القواعد تنشأ على مراحل ومع السنين، ومن الابداعات العلميّة جمع المفردات في قواعد، وابتكار صياغة عامة لها. [2]

وأما نحن فلم نطمئن بكون المنشأ هو كلام الكشي، خصوصا أنه نفسه أي السيد الخوئي (ره) ذكر قبل ذلك مباشرة في نفس الصفحة: " أن النجاشي ذكرها في ترجمة محمد بن أبي عمير، وذكر أن سببها ضياع كتبه وهلاكها "، ولم يذكر أن الدعوى مستندها هو الكشي.

ثم إنه قد يدعى التنافي بين كلام الشيخ والنجاشي في تعليل كون ابن أبي عمير لا يرسل إلا عن ثقة، ففي حين أعادها الشيخ الطوسي (ره) إلى دعوى الكشي، عللها النجاشي بهلاك كثبه وضياعها ويمكن الجمع بينهما بان هؤلاء لا يرسلون إلا عن ثقة، ولكل مبرّره.