< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

39/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مشايخ الثقات.

     تتبع الاحتمالات المبررة لرواية الثلاثة عن الضعاف، ومع الاحتمال يبطل الاستدلال على بطلان القاعدة.

     نقل الاجماعات المتعارضة في كتب الشيخ، وكيفية الخروج من هذا التعارض.

كان الكلام في رد الاشكال على القاعدة بالرواية عن الضعفاء، والاحتمالات الواردة في المراد من معنى " ثقة " والمراد من الرواية.

نعود ونذكر بالاحتمال الثاني الذي ذكره السيد الخوئي (ره) وهو: إن الرواية عن هؤلاء الضعفاء لا تنافي دعوى الشيخ (ره) أنهم لا يروون إلا عن ثقة، فإن الظاهر أن الشيخ الطوسي يريد بذلك أنهم لا يروون إلا عن ثقة عندهم، فرواية أحدهم عن شخص شهادة منه على وثاقته وهذه شهادة يؤخذ بها مالم يثبت خلافها ككل العمومات.

توجيه مراد السيد الخوئي (ره): إن كان المراد ذاتا، فهذا أمر لا يمكن أن يعرفه أحد، لأن الوثاقة صفة نفسية وليست أمرا محسوسا فالوثاقة أمر حدسي قريب من الحس، وتعرف بآثارها لا بنفسها.

- وإن كان المراد ما عند الناس وهو الظاهر، إذ لا يحكم بالوثاقة إلا من خلال تصرفات الإنسان الخارجية، ولذلك عبّر عنها بالحدسي القريب من المحسوس، كالشجاعة والكرم، وهذه التصرفات الخارجية معلومة واضحة لجمع الناس وليس لابن أبي عمير وحده. ومن هنا ففي أغلب الأحوال يكون ما عند ابن أبي عمير هو نفسه ما عند الناس، فابن أبي عمير أحدهم وما يراه ويلمسه ويلاحظه من تصرفات الشخص الموصوف هو نفس ما يراه الناس، فلا يمكن التفكيك اقتضاء بين ما عند الناس وما عند ابن أبي عمير. وقد قلنا سابقا إن اتصاف شخص بالوثاقة ناشئ من إخباره مرات متعددة بأمر صحيح واقعا فاكتسب بذلك صفة (ثقة)، وهذا أمر يلحظه الناس جميعا.

ولذلك كان الثقة باعتقاد ابن أبي عمير هو ثقة عند الناس غالبا، وهو ما عبّر عنه السيد الخوئي(ره): " من كان ثقة في الواقع ".

ولو اختلف ابن أبي عمير عن الناس في توثيق شخص ما، فهو أمر نادر، ويكون لأسباب خاصة عنده وملاحظات لديه دون غيره.

الاحتمال الثالث: هو مبني على المنسبق من عبارة " لا يروون الا عن ثقة " ذلك أن العموم الموجود في قول الشيخ (ره): " وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم ". هل يشمل الراوي والرواية؟

فمن جهة الراوي: هل يشمل كل راو اماميا كان أم غيره؟ كالواقفي، والفطحي، والناووسي، والعامي، والكافر، والمجهول.

ومن جهة الرواية: هل يشمل إلالزاميات وغيرها من المستحبات والمكروهات والإرشاديات، والأمور التاريخية والتنبؤات المستقبلية التي لا تكون حكما شرعيا ولا موضوعا لحكم شرعي كما في روايات أعمار الأنبياء مثلا. فالرواية على قسمين: قسم له ثمرة شرعية، وقسم ليس له ثمرة شرعية لذلك بعض الامور التاريخية لا ثمرة شرعية في بحثها.

أما من جهة الراوي: ذهب بعضهم إلى حصر عموم الراوي بالإمامي، فكأن الشيخ (ره) قال: لا يروون إلا عن ثقة إمامي. فيشكل عليه بروايته عن الواقفي كعليّ بن أبي حمزة، والفطحي كعلي بن حديد، والبتري كعمرو بن جميع، والعامي كوهب بن وهب.

نقول: إلا أنه لا ظهور في ذلك ولا قرينة تدلّ عليه، فنبقى على العموم أي أن المراد من الثقة كل ثقة أياً كانت عقيدته.

ثم يلاحظ أن ابن أبي عمير قد يروي عن الكذاب اتكالا على شيوع كذبه بين الناس، قد تكون روايته عن الضعيف لدواع عديدة، منها: احتفافها بقرائن تدل على صحتها، أو استحسانه لمضمون الرواية، أو لكونها أمرا تربويا، أو غير ذلك كما سيأتي بعد قليل.

ونحن نعلم أن همّ الرواة كان إيصال الأحكام الشرعية الواقعية ما أمكنهم عن لسان آل بيت محمد (ص).

اما من جهة الرواية فقد يقال: أن هؤلاء الثلاثة لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة. هذا يعني في خصوص العقائد والاحكام الشرعية وفي خصوص الالزاميات منها من واجبات أو محرّمات، أما في غير الالزاميات كما في المستحبات والمكروهات فلا خطر ولا إشكال في نقلها لأمور عدّة:

منها: التسامح في أدلة السنن، كرواية وهب بن وهب عن الصادق (ع)، فإنها الرواية الوحيدة التي وردت في الكتب الأربعة عن ابن أبي عمير عنه (وهب بن وهب)، رواها الشيخ: – عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن خالد البرقي عن ابن أبي عمير عن أبي البختري (وهب بن وهب) عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام أنه قال: مضت السُنّة أنه لا يستسقى إلا بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء ولا يستسقى في المساجد إلا بمكة. [1]

ومنها: تخريج التعارض فيها على كون الاستحباب والكراهة على مراتب. هذا التخريج يتم في المستحبات دون الواجبات، بالجمع بينها بان المستحب له مراتب كثيرة، اما في الواجبات فمرتبة واحدة، واجب أو حرام، وحينئذ لا مانع من نقل الرواية الضعيفة السند مع احتمال صدقها.

ومنها: خبر الواحد انما يكون حجة في خصوص ما من شأن الشارع أن يكون كذلك، أي في الشرعيات أو الموضوعات التي لها الاثر الشرعي، هذه الآثار سواء كانت عمل الجوانح أو الجوارح. لأن الشارع عندما يقول "صدّق العادل" فإن يقولها فيما هو شأنه كشارع، وليس بما هو كمؤرخ وعالم آثار [2] . خبر الواحد حجّة في الشرعيات، أما في الروايات المتعارضة في الأمور التاريخية، فاقدّم الثقة على غير الثقة لأنها موثوقة وتورث الوثاقة، وليس من باب كونها خبر واحد حجّة. الأمور التاريخية التي لا أثر شرعي لها، كما يخبر عن قصر غمدان في اليمن وروعته من ناحية البناء ان القصر من اربعة طبقات كل طبقة عبارة عن صخرة واحدة، وكل صخرة بلون. هنا حتى لو قلنا بحجيّة خبر الواحد الثقة لكنه لا يشمل هكذا خبر، لأنه ليس من شأن الشارع، إلا إذا وصل لدرجة الاطمئنان.

وأما في غيره فلا يكون معتبرا، ولذا لا ضير في نقله كما لو قيل أن عمر نبي الله نوح (ع) ألفان وأربعمائة سنة، فلا ضير في نقل ذلك من ابن ابي عمير او من غيره عن ثقة او ضعيف، كونه لا يستتبع عملا، فلا ينطبق عليه ادلة حجية الخبر.

وهذا التخصيص للقاعدة - في خصوص الإلزاميات وما من شأن الشارع - غير بعيد لأن الشيخ (ره) في العدّة كان في مقام ترجيح رواية على أخرى، وهذا يكون في باب التعارض.

ولذلك نقول: إن التخصيص أمر طبيعي في لغة العرب، بل في لغات الدنيا، بل في طبع البشر ولذلك قيل" ما من عام إلا وقد خصّ ". وقيل: " لكل قاعدة شواذ ". وهذا يعني أن الغالبية العظمى من القواعد والعمومات والاطلاقات لها استثناءات، وهذه الاستثناءات تكون لداع في المستثنى يكون سببا لخروجه عن العام وحكمه.

الاحتمال الرابع: الشيخ الطوسي (ره) هو الذي نقل الاجماع، ومن صفاته انه كان نشيطا ومفكرا دائما لذلك يختلف رأيه من كتاب إلى كتاب آخر، وهذا ليس مشكلة بل هو من شأن تطور العلوم. وهو يمتاز بامرين عند البحث عنه، اولا: كتابه في التهذيب كان عمره بالعشرينيات وفي كتاب العدّة كان في الثمانينات أي ان هناك فرق كبير في العمر وطبيعي ان يتطوّر. ثانيا: ان السيد الطوسي (ره) كان ينقل الاجماعات وينقضها باجماع آخر، الشهيد الثاني (ره)كما نقل في الحدائق، ان سبعين مسألة الشيخ الطوسي يروي فيها اجتماعات متعارضة. الشيخ له في الاجماع رأي خاص فيقول ان الاجماع من باب اللطف، ما معنى من باب اللطف؟ يعني إذا اتفق الناس في زمن واحد على رأي اصبح حجة. الشيخ الطوسي (ره) قد يرى من عشرين سنة ان الناس برأي وبعد اربعين سنة اصبحوا برأي آخر، فهو مجبر ان يقول انه هناك اجماعين. سنحاول ان نخرج من هذا التعارض في بعض إجاعات الشيخ والتي جعلها بعضهم تشنيعا عليه، والحق أنه ليس تشنيعا، بل هو أمر ممدوح فيه، وسنبيّن ذلك في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.


[2] الصادق (ع) له عدّة شخصيات كما ان للنبي (ص) عدّة شخصيات ذكرنا ذلك في اول درس، فهو رسول ونبي وحاكم، وعرف عام أي من العقلاء، وعرف خاص أي من أهل مكة، وشخص بشر، هذه كاها جهات في شخصية الرسل كذلك الائمة (ع) لهم عدة شخصيات فهو حاكم وعرف عام وعرف خاص وشخص مسؤول عن بيان الشريعة وغير ذلك. والسؤال: في أي شيء يجب اتباعه، بعد الفراغ عن جواز اتباعه بالمعنى الاعم؟.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo