< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

30/11/01

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: دلالة النَّهْي/البحوث اللُّغَوِيَّة الاكتشافية/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

وأمّا الجهة الثَّامنة: ففي البحث عن دلالة النَّهْي على الْمَوْلَوِيَّةِ أو الإِرْشَادِيَّة، وهو نظير البحث الحادي عشر المتقدّم، أي: بحث دلالة الأمر على الْمَوْلَوِيَّةِ أو الإِرْشَادِيَّة، فَكَمَا أَنَّ الأمر قد يكون مولويّاً وقد يكون إرشاديّاً (كما تقدّم فِي ذاك البحث) كذلك النَّهْي قد يكون مولويّاً وقد يكون إرشاديّاً:

فَالنَّهْيُ الْمَوْلَوِيُّ هو الَّذي يزجر فيه المولى المُكَلَّفَ عن فعلٍ مُعَيَّنٍ:

 فإن حرّمه عليه تحريما نفسيّاً كتحريم الكذب وشرب الخمر والغيبة وَالزِّنَا وَالرِّبَا ونحوها، حكم العقلُ حينئذٍ بلزوم طاعته وامتثاله وبقبح عصيانه وباستحقاق العقوبة على مخالفته وعصيانه.

 وَإِنْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ تَحْرِيماً غَيْرِيّاً (كتحريم مقدّمة الحرام بناءًا على أنَّها محرّمة، وكتحريم ضدّ الواجب بناءًا على أن الأمر بالشيء يقتضي النَّهْي عن ضِدّه كتحريم الصَّلاة الَّذي يقتضيه الأمر بتطهير المسجد) لم يكن له امتثال ولا عصيان ولا عقاب مستقلّ عقلاً.

 وإن لم يحرّمه عليه، بل زجره عنه زَجْراً غير إلزامي كما فِي المكروهات، حكم العقل حينئذٍ بحُسن امتثاله وباستحقاق الثَّواب عليه.

 ولا فرق فِي ذلك بين ما كان بصيغة النَّهْي أو بمادّته أو بالْجُمْلَة الْخَبَرِيَّة النافية الَّتي تستعمل فِي مقام النَّهْي أو بأيّ لفظ آخر دالّ على الزَّجْر وَالتَّحْرِيم.

وأمّا النَّهْي الإرشادي فهو الَّذي لا يزجر فيه المولى المُكَلَّفَ عن الفعل ولا يردعه عنه، وإنَّما يرشده إلى شيء مُعَيَّن ويخبره به، فلذا لا يحكم العقل حينئذٍ بشيء تجاه هذا النَّهْي؛ إذ لا زجر حقيقي فِي البين مِن قِبَلِ المولى، فلا امتثال ولا عصيان ولا ثواب ولا عقاب.

 والإرشاد (فِي النَّوَاهِي الإِرْشَادِيَّة) قد يكون إرشاداً إلى أمر عقلي وإخباراً به، كما فِي النَّهْي عن معصية الله تبارك وتعالى؛ فإِنَّهُ إرشاد إلى ما يحكم به العقل ويدركه من قبح عصيان المولى الحقيقي، وَقَدْ يَكُونُ إِرْشَاداً إلى أمر عُقَلاَئِيّ وَإِخْبَاراً به، كما فِي النَّهْي عن تصديق غير الثقة فِي إخباراته؛ فإِنَّهُ إرشاد إلى ما جرت عليه سيرة العقلاء من عدم تصديق غير الثقة.

 وَقَدْ يَكُونُ إِرْشَاداً إلى أمرٍ شرعي، وهو:

تارةً يكون عبارة عن ثبوت حكم شرعي كَالْمَانِعِيَّةِ الَّتي هي حكم شرعي وضعي، كما فِي النَّهْي عن الصَّلاة فيما لا يؤكل لحمه كجلد النِّمْر وجلد الأسد، وكما فِي النَّهْي عن القِران والجمع بين سورتين فِي الصَّلاة.

وأخرى يكون عبارة عن نفي حكم شرعي، كنفي الحجية الَّتي هي حكم شَرْعِيّ وَضْعِيّ كما فِي النَّهْي عن العمل بخبر الواحد؛ فإِنَّهُ إرشاد إلى عَدَمِ حُجِّيَّتِهِ، وكنفي الوجوب أو الاستحباب كما فِي النَّهْي عن صوم يوم عَاشُورَاء (بناءًا على كونه تَحْرِيمِيّاً أو كَرَاهَتِيّاً) فإِنَّهُ إرشاد إلى عدم وجوبه أو عدم استحبابه، وكنفي الجزئية أو الشَّرْطِيَّة أو الوصفية، كما فِي النَّهْي عن قراءة فاتحة الكتاب فِي صلاة الميِّت؛ فإِنَّهُ إرشاد إلى عدم شَرْطِيَّتِهِ لها، وكما فِي النَّهْي عن الإخفات فِي صلاة الجمعة مثلاً؛ فإِنَّهُ إرشاد إلى عدم كونه وصفاً للقراءة فيها.

 وَقَدْ يَكُونُ الإرشاد فِي النَّوَاهِي الإِرْشَادِيَّة إِرْشَاداً إلى أمرٍ تَكْوِينِيّ، كما فِي نهي الطَّبِيب المريضَ عن تناول بعض الأَطْعِمَة أو الأَشْرِبَة؛ فإِنَّهُ إرشاد إلى الضَّرَر الموجود فِي الطَّعَام أو الشَّرَاب.

 وَقَدْ يَكُونُ الكثير من النَّوَاهِي الواردة فِي الروايات عن أكل بعض الفواكه وغيرها مطلقاً أو فِي بعض الأوقات أو لبعض الأشخاص من هذا القبيل، أي: هي مثل نواهي الطَّبِيب وصادرة من المعصوم عَلَيْهِ السَّلاَمُ بوصفه عَالِماً بالطب أيضاً إذا لم تُحمل على النَّهْي الْمَوْلَوِيّ الْكَرَاهَتِيّ.

 وَكَيْفَ كَانَ، فَالنَّهْيُ إذن ينقسم إلى قِسْمَيْنِ: مولويّ وإرشاديّ.

 وفي كل الحالات (سواء الَّتي يكون النَّهْي فيها مولويّاً وَالَّتِي يكون النَّهْي فيها إرشاديّاً) يحتفظ النَّهْي بمدلوله التَّصوُّريّ الوضعيّ وهو الزَّجْر التَّكوينيّ عن الفعل، ويحتفظ أيضاً بمدلوله التَّصديقيّ الاستعمالي وهو قصد إخطار هذا المعنى الوضعيّ التَّصوُّريّ، أي: الزَّجْر التَّكوينيّ عن الفعل فِي ذهن السَّامِع؛ ولذا لا يكون النَّهْي الإرشادي مجازاً، وإنَّما يختلف مدلوله ومعناه التَّصديقيّ الْجِدِّيّ من موردٍ إلى آخر؛ ففي النَّوَاهِي الْمَوْلَوِيَّةِ يكون المدلول التَّصديقيّ الْجِدِّيّ (الَّذي يكشف عنه الظُّهُور الْحَالِيّ لِلْمُتِكَلِّمِ كَشْفاً تَصْدِيقِيّاً ويدلّ عليه) هو الزَّجْر التّشريعيّ عن الفعل، حيث يَدُلّ ظهور حاله على أن المراد النَّفْسِيّ والداعي الحقيقي لِلْمُتِكَلِّمِ وهدفه من إخطار صورة الزَّجْر التَّكوينيّ فِي ذهن السَّامِع عبارة عن ردعه تشريعاً عن الفعل، أمّا فِي النَّوَاهِي الإِرْشَادِيَّة فالمدلول التَّصديقي الْجِدِّيّ (الَّذي يكشف عنه الظُّهُور الْحَالِيّ لِلْمُتِكَلِّمِ كَشْفاً تَصْدِيقِيّاً ويدلّ عليه) ليس عبارة عن الزَّجْر بل هو عبارة عن الإرشاد إلى أمرٍ عقلي أو عُقَلاَئِيّ أو شَرْعِيّ أو تَكْوِينِيّ والإخبار به كما لاحظنا فِي الأمثلة المتقدّمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo