< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

30/11/08

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشَّرْطِ/البحوث اللُّغَوِيَّة الاكتشافية/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

 كانَ الكلامُ في التَّعْرِيف الَّذي ذكره المُحَقِّق الخُراسانيّ لِلْمَفْهُومِ، وقلنا: يرد على هذا التَّعْرِيف إشكالان، ذكرنا الإشكال الأوّل وذكرنا قسماً من الإشكال الثَّانِي، وإليك تتمته:

 وأمّا إن لم يكن استلزام إطلاق الْقَضِيَّة لمعنىَ كافياً فِي تسميته بـ«المفهوم»، فيرد عليه:

أوَّلاً: أن هذا خلاف ما صَرَّحَ رَحِمَهُ اللَهُ به فِي كلامه بقوله: «ولو بقرينة الحِكْمَة..». وثانياً: أَنَّهُ يلزم أَنْ لاَّ يَكُونَ التَّعْرِيف جامعاً؛ وذلك لما عرفتَ من النَّقض بمفهوم الشَّرْط بناءًا على أن الانحصار مستفاد من الإطلاق، لا من وضع الجملة الشَّرْطِيَّة أو أداة الشَّرْط، كما هو واضح.

 إذن، فهذا التَّعْرِيف أيضاً غير تامّ.

الرَّابع ما ذكره المُحَقِّق الإصفهاني رَحِمَهُ اللَهُ من أَنَّ الْمَفْهُومَ عبارة عن التَّابِع فِي فهمنا للَّفظ مع فرض كون حَيْثِيّة الفهم مأخوذة فِي المنطوق ومذكورة فِي الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيِّ.

توضيحه: أَنَّهُ لاَ إِشْكَالَ فِي أَنَّ المفروضَ فِي محلّ البحث هو أن المنطوق (الَّذي استفيد منه اللاَّزِم بالدِّلالة الاِلْتِزَامِيَّة) دالّ على نفس الملزوم (سواء كان الملزوم عبارة عن نفس المعنى الْمُطَابَقِيّ وكان اللاَّزِم لاَزِماً لنفس ذاك المعنى، أم كان الملزوم عبارة عن خُصُوصِيَّة المعنى وكان اللاَّزِم لاَزِماً لتلك الْخُصُوصِيَّةِ لا لنفس المعنى، وهو الَّذي قال عنه المُحَقِّق الخُراسانيّ رَحِمَهُ اللَهُ أَنَّهُ هو المفهوم)، وحينئِذٍ:

فتارة: يكون المنطوق (بالإضافة إلى دلالته على نفس الملزوم) دالاًّ على حَيْثِيّةِ فهم اللاَّزِم منه.

وأخرى: لا يَدُلّ عليها.

فعلى الأول: يكون اللاَّزِم هو الْمُسَمَّى اِصْطِلاَحاً بـ«المفهوم»، بخلافه على الثَّانِي، حيث لا يعتبر اللاَّزِم حينئذٍ من الْمَفَاهِيم. فمثلاً الأمر بالشيء يَدُلّ على وجوبه، وهذا الوجوب هو الملزوم ولازمه هو وجوب مقدّمة ذاك الشَّيْء، ولا يَدُلّ الأمر (إضافة إلى دلالته على الوجوب) على حَيْثِيّة فهم اللاَّزِم من ذاك الملزوم؛ فَإِنَّ حَيْثِيّة (الملازمة بين وجوب الشَّيْء ووجوب مقدّمته) لا تُفهم من المنطوق، بل لا بُدَّ من البرهنة عليها من الخارج، فلذا لا يعتبر مثل هذا اللاَّزِم من الْمَفَاهِيم، وأمّا الجملة الشَّرْطِيَّة مثلاً فالمفروض أنَّها تَدُلّ على ترتّب الجزاء على الشَّرْط، وهذا التَّرَتُّب كُلَّمَا كان على نحو الانحصار (ولو واقعاً وفي علم الله تعالى) يكون ملزوما ولازمه عبارة عن انتفاء الجزاء عند انتفاء الشَّرْط، وَالْمَفْرُوض أن الجملة الشَّرْطِيَّة (بالإضافة إلى دلالتها على التَّرَتُّب الَّذي هو الملزوم) تَدُلّ أيضاً على نفس الانحصار الَّذي هو عبارة عن حَيْثِيّة فهم اللاَّزِم من الملزوم، وهذا القسم هو الَّذي يُسمى بـ«المفهوم».

وفيه: ما أفاده سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رَحِمَهُ اللَهُ من أَنَّنَا لا نتعقّل معنى لحَيْثِيّة فهم اللاَّزِم سوى نفس برهان الملازمة ونكتتها، وهذا البرهان مشتمل فِي جميع الموارد على صغرى وكبرى؛ فكبرى الملازمة بين وجوب الشَّيْء ووجوب مقدّمته مثلاً مشتمل على صغرى، وهي أن الواجب متوقّف على هذا، وعلى كبرى، وهي أَنَّهُ كُلَّمَا يتوقَّف الواجب عليه فهو واجب.

 وبرهان الملازمة بين المنطوق والمفهوم فِي الجملة الشَّرْطِيَّة مثلاً مشتمل على صغرى وهي أن الجزاء مترتّب على المنطوق على الشَّرْط بنحو التَّرَتُّب العلي الانحصاري، وعلى كبرى وهي أن كل ما يترتَّب على شيء بنحو العلّة المنحصرة فهو ينتفي بانتفاء ذاك الشَّيْء، وهكذا فِي سائر موارد الملازمة بين الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيِّ والمدلول الالتزامي.

 وحينئِذٍ فإن أراد المُحَقِّق الإصفهاني رَحِمَهُ اللَهُ من أخذ حَيْثِيّةِ فهم اللاَّزِم فِي المنطوق أخذ الكبرى فِي المنطوق، لم يكن التَّعْرِيف الَّذي ذكره جامعاً؛ لأَنَّ كبرى الانتفاء عند الانتفاء غير مأخوذة فِي منطوق الجملة الشَّرْطِيَّة مثلاً.

 وإن أراد أخذ الصغرى فيه، لم يكن التَّعْرِيف مانعاً؛ إذ قد تؤخذ الصغرى فِي المنطوق، ومع ذلك لا يُسمى اللاَّزِم مفهوماً؛ وذلك كما إذا قال المولى: اِئتِ بما هو متوقّف على الوضوء؛ فَإِنَّ هذا الكلام مشتمل على صغرى توقّف الواجب على الوضوء، ومع ذلك لا يُسمى وجوب الوضوء الْمُسْتَفَاد من هذا الكلام بالملازمة مفهوماً فِي الاصطلاح.

 إذن، تحصَّل أن الوجوه المذكورة فِي مقام تعريف «المفهوم» وبيان النُّكتة الَّتي بها يُصبح الْمَدْلُول الالتزامي «مفهوماً» فِي المصطلح الأُصُولِيّ ويمتاز عن سائر المداليل الاِلْتِزَامِيَّة غير تامَّةٍ، فما هو الوجه الصَّحِيح؟ وما هو التَّعْرِيف المختار للمفهوم؟ وهذا ما سوف يأتي ذكره غداً إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo