< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

31/01/16

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشَّرْطِ/البحوث اللُّغَوِيَّة الاكتشافية/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

 كُنَّا نتحدث قبل العطلة فِي الْمَفَاهِيم، وقلنا فِي البداية قبل الدخول فِي صلب البحث عن الْمَفَاهِيم أَنَّنَا نواجه سؤالين لا بُدَّ من الإجابة عنهما:

 السُّؤَال الأوّل: ما هو تعريف الْمَفْهُوم؟ وهذا سؤال أجبنا عنه قبل العطلة، وتلخص من جميع ما ذكرناه بهذا الصدد أن الْمَفْهُوم فِي المصطلح الأُصُولِيّ عبارة عن الْمَدْلُول الاِلْتِزَامِيّ الْمُتَفَرّع على ربط خاصّ قائم بَيْنَ طَرَفَيِ الْكَلاَمِ. فإذا كان الكلام دالاًّ على ربط مُعَيَّن بين طرفيه، حينئذٍ ذاك الرَّبْط الخاصّ هو الَّذي لازمه ثبوت الْمَفْهُوم (أي: انْتِفَاء شيء عند انْتِفَاء شيء آخر). هذا هو التَّعْرِيف الصَّحِيح الَّذي انتهينا إليه بِالنِّسْبَةِ إليه. وبقيت الإجابة عن السُّؤَال الثَّانِي نذكرها فيما يلي:

وأمّا السُّؤَال الثَّانِي فهو عن ضَابِطِ الْمَفْهُومِ فِي هذه السِّلْسِلَة من البحوث المعروفة ببحوث الْمَفَاهِيم. فما هو ضَابِط دلالة الكلام على الْمَفْهُوم المبحوث عنه فِي المقام؟ فنحن بعد أن عرفنا تعريف الْمَفْهُوم والمقصود منه فِي المقام، نواجه سؤالا آخر حول المناط والمقياس لاقتناص الْمَفْهُوم، فما هو الضّابط والنُّكتة الَّتي لو ثبتت دلالة جملة من الجمل (شرْطِيَّة كانت أم غيرها) عليها دلت على الْمَفْهُوم؟ وما هو ذاك الرَّبْط الخاصّ القائم بَيْنَ طَرَفَيِ الْكَلاَمِ وَالَّذِي يكون الْمَفْهُوم مدلولاً اِلْتِزَامِيّاً مَتَفَرّعاً عليه؟ فبأيّ شكلٍ يجب أن تكون الجملة وعلى أيّ ربط يجب أن تَدُلّ، كي يكون لهذا الرَّبْط لازم يُسَمَّى بـ«الْمَفْهُوم»؟

وبعبارة أخرى: ما هو الضّابط الَّذي مِن هَمِّ القائلين بالمفهوم إثباته كي يثبت الْمَفْهُوم، ومن همِّ المنكرين للمفهوم نفيه كي ينتفي الْمَفْهُوم؟ فما هو ذاك الَّذي ينبغي جعله ضَابِطاً لاقتناص الْمَفْهُوم وينكره مُنكِر الْمَفْهُوم ويثبته مثبِت الْمَفْهُوم؟

 والمناسب بيان الضّابط مستقلاًّ ومع قطع النَّظَر عن عنوان خصوص مفهوم الشَّرْط أو غيره، إلاَّ أن المُحَقِّق الخُراسانيّ وتلميذه النائيني رحمهما الله ذكراه فِي خصوص عنوان مفهوم الشَّرْط، ويظهر الحال فِي سائر الْمَفَاهِيم بالقياس إليه، ونحن نقتفي أثرهما تسهيلاً لتناول ما نبيّنه بشأن كلامهما، فنقول ومن الله التوفيق:

 إن الأصحاب - رضوان الله عليهم - سلكوا فِي المقام مسلكين متعاكسين، فالرأي المشهور بينهم هو جعل الضّابط والمحور الَّذي يدور الْمَفْهُوم مداره وجوداً وعدماً عبارة عن أمرٍ، بعد تسليمهم بأمر آخر، ولكن المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ رَحِمَهُ اللَهُ جعل الضّابط والمحور الَّذي يدور الْمَفْهُوم مداره عبارة عن ذاك الأمر الَّذي اعتُبر مُسَلَّماً فِي الرَّأْي المشهور، بعد تسليمه بالأمر الَّذي اعتبره الرَّأْي المشهور مِحْوَراً للمفهوم.

فالضابط فِي اقتناص الْمَفْهُوم فِي الرَّأْي المشهور هو أن يكون الشَّرْط أو الوصف أو أي شيء آخر علّةً منحصرة للجزاء والحكم، فينتفي الجزاء والحكم بِانْتِفَائِهِ، ويثبت الْمَفْهُومُ بذلك، بَعْدَ الْفَرَاغِ وَالتَّسْلِيمِ بِأَنَّ مَا ربط بالشرط أو بالوصف أو بغيرهما وعُلِّق عليه عِبَارَةٌ عَنْ سِنْخِ الْحُكْمِ وَطَبِيعِيِّهِ لاَ شَخْصَهُ، بَعْدَ الْفَرَاغِ وَالتَّسْلِيمِ بِأَنَّ الشَّرْطَ أو الوصف أو غيرهما علّة منحصرة للجزاء والحكم، فهو رَحِمَهُ اللَهُ يَقُولُ: إِنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ جميع الجمل الَّتي اِخْتَلَفَ الأَصْحَابُ فِي دَلاَلَتِهَا عَلَى الْمَفْهُومِ تَدُلّ على ذاك الرَّبْط الخاصّ المستدعي لِلاِنْتِفَاءِ عِنْدَ الاِنْتِفَاءِ (أي: على الْعِلِّيَّة الاِنْحِصَارِيَّة مثلاً كما هو على الرَّأْي المشهور).

 فَلاَ خِلاَفَ بين المثبِتين لِلْمَفْهُومِ وَالنَّافِينَ له فِي هذه النُّقْطَة؛ وذلك بدليل اتفاقهم جميعاً عَلَى انْتِفَاءِ شَخْصِ الْحُكْمِ بِانْتِفَاءِ الْقَيْدِ (سَوَاءٌ كَانَ شرطاً أو وصفاً أو غيرهما).

 وإنَّما الاختلاف بينهم فِي انْتِفَاء طبيعي الحكم وسنخه عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقَيْدِ؛ فالمثبِتون لِلْمَفْهُومِ يدّعون الدِّلاَلَة عليه، والنافون له ينفونها، فلولا أن الجملة تَدُلّ عندهم جميعاً على هذا الرَّبْط الخاصّ الَّذي ذكرناه لَما تسالموا عَلَى انْتِفَاءِ شَخْصِ الْحُكْمِ بِانْتِفَاءِ الْقَيْدِ؛ فَإِنَّ الجملة الشَّرْطِيَّة مثلاً إذا لم تكن دالَّة عندهم جميعاً على أن الشَّرْط علّة منحصرة للجزاء، لَما اتفقوا عَلَى انْتِفَاءِ شَخْصِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْجَزَاءِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ؛ لوضوح أن الشَّرْط إذا لم يكن علّة منحصرة للجزاء، فهذا يعني أن هناك علّة أخرى أيضاً للجزاء غير الشَّرْط، فَكَمَا لا ينتفي طبيعي الحكم بانتفاء الشَّرْط، كذلك لا ينتفي شخص الحكم بِانْتِفَائِهِ؛ لقيام العلّة الأخرى مقام الشَّرْط، فلا بُدَّ من بقاءِ شخص الحكم، بينما تسالموا على انتفائه بانتفاء الشَّرْط، وهذا يعني تسالمهم على كون الشَّرْط علّة منحصرة للجزاء، وعلى هذا الأساس فالبحث فِي إثبات الْمَفْهُوم فِي مقابل المنكرين له ينحصر فِي رأي المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ رَحِمَهُ اللَهُ فِي مدى إمكان إثبات أن طرف الرَّبْط الخاصّ المذكور المتسالم عليه ليس هو شخص الحكم، بل سنخه وطبيعيه، ليكون هذا الرَّبْط مُسْتَدْعِياً لاِنْتِفَاءِ الطَّبِيعِيِّ بِانْتِفَاءِ الْقَيْدِ. هذا هو رأي المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ رَحِمَهُ اللَهُ.

 وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الضَّابِطَ فِي اقتناص الْمَفْهُوم عند كلا الطرفين (أي: عند الأصحاب وعند المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ رَحِمَهُ اللَهُ) فِي الحقيقة واحد مركب من أَمْرَيْنِ:

أحدهما: أن يكون الشَّرْط (أو أيّ شيء آخر يُفترض) علّة منحصرة لِما عُلِّق عليه، ورُبط به.

ثانيهما: أَنْ يَّكُونَ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ وَرُبِطَ بِهِ سنخ الحكم وطبيعيه لا شخصه.

 إلاَّ أن الرَّأْي المشهور قد جعل الثَّانِي مُسَلَّماً عِنْدَ الْجَمِيعِ حتّى عند مَن ينكر الْمَفْهُوم، وحَصَر النزاع الدائر بين مُثبِتي الْمَفْهُوم ومنكريه فِي الأمر الأوّل.

بينما المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ رَحِمَهُ اللَهُ قد جَعَل الأمر الأوّل مُسَلَّماً عِنْدَ الْجَمِيعِ حتّى عند مَن ينكر الْمَفْهُومَ، وَحَصَرَ النِّزَاعَ حول ثبوت الْمَفْهُوم وعدم ثبوته فِي الأمر الثَّانِي.

 وعلى كل حال فتارةً يقع الكلام فِي البحث فِي الرَّأْي المشهور بين الأصحاب، وأخرى فِي ما أفاده المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ رَحِمَهُ اللَهُ، فنقول:

أَمَّا الرَّأْيُ الْمَشْهُورُ الْقَائِلُ بِأَنَّ الضَّابِطَ فِي دَلاَلَةِ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ مثلاً على الْمَفْهُوم هو كون الشَّرْط علّةً منحصرة للجزاء، فهو يَنْحَلُّ فِي الحقيقةِ إلى اشتراط أمور ثلاثة أو أربعة لتحقّق الْمَفْهُوم:

 فَالْمُحَقَّقُ النائيني رَحِمَهُ اللَهُ ذكر شروطاً ثلاثة:

الأوّل: أن تكون الْقَضِيَّة لزوميّة لا اتفاقية، أي: أن يكون الرَّبْط المخصوص (بين الحكم وطرفه) الَّذي يستلزم الْمَفْهُوم وَالاِنْتِفَاءَ عِنْدَ الاِنْتِفَاءِ عِبَارَةٌ عَنِ الرَّبْطِ اللُّزُومِيِّ بينهما، لا الرَّبْط الاِتِّفَاقِيّ وَالصُّدَفِيّ؛ فَإِنَّ ربط شيء بشيء على نحو الصُّدفَة والاتفاق كما لو كان مجيء زيد مرتبطاً (صُدْفَةً وَّاتِّفَاقاً) بمجيء عمرو، لا يستلزم انْتِفَاء المرتبِط عند انْتِفَاء المرتبَط به كما هو واضح؛ ففي الْقَضِيَّة الشَّرْطِيَّة مثلاً إذا كان الجزاء مرتبطا بالشرط بنحو الصُّدفَة وَالاِتِّفَاقِ كما إذا قيل: «إن جاء عمرو جاء زيد، لا يثبت الْمَفْهُوم». إذن فَالشَّرْطُ الأوّلُ إِنَّمَا هو لإخراج الرَّبْط الاِتِّفَاقِيّ.

الثَّانِي: أن تكون الْقَضِيَّة اللزومية تَرَتُّبِيَّة، وبعبارة أخرى: أن يكون ذاك الرَّبْط اللُّزوميّ الَّذي ذكرناه فِي الشَّرْط الأوّلِ تَرَتُّبِيّاً (أي: يَكُونُ عِلِّيّاً)، وذلك بأن يكون الحكم مُتَرَتِّباً على طرفه ومعلولا له، ويكون الجزاء مثلاً فِي الْقَضِيَّة الشَّرْطِيَّة مُتَرَتِّباً على الشَّرْط ومعلولاً له، لا أن يكونا معلولين لشيء آخر؛ فَإِنَّ الرَّبْط اللُّزوميّ بين شَيْئَيْنِ قد يكون بنحو علية أحدهما للآخر، وَقَدْ يَكُونُ بنحو علية شيء آخر لهما معاً؛ ففي الْقَضِيَّة الشَّرْطِيَّة مثلاً إذا كان الجزاء مُرْتَبِطاً رَبْطاً لُزُومِيّاً بالشرط، لكن لم يكن الشَّرْط علّة للجزاء، بل كانا معاً معلولين لشيءٍ آخر، فإن مثل هذا الرَّبْط اللُّزوميّ لا يستلزم الْمَفْهُوم وانتفاء الجزاء عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ لإمكان أن يكون للجزاء علّة أخرى خاصّة به غير العلّة المشتركة بينه وبين الشَّرْط فانتفاء الشَّرْط وإن كان يعني انْتِفَاء علته الَّتي يشترك فيها الشَّرْط مع الجزاء لكن هذا لا يستلزم انْتِفَاء الجزاء لإمكان قيام تلك العلّة الأخرى الخاصّة بالجزاء مقام العلّة المشتركة كما هو واضح.

 إذن، فَالشَّرْطُ الثَّانِي إِنَّمَا هو لإخراج الرَّبْط اللُّزوميّ غير العلي.

الثَّالث: أن تكون الْقَضِيَّة اللُّزُومِيَّة التَّرَتُّبِيَّة اِنْحِصَارِيَّة. وبعبارة أخرى: أن يكون ذاك الرَّبْط اللُّزُومِيّ الْعِلِّيّ اِنْحِصَارِيّاً؛ وذلك بأن يكون الحكم مُتَرَتِّباً على طرفه وَمَعْلُولاً له بنحو الانحصار بحيث لا تكون هناك علّة أخرى له. فَالشَّرْطُ الثَّالث هو أن يكون طرف الحكم علّةً منحصرة له، ويكون الشَّرْط مثلاً فِي الْقَضِيَّة الشَّرْطِيَّة علّة منحصرة للجزاء، أمّا إذا لم يكن كذلكن بأن كانت هناك علّة أخرى أيضاً تقوم مقامه، فحينئذٍ لا يكون هذا الرَّبْط اللُّزُومِيّ الْعِلِّيّ مستلزما لِلْمَفْهُومِ وَانْتِفَاءِ الْجَزَاءِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ؛ لقيام العلّة الأخرى الْمَفْرُوضَة مقام الشَّرْط، فلا ينتفي الجزاء كما هو واضح.

 إذن، فَالشَّرْطُ الثَّالث إِنَّمَا هو لإخراج الرَّبْط اللُّزُومِيّ الْعِلِّيّ غَيْر الاِنْحِصَارِيِّ. هذا ما أفاده المُحَقِّق النائيني رَحِمَهُ اللَهُ.

أما المُحَقِّق الخُراسانيّ رَحِمَهُ اللَهُ فقد ذكر شروطاً أربعة:

الأوّل: أن تكون الْقَضِيَّة لزوميّة لا اتفاقية، كما تقدّم.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ اللُّزُومُ تَرَتُّبِيّاً، بِأَنْ يَّكُونَ الجزاءُ (مثلاً) مُتَرَتِّباً على الشَّرْط، لا أن يكونا فِي عَرض واحد، ولا أن يكون الشَّرْط مُتَرَتِّباً على الجزاء.

الثَّالث: أَنْ يَكُونَ التَّرَتُّب على نحو ترتّب المعلول على عِلَّتِه، كما يأتي شرحه.

الرَّابع: أَنْ تَكُونَ العلّة منحصرةً، كما تقدّم فِي الشَّرْط الثَّالث من شروط المُحَقِّق النائيني رَحِمَهُ اللَهُ.

 والعمدة عبارة عن الشَّرْط الأخير، وسائر الشروط فِي الحقيقة مقدّمة له.

 وَكَيْفَ كَانَ، فيرد على ما ذكره المُحَقِّق الخُراسانيّ أن الشروط الثَّلاثة الَّتي ذكرها المُحَقِّق النَّائِينِيّ رَحِمَهُ اللَهُ كافية فِي اقْتِنَاصِ الْمَفْهُومِ عَلَى الرَّأْيِ الْمَشْهُورِ.

 ويحتمل أن يريد رَحِمَهُ اللَهُ بالشرط الثَّالث (وهو كون التَّرَتُّب على نحو ترتّب المعلول على علته) أحد أمور ثلاثة، أو اثنين منها، أو كُلّهَا، وهي:

الأوّل: أن يريد بترتّب المعلول على علته ما يقابل التَّرَتُّب الزماني، أي: أن الشَّرْط الثَّالث إِنَّمَا ذكره لإخراج التَّرَتُّب الزماني؛ فَإِنَّ الأَمْرَيْنِ اللذين أحدهما متقدّم زماناً والآخر متأخر زماناً، يوجد بينهما ربط تَرَتُّبِيّاً، حيث أن المتأخر زمانا مترتّب على المتقدّم زماناً، لكن هذا التَّرَتُّب لا يُنتج الْمَفْهُوم وانتفاء المترتِّب عند انْتِفَاء المترتَّب عليه، بل لا بُدَّ من أن يكون الرَّبْط التَّرَتُّبِيّ بنحو تَرَتُّب الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ، ولا يُجدي أن يكون بنحو تَرَتُّب الْمُتَأَخِّرِ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ زَمَاناً.

الثَّانِي: أن يريد به ما يقابل التَّرَتُّب الطَّبْعِيّ وهو ترتّب الشَّيْء عَلَى جُزْءِ عِلَّتِهِ، أَيْ: أَنَّ الشَّرْطَ الثَّالث إِنَّمَا ذكره لإخراج فرض كون الشَّرْط مثلاً جزء العلّة للجزاء؛ فَإِنَّ الرَّبْط بينهما حينئذٍ وإن كان رَبْطاً لُزُومِيّاً، لٰكِنَّهُ ليس بنحو الرَّبْط اللُّزُومِيّ بين المعلول وعلته التَّامَّة، فَالشَّرْطُ الثَّالث يراد به كون الشَّرْط مثلاً علّةً تامَّة للجزاء.

الثَّالث: أن يريد به ما يقابل كون الجزاء مثلاً مَعْلُولاً لما يلازم الشَّرْط، بدعوى أن ما يكون متأخّراً عن شيء ومترتبا عليه فهو متأخر عمَّا فِي رتبة ذلك الشَّيْء، ومترتب عليه أيضاً؛ فَإِنَّ هذا الفرض لم يخرج بالشرط الثَّانِي، لانحفاظ التَّرَتُّب بين الشَّرْط والجزاء فِي هذا الفرض، فأخرجه بِهَذَا الشَّرْطِ؛ فَإِنَّ الجزاء إذا كان مَعْلُولاً لما يلازم الشرط، فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عِلَّتِهِ وَمُتَرَتِّبٌ عَلَيْهَا، وهو أيضاً متأخر عمَّا يلازمها (أَيْ: الشَّرْطَ) ومترتب عليه؛ لأَنَّ ما مع المتقدّم متقدّم، وما هو متأخر عن شيء متأخر أيضاً عمَّا معه وفي رتبته. فرغم أن التَّرَتُّب حينئذٍ بَيْنَ الْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ محفوظ وثابت، إلاَّ أَنَّهُ ليس بنحو تَرَتُّب الْمَعْلُولِ على علته، بل بنحو تَرَتُّب الْمَعْلُولِ على ملازم العلّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo