< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

31/01/23

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشَّرْطِ/البحوث اللُّغَوِيَّة الاكتشافية/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

 كانَ الكلامُ في الضّابط الَّذي ذكره الْمَشْهُور لإفادة الكلام المفهومَ المصطلح فِي الأصول، وكان هذا الضّابط يشترط عنصرين:

أحدهما: الرَّبْط اللُّزُومِيّ الْعِلِّيّ الاِنْحِصَارِيّ.

ثانيهما: كون المرتبط طَبِيعِيّ الحكم.

 فكنا نتحدث عن هذا الضّابط وقلنا إن استفادة الْمَفْهُوم من أي جملة من الجمل تارةً تكون استفادةً لِلْمَفْهُومِ على مستوى الدِّلاَلَة التَّصوُّريَّة للكلام، وأخرى يكون استفادةً لِلْمَفْهُومِ على مستوى الدِّلاَلَة التصديقية الجدّيَّة للكلام. فكيفية استفادة الْمَفْهُوم على نحوين. أما كيفيَّة استفادة الْمَفْهُوم من الْمَدْلُول فقلنا إن المعيار والميزان فِيها هو أن يكون الكلام دالاًّ بِالدِّلاَلَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ على ربط لازمه الاِنْتِفَاء عِنْدَ الاِنْتِفَاءِ. وقد حدّدنا هذا الرَّبْط بأَنَّهُ لَيْسَ إلاَّ عبارة عن الرَّبْط التَّوَقُّفِيّ الاِلْتِصَاقِيّ التَّعْلِيقِيّ، ومعنى ذلك إفادة الْمَفْهُوم وثبوته. أما إذا كانت الجملة دالَّة بِالدِّلاَلَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ على نوعٍ آخر من الرَّبْط وهو الرَّبْط الاِسْتِلْزَامِيّ الإِيجَادِيّ، فهذا لا يَسْتَلْزِم ثبوت الْمَفْهُوم وليس من لوازمه الاِنْتِفَاء عِنْدَ الاِنْتِفَاءِ.

وأمّا كيفيَّة استفادة الْمَفْهُوم من الْمَدْلُول التَّصديقيّ فيما إذا فرض أَنَّنَا لم نتمكن من استفادة المفهوم من الْمَدْلُول التَّصوُّريّ (كما لو فرض أَنَّنَا لم نقل بدلالة الجملة تصوُّراً عَلَى الرَّبْطِ التَّوَقُّفِيّ الاِلْتِصَاقِيّ التَّعْلِيقِيّ، بل قلنا بدلالتها تصوُّراً عَلَى الرَّبْطِ الاِسْتِلْزَامِيِّ الإِيجَادِيّ الَّذي لا يَسْتَلْزِم الْمَفْهُوم وَالاِنْتِفَاء عِنْدَ الاِنْتِفَاءِ كما تقدّم) فبأن يقال: إن الجملة وإن كانت لا تَدُلّ تصوُّراً إلاَّ على أَنَّ الشَّرْطَ سبب ومستلزِم لِلْجَزَاءِ، لٰكِنَّهَٰا تَدُلّ بِالدِّلاَلَةِ التَّصْدِيقِيَّةِ على أمر يبرهن على أَنَّ الشَّرْطَ سبب تامّ منحصر لِلْجَزَاءِ، أو جزء سبب تامّ منحصر لِلْجَزَاءِ. وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ الشرط إذا كان علّة تامَّةً منحصرة أو جزء علّة منحصرة لِلْجَزَاءِ كان لازمه انْتِفَاء الْجَزَاء عِنْدَ انْتِفَائِهِ، وبذلك يثبت الْمَفْهُوم ويبقى السُّؤَال عن ذاك الأمر الَّذي تَدُلّ الجملة عليه بِالدِّلاَلَةِ التَّصْدِيقِيَّةِ وَالَّذِي يبرهن على الْعِلِّيَّة الاِنْحِصَارِيَّة لِلشَّرْطِ بِالنِّسْبَةِ إلى الْجَزَاء، فما هو؟

والجواب: أَنَّهُ يختلف باختلاف التقريبات والمحاولات والوجوه المتعددة الهادفة لإِثْبَاتِ الْمَفْهُوم وَالَّتِي يَأْتِي الكلام عنها - إن شاء الله تعالى -، ولنذكر هنا على سبيل المثال وجهين وتقريبين:

أحدهما: الوجه والتَّقريب الَّذي يحاول إثبات الْمَفْهُوم عن طريق التَّمسُّك بالإطلاق الأحوالي لِلشَّرْطِ؛ فَإِنَّ الجملة وإن كانت لا تَدُلّ تصوُّراً إلاَّ على أَنَّ الشَّرْطَ سبب مؤثّر فِي إيجاد الْجَزَاء كما هو المفروض، إلاَّ أن مقتضى الإطلاق الأحوالي لِلشَّرْطِ هو أَنَّهُ سبب ومؤثّر مطلقاً وفي كل الأحوال سواء سبقه شيء آخر أم لا، وهذا الإطلاق ينتج أَنَّ الشَّرْطَ سبب منحصر لِلْجَزَاءِ؛ إذ لَوْ لَمْ يَكُنْ علّةً منحصرة بل كانت لِلْجَزَاءِ علّة أخرى غَيْر الشَّرْطِ، ففي حالة سبق تلك العلّة وتقدمها عَلَىٰ الشَّرْطِ تكون هي السَّبَب المؤثر فِي إيجاد الْجَزَاء دون الشرط، لاستحالة اجتماع عِلَّتَيْنِ تامتين على معلول واحد.

 وهذا خلاف الإِطْلاَق الأَحْوَالِيّ المذكور الَّذي يقتضي كَوْن الشَّرْط سبباً مؤثّراً فِي إيجاد الْجَزَاء حتّى فِي حالة عدم وجود شيء آخر.

 إذن، فمقتضى الإِطْلاَقِ الأَحْوَالِيِّ لِلشَّرْطِ هو كونه علّةً منحصرة لِلْجَزَاءِ، وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ لازم ذلك هو انْتِفَاء الْجَزَاء عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ، وهذا هو الْمَفْهُوم، وبما أن الْمَفْهُوم حينئذٍ منتَزع ومستفاد من الإِطْلاَق الأَحْوَالِيّ لِلشَّرْطِ، والإطلاق مدلول لقرينة الحِكْمَة، وقرينة الحِكْمَة ذات مدلول تصديقي دائماً ولا تساهم فِي تكوين الْمَدْلُول التَّصوُّريّ للكلام، إذن فالمفهوم مستفاد من الْمَدْلُول التَّصديقيّ.

ثانيهما: الوجه والتَّقريب الَّذي يحاول إثبات الْمَفْهُوم عن طريق التَّمسُّك بقانون «أن الواحد لا يصدر إلاَّ من واحد»؛ فَإِنَّ الجملة وإن كانت لا تَدُلّ تصوُّراً إلاَّ على أَنَّ الشَّرْطَ سبب مؤثر فِي إيجاد الْجَزَاء كما هو المفروض، إلاَّ أن مقتضى هذا القانون الْفَلْسَفِيّ العَقْلِيّ هو كَوْن الشَّرْط سبباً مُنْحَصِراً لِلْجَزَاءِ؛ إذ لَوْ لَمْ يَكُنْ كذلك، وكان هناك سبب آخر لِلْجَزَاءِ، لزم صدور الواحد (وهو الجزء) من اثنين، وهذا مستحيل.

 فالجزاء إذن لا يصدر إلاَّ مِنَ الشَّرْطِ، وهذا يعني انحصار الْجَزَاء بِالشَّرْطِ، فمع انْتِفَاء الشرط يَنْتَفِي الجزاء، وهذا هو الْمَفْهُوم.

 وبما أن الْمَفْهُوم حينئذٍ منتزَع ومستفاد من حكم العقل وتصديقه بالقانون المذكور، إذن فالمفهوم مستفاد من المدلول التَّصديقيّ.

 هذا ما ينبغي أن يقال فِي مقام التَّعْلِيق على الرُّكْن الأوّل من ركني الضّابط المذكور فِي الرَّأْي الْمَشْهُور، وحاصله أن استفادة الْمَفْهُوم على مستوى الْمَدْلُول التَّصوُّريّ ليست متوقّفة على الأُمُور الَّتي ذكروها (وهي اللُّزُوم والعلّيّة والانحصار) بل يكفي فيها إثبات كون الجملة موضوعة (بهيئتها أو بأداتها) لِلنِّسْبَةِ التَّوَقُّفِيَّة أو الاِلْتِصَاقِيَّة.

 وأمّا استفادة الْمَفْهُوم على مستوى الْمَدْلُول التَّصديقيّ فبأن تكون دالَّة مثلاً بِالدِّلاَلَةِ التَّصْدِيقِيَّةِ على أَنَّ الشَّرْطَ علّة منحصرة لِلْجَزَاءِ.

 وهنا تعليق للسَّيِّد الهاشمي حفظه الله يأتي غداً إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo