< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

31/01/30

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشَّرْطِ/البحوث اللُّغَوِيَّة الاكتشافية/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

 يوجد فِي المقام تعليق للسَّيِّد الهاشمي حفظه الله على كلام سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رضوان الله عليه، منقول تحت الخط، وهو فِي الواقع المقطع الثَّانِي من تعليقه، الَّذي سبق المقطع الأوّل من تعليقه فيما مضى(فِي نهاية النُّقْطَة الثَّانية)، ووعدنا بذكر المقطع الثَّانِي من تعليقه عندما يحين حينه وقد حان حينه، لنرد على كلامه بما يلي:

أوَّلاً: أن ما ذكره من نحوي ربط الْجَزَاء بِالشَّرْطِ إما أن يرجع بروحه إلى ما أفاده سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رَحِمَهُ اللَهُ من أن الرَّبْط بين الْجَزَاء والشرط يتصوّر على نحوين: أحدهما «الرَّبْط التَّوَقُّفِيّ» وثانيهما «الرَّبْط الاِسْتِلْزَامِيّ»، بحيث يرجع النَّحْو الأوّل الَّذي ذكره السَّيِّد الهاشميّ حفظه الله إلى الرَّبْط التَّوَقُّفِيّ، والنحو الثَّانِي إلى الرَّبْط الاِسْتِلْزَامِيّ، فيثبت الْمَفْهُوم فِي النَّحْو الأوّل دون الثَّانِي كما تقدّم.

 فلا يكون فِي كلام السَّيِّد الهاشميّ حينئذٍ شيء جديد زائداً على ما أفاده سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رَحِمَهُ اللَهُ، ولا يكون ما ذكره ضَابِطاً آخر لاقتناص الْمَفْهُوم ولا مطلباً جديدا لا بُدَّ من التوجه إليه، بل هو لَيْسَ إلاَّ تَغْيِيراً فِي التَّعْبِير، وإما أن لا يرجع كلامه بروحه إلى كلام سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رَحِمَهُ اللَهُ، فيرد عليه أن مجرّد كون الرَّبْط عارضاً على الْجَزَاء لا يُثبت الْمَفْهُوم؛ فَإِنَّ أصل الرَّبْط لا يكفي لاقتناص الْمَفْهُوم حتّى وإن كان طَبِيعِيّ الحكم المذكور فِي الْجَزَاءِ هو الْمَوْضُوع حقيقةً ولُبّاً وكان محموله عبارة عن ربطه بِالشَّرْطِ، بحيث يكون قولنا: «إن جاء زيد فأكرمه» بمثابة قولنا: «طَبِيعِيّ وجوب إكرام زيد مربوط بمجيئه» كما افترض السَّيِّد الهاشميّ فِي النَّحْو الأوّل من نحوي الرَّبْط الَّذين ذكرهما؛ فإِنَّهُ مع ذلك لا يَتُِمّ الْمَفْهُوم؛ وذلك لأَنَّ مجرّد كون الطَّبِيعَة مَوْضُوعاً فِي الْقَضِيَّة لا يكفي لصيرورة الإِطْلاَق فِي الْمَوْضُوع اِنْحِلاَلِيّاً (خلافاً لما هو الظَّاهِر من كلام السيد الهاشمي)، بل لا بُدَّ من النَّظَر إلى محمول هذه الطَّبِيعَة كما أفاد سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رَحِمَهُ اللَهُ، فقد يكون المحمول عليها من قبيل الأمر، فَيَكُونُ حمله عليها مقتضياً لتأثيره فِي أحد أفراد الطَّبِيعَة لا جميعها، فلا يكون الإِطْلاَق اِنْحِلاَلِيّاً كما تقدّم.

 وَقَدْ يَكُونُ المحمول من قبيل النَّهْي، فَيَكُونُ حمله عليها مقتضياً لتأثيره فِي جميع أفراد الطَّبِيعَة، فَيَكُونُ الإِطْلاَق اِنْحِلاَلِيّاً كما تقدّم أيضاً.

 وعليه، ففي المقام مجرّد افتراض أن طَبِيعِيّ الحكم هو الْمَوْضُوع، لا يكفي لإِثْبَاتِ الْمَفْهُوم ما دام المحمول عبارة عن أصل الرَّبْط (كما افترض السيد الهاشمي)؛ فَإِنَّ أصل الرَّبْط لَيْسَ من سنخ المحمولات الَّتي يقتضي حملها على الطَّبِيعَة التَّأثير فِي جميع أفراد الطَّبِيعَة كي يصبح الإِطْلاَق اِنْحِلاَلِيّاً؛ لأَنَّ الرَّبْط كما تقدّم على نحوين، فقد يكون الرَّبْط اِسْتِلْزَامِيّاً إِيجَادِيّاً، وهو مِمَّا لا يقتضي حمله على الطَّبِيعَة التَّأثير فِي جميع أفرادها؛ إذ لا يكون حينئذٍ معنى قولنا: «إن جاء زيد فأكرمه»، عبارة عن أن طَبِيعِيّ وُجُوب الإِكْرَامِ يستلزمه ويوجده المجيء. وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ هذا المحمول (وهو الإيجاد) سنخ محمول يقتضي التَّأثير فِي أحد أفراد طَبِيعِيّ الحكم، فهو نظير الأمر؛ لأَنَّ إيجاد الطَّبِيعِيّ يتحقّق بإيجاد فرد واحد من أفراده، فلا تَدُلّ الجملة حينئذٍ على الْمَفْهُوم وانتفاء جميع أفراد طَبِيعِيّ الحكم عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ؛ لأَنَّ كون المجيء مُوجِداً لطبيعيّ وُجُوب الإِكْرَامِ لا يتنافى مع كون شيء آخر أيضاً مُوجِداً لطبيعيّ وُجُوب الإِكْرَامِ؛ إذ يكفي فِي إيجاد الطَّبِيعِيّ إيجاد فرد واحد من أفراده، فَكَمَا أَنَّ المجيء يوجد طَبِيعِيّ الحكم من خلال إيجاد أحد أفراده، كذلك قد يكون شيء آخر أيضاً مُوجِداً لطبيعي الحكم من خلال إيجاد فرد آخر من أفراده، فلا تَدُلّ الجملة على أَنَّهُ عند انْتِفَاء المجيء تنتفي كل أفراد طَبِيعِيّ الحكم، وَقَدْ يَكُونُ الرَّبْط تَوَقُّفِيّاً، وهو مِمَّا يقتضي حمله على الطَّبِيعَة التَّأثير فِي جميع أفرادها؛ إذ يرجع حينئذٍ قولنا: «إن جاء زيد فأكرمه»، إلى قولنا: «طَبِيعِيّ وُجُوب الإِكْرَامِ متوقّف على المجيء»، وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ هذا المحمول (وهو التَّوَقُّف) سنخ محمول يقتضي التَّأثير فِي جميع أفراد الطَّبِيعَة، فهو نظير النَّهْي، لأَنَّهُ يقتضي انعدام الطَّبِيعِيّ عند انعدام الشرط وهو المجيء؛ فَإِنَّ هذا هو معنى توقّف الطَّبِيعِيّ عليه، فَتَدُلُّ الجملة على الْمَفْهُوم وانتفاء جميع أفراد طَبِيعِيّ الحكم عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ ما أفاده السيد الهاشمي من أن مجرّد كون الرَّبْط عارضاً على الْجَزَاء، وكون طَبِيعِيّ الحكم مَوْضُوعاً فِي الْقَضِيَّة بحسب اللب والحقيقة يكفي لإِثْبَاتِ الْمَفْهُوم وصيرورة الإِطْلاَق فِي طرف الْمَوْضُوع اِنْحِلاَلِيّاً غير تامّ، لما عرفت من أَنَّهُ لا بُدَّ من افتراض كون المحمول على هذا الْمَوْضُوع عبارة عن نوع خاصّ من الرَّبْط وهو ذاك النَّحْو من الرَّبْط الَّذي يَسْتَلْزِم الاِنْتِفَاء عِنْدَ الاِنْتِفَاءِ، أي: الرَّبْط التَّوَقُّفِيّ، أي: لا بُدَّ من أن يكون خصوص الرَّبْط التَّوَقُّفِيّ عارضاً على الْجَزَاء، دون مطلق الرَّبْط، وهذا هو ما أفاده سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رَحِمَهُ اللَهُ بالضَّبط.

 إذن، ففي النَّحْو الأوّل من النحوين المذكورين فِي كلام السيد الهاشمي لا يتحقّق ما يتوخّاه السيد الهاشمي من ثبوت الْمَفْهُوم إلاَّ بالرجوع إلى ما أفاده سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رَحِمَهُ اللَهُ.

 كما أَنَّهُ فِي النَّحْو الثَّانِي أيضاً لا يتحقّق ما يتوخاه من عدم ثبوت الْمَفْهُوم إلاَّ بالرجوع إلى ما أفاده سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رَحِمَهُ اللَهُ؛ لأَنَّ المفروض عند السيد الهاشمي فِي النَّحْو الثَّانِي هو جعل الْمَوْضُوع عبارة عن جملة الشرط، وجعل المحمول عبارة عن جملة الْجَزَاء وجعل الرَّبْط عبارة عن نسبة بينهما.

 ومن الواضح أَنَّنَا حتّى لو تعقلنا هذا النَّحْو وتصورناه بحيث يكون مفاد قولنا: «إن جاء زيد فأكرمه»، عبارة عن الرَّبْط وَالنِّسْبَة بين مجيء زيد وبين طَبِيعِيّ الحكم بوجوب الإكرام؛ فَإِنَّ هذا لا يعني عدم إمكان إثبات الْمَفْهُوم، إلاَّ إذا افترضنا أن هذا الرَّبْط ربط إيجادي وأن هذه النِّسْبَة نسبة اِسْتِلْزَامِيَّة وهذا هو ما أفاده سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رَحِمَهُ اللَهُ بالضَّبط، وإلا فإن مجرّد جعل الشرط (أي: المجيء) هو الْمَوْضُوع، وجعل طَبِيعِيّ الحكم فِي الْجَزَاءِ هو المحمول لا ينفي الْمَفْهُوم ما دام نفترض أن الرَّبْط بينهما ربط توقفي وأن النِّسْبَة الثَّابِتَة بينهما نسبة تعليقية التصاقية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo