< فهرست دروس

الاستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

31/06/17

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه الخامس: هل القيد المذكور بغير لسان الشرط له مفهوم؟

كان الكلام في الفرق بين ما إذا ورد القيد على الحكم بلسان الشرط، كقوله: «إن زالت الشمس فصل» وبينما إذا ورد القيد على الحكم بغير لسان الشرط، كقوله: «صل عند الزوال». فما هو الفرق بين هاتين الجملتين؟ الفرق الذي أدى إلى ثبوت المفهوم للأولى وعدمه للثانية. قلنا: يوجد فرقان بينهما، وقد ذكرنا قسماً من الفرق الأول بالأمس، وهو أن الركن الثاني من ركني المفهوم تام في الجملة الأولى وغير تام في الجملة الثانية؛ فإن الركن الثاني كان عبارة من أن المقيد بالشرط أو المعلق على الشرط هو طبيعي الحكم. وتمامية هذا الركن متوقفة على أن تكون النسبة التقييدية الثابتة بين الحكم والقيد نسبة تامةً، لا نسبة ناقصة. ومن هنا تختلف هاتان الجملتان. فإن النسبة التقييدية في الجملة الأولى تامة كما شرحنا بالأمس.

أما إذا لاحظنا الجملة الثانية - أي: قوله «صلّ عند الزوال» - لرأينا أن النسبة التقييدية الثابتة بين الحكم والقيد - أي: بين وجوب الصلاة والزوال - نسبة ناقصة؛ إذ أن موطنها الأصلي هو الخارج؛ لأنها نسبة قائمة في الخارج بين «الوجوب» و«الزوال»، وكل نسبة كان موطنها الأصلي هو الخارج فهي ناقصة - كما تقدم أيضاً في بحث معاني الحروف والهيئات - وحينئذ فيستحيل أن يكون المدلول التصديقي للكلام بإزائها؛ إذ معناه كون الكلام ناقصاً لا يصحّ السكوت عليه، بينما هو كلام تامّ. فيتعيّن أن يكون المدلول التصديقي للكلام بإزاء مفاد قوله «صل» الدالّ على نسبة تامّة إرسالية، ومعه لا يمكن جريان مقدمات الحكمة في هذا المفاد لإثبات أن المقيّد بالزوال هو طبيعي الحكم والوجوب لا شخصه؛ لأن المدلول التصديقي شخصي دائماً كما ذكرنا ذلك مراراً؛ إذ هو عبارة عمّا في نفس المتكلّم، وهو شخصي كما هو واضح. فيكون مفاد الكلام عبارة عن وجوبٍ شخصي للصلاة مقيّدٍ بالزوال، ومع كون المفاد شخصياً لا كلّياً يكف يجري الإطلاق فيه؟ ومع عدم جريان الإطلاق لا يتمّ الركن الثاني لإثبات المفهوم، وبالتالي فلا يثبت المفهوم. هذا هو الفرق الأول بين الجملة التي يُبيّن القيد فيها بلسان الشرط والجملة التي يبيّن فيها نفس القيد لكن بغير لسان الشرط، الآمر الذي أدّى إلى ثبوت المفهوم للأولى دون الثانية.

وما قلناه في هذا التخريج الأوّل للفرق بين الجملتين نكتة عامّة وقاعدة سارية في كل القيود وفي جميع المفاهيم وليست مختصّة بالقيد الشرطي وبمفهوم الشرط. فكلما كانت النسبة بين الحكم والقيد نسبة تامةً يثبت الركن الثاني للمفهوم، وبالتالي فيثبت المفهوم إذا تمّ ركنه الآخر، ولكما لم تكن النسبة بين الحكم والقيد نسبةًَ تامة، بل كانت ناقصة، فلا يثبت الركن الثاني للمفهوم، وبالتالي فلا يثبت المفهوم.

وبعبارة أخرى: لكما كان تقييد الحكم بالقيد من خلال نسبة تامّة كما في الجملة الأولى الشرطية حيث أن الحكم في الجزاء قد قُيِّد بالشرط من خلال النسبة التامة التي تدل عليها هيئة جملة الشرط مثل قوله: «إن زالت الشمس فصلّ» حيث قُيّد وجوب الصلاة بالزوال من خلال النسبة التامة التي تدل عليها هيئة الجملة التامة وهي جملة «زالت الشمس»، فحينئذ يثبت الركن الثاني للمفهوم ويجري الإطلاق في الحكم ليثبت تقيّد سنخ الحكم وطبيعته بالقيد، وكلما كان تقييد الحكم بالقيد من خلال نسبة ناقصة كما في الجملة الثانية - أي قوله: «صلّ عند الزوال» - حيث قُيد وجوب الصلاة بالزوال من خلال نسبة ناقصة تدل عليها هيئة الجملة الناقصة وهي جملة المضاف والمضاف إليه، أي: «عند الزوال»؛ فإن «عند» ظرف وناقص وبحاجة إلى مكمّل، فحيث أن هذه النسبة الناقصة مندكّة في النسبة التامة التي تدل عليها هيئة «صل» وليست في عرضها، فهي محصّصة لتلك النسبة التامة، فليس للعندية وجود مستقل عن النسبة التامّة التي قُيدت بها، كي نقول: إننا نشك في أن النسبة التامة المقيَّدة بها هل هي بوجودها الشخصي مقيدة بالعندية أم بوجودها النوعي الطبيعي؟ ومقتضى الإطلاق هو الثاني، كي يثبت المفهوم، بل توجد نسبة تامة محصَّصة؛ فإن قوله: «صلّ عند الزوال» يدل بمجموعه على نسبة تامة واحدة وهي حصة خاصة من وجوب الصلاة، والإطلاق لا يجري في الحصة الخاصة، فلا يثبت تقيّد سنخ الوجوب وطبيعيه بالقيد، فلا يثبت المفهوم.

وقد يقال: إن تقييد الحكم بالقيد في الجملة الثانية - أي: في مثله قوله: «صلّ عند الزوال» - إنما هو من خلال نسبة تامة لا ناقصة، وذلك بناءاً على ما ذكرتموه من ضابط النسبة التامة والنسبة الناقصة، حيث قلتم: إن النسبة التامة هي التي يكون موطنها الأصلي هو الذهن، والنسبة الناقصة هي التي يكون موطنها الأصلي هو الخارج، فإنه بناءً على هذا الضابط تكون النسبة التقييدية الثابتة في هذه الجملة بين وجوب الصلاة وبين الزوال نسبة تامة؛ لآن موطنها الأصلي هو الذهن؛ لأحد أحد طرفيها - وهو الوجوب - ذهني؛ فإن الوجوب من موجودات عالم النفس والذهن. وعليه فليست التمامية التي نفهمها من قوله: صل عند الزوال من شؤون هيئة «صل»، بل هي من شؤون هيئة الجملة بكاملها الدالة على الربط بين مفاد «صل» ومفاد «عند الزوال». أي: على أن الوجوب مرتبط بالزوال، وإذا كانت الجملة دالة على ربط الوجوب بالزوال لا على حصة خاصة من الوجوب متقيدة ومرتبطة بالزوال، فتكون كالجملة الشرطية الدالة على ربط الجزاء بالشرط، فكما نثبت هناك بالإطلاق كون المرتبط بالشرط طبيعي الوجوب، كذلك نثبت هنا بالإطلاق كون المرتبط بالزوال طبيعي الوجوب، فيثبت الركن الثاني للمفهوم هنا أيضاً. إلا أن هذا الكلام غير صحيح وسيأتي شرحه غداً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo