< فهرست دروس

الاستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

31/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه الخامس: هل القيد المذكور بغير لسان الشرط له مفهوم؟

الإجابة: الإشكال الذي طرحناه بالأمس الجواب عليه هو أن تقييد الحكم بالقيد في مثل قوله: «صلّ عند الزوال» إنما هو من خلال نسبة ناقصة لا تامّة، وذلك طبقاً لما ذكرناه من ضابط النسبة التامة والنسبة الناقصة، وذلك لآن النسبة التقييدية الثابتة في هذه الجملة بين وجوب الصلاة وبين الزوال نسبة ناقصة؛ لآن موطنها الأصلي هو الخارج؛ إذ لا نقصد بـ «الخارج» العالم الخارج عن النفس والذهن، بل نقصد به العالم الخارج عن الذهن خاصة، سواء كان عالم النفس أم كان العالم الخارج عن النفس، فكل ما هو خارج عن عالم الذهن والمفاهيم الذهنية نعدُّه من العالم الخارج وإن كان من موجودات عالم النفس، فإن عالم النفس أيضاً خارج عن عالم الذهن والمفاهيم الذهنية.

توضيح ذلك: إن لكل كلامٍ مدلول بالذات ومدلولاً بالعرض، فأما المدلول بالذات فهو المفهوم الذهني الذي يخطر في الذهن عند سماع اللفظ، وهذا هو المدلول التصوري للكلام. وأما المدلول بالعرض فهو عبارة عن مصداق المدلول بالذات. أي: مصداق ذاك المفهوم الذهني. وهذا المصداق خارج عن عالم الذهن والمفاهيم الذهنية، وليس معنى ذلك بالضرورة أن يكون هذا المصداق موجوداً في خارج النفس، بل قد يكون كذلك، وقد يكون من الموجودات في داخل النفس. فمثلاً كلمة «عالم» مدلولها بالذات هو مفهوم العالم، ومدلولها بالعَرَض هو مصداق العالم، وهذا المصداق موطنه خارج النفس، لكن كلمة «لحاظ» مدلولها بالذات هو مفهوم اللحاظ، ومدلولها بالعرض هو واقع اللحاظ ومصداقه وهذا المصداق موطنه داخل النفس، لكنه خارج عن عالم الذهن والمفاهيم الذهنية.

فإذا اتضح المقصود من عالم الذهن وعالم الخارج، نقول: إن النسبة تارةً تكون بين المدلولين بالعرض، أي: بين مصداقي المفهومين، من قبيل نسبة الظرفية التي يدل عليها قول القائل: الماء في الإناء؛ فإن هذه النسبة ليست قائمة بين مفهوم الماء ومفهوم الإناء، بل هي قائمة بين المصداقين الخارجين عن الذهن والنفس وهما مصداق الماء ومصداق الإناء كما هو واضح، فيكون موطنها الأصلي هو خارج الذهن وخارج النفس، فتكون نسبةً ناقصة كما برهنّا على ذلك في بحث معاني الحروف والهيئات. وأخرى تكون النسبة بين المدلولين بالذات، أي: بين نفس المفهومين من قبيل النسبة التصادقية التي يدل عليها قول القائل: «الماء بارد»؛ فإن مفاد هذا الكلام كما تقدّم في بحث معاني الحروف والهيئات عبارة عن النسبة التصادقية. بمعنى أن ما يصدق عليه مفهوم الماء هو عين ما يصدق عليه مفهوم البارد، ومن الواضح أن النسبة التصادقية نسبة قائمة بين المفهومين في عالم الذهن لا بين المصداقين؛ لأن الذي يصدق إنما هو المفهوم لا المصداق؛ فإن الصدق من شؤون المفاهيم، وعليه فيكون الموطن الأصلي لهذه النسبة هو الذهن، فتكون نسبة تامة طبقاً للضابط الذي ذكرناه للنسبة التامة؛ فهي نسبة ذهنية لا خارجية؛ إذ لا نسبة في الخارج بين «الماء» و«البارد»، لتقوم النسبة بطرفين، ولا يوجد طرفان في الخارج أحدهما «الماء» والآخر «البارد» كي تقوم بينهما نسبة خارجية، بل هناك وجود واحد خارجي يصدق عليه مفهومان، نعم هناك في الخارج طرفان أحدهما «الماء» والآخر «البرودة» فلذا تكون هناك نسبة خارجية بين الماء والبرودة، لا بين الماء والبارد، ومن هنا يكون قولنا: «برودة الماء» دالاً على نسبة ناقصة؛ لأنها نسبة خارجية باعتبار أن موطنها الأصلي هو الخارج. أما قولنا: «الماء بارد» فهو دال على نسبة تامة، لأنها نسبة ذهنية باعتبار أن موطنها الأصلي هو الذهن.

فإذا اتضح ما ذكرناه نأتي إلى محل الكلام، أي: إلى النسبة التقييدة الثابتة في قوله: «صلّ عند الزوال» بين الوجوب والزوال، فنقول: إن هذه النسبة نسبة ناقصة؛ لآن موطنها الأصلي هو العالم الخارج عن عالم الذهن والمفاهيم الذهنية؛ فإن الوجوب وإن كان من موجودات عالم النفس، لكنك عرفت أن عالم النفس أيضاً خارج عن عالم الذهن والمفاهيم الذهنية، فالجملة المذكورة تدلعلى نسبة بين واقع الوجوب ومصداقه وبين وافع الزوال ومصداقه، لا بين مفهوم الوجوب ومفهوم الزوال، ومن الواضح أن واقع الوجوب ومصداقه وكذلك واقع الزوال ومصداقه يُعتبران من موجودات العالم الخارج عن الذهن والمفاهيم الذهنية، فإذا كان الموطن الأصلي لهذه النسبة هو الخارج، إذاً فهي نسبة ناقصة طبقاً للضابط الذي ذكرناه للنسبة الناقصة.

وعليه، فالتمامية التي نفهمها من قوله: «صلّ عند الزوال» إنما هي من شؤون هيئة «صل»، فلا تدل الجملة إذاً على ربط الوجوب بالزوال، بل تدل على حصة خاصة من الوجوب وهي الحصة المتقيّدة بالزوال، ومن الواضح أنه لا يجري الإطلاق في الحصة، وبالتالي فلا يثبت تقيد سنخ الوجوب وطبيعيه بالزوال كي يثبت المفهوم، بل تدل الجملة على تقيّد هذه الحصة من الوجوب بالزوال، وبانتفاء الزوال تنتفي هذه الحصة وهذا لا ينافي ثبوت حصة أخرى من الوجوب للصلاة رغم انتفاء الزوال.

وهذا بخلاف النسبة التقييدية الثابتة بين الحكم والقيد في الجملة الشرطية - مثل قوله: «إن زالت الشمس فصلّ» - فإنها نسبة تامة موطنها الأصلي هو الذهن، وذلك أما كونها تامة فبدليل إمكان ورود النفي عليها بحيث يكون النفي منصبّاً على مفاد الجملة الشرطية بكاملها، لا على مفاد الجزاء خاصة، وذلك بأن يقال: «ليس إذا زالت الشمس وجبت الصلاة». وكل نسبة يمكن أن يطرأ عليها النفي يمكن أن يطرأ عليها الإثبات؛ لأن النفي والإثبات يردان على مورد واحد. إذاً فهذه النسبة يمكن أن تكون ذات مدلول تصديقي وأن يطرأ عليها التصديق بالنفي أو بالإثبات. وحينئذ تكون نسبة تامّة؛ لأن النسبة الناقصة يستحيل أن تكون ذات مدلول تصديقي كما هو واضح. وأما أن موطنها الأصلي هو الذهن لا الخارج؛ فلأن المدلول التصديقي المراد الجدي الواقع بإزاء هذه النسبة ليس هو الربط الواقعي الخارجي بين الجزاء والشرط، كي يتوهم أن موطنها الأصلي هو الخارج، فإن مفاد الجملة الشرطية ليس هو الربط الخارجي، كما أنه ليس مفاد الجملة الحملية أيضاً - مثل قولنا: «الماء بارد» - عبارة عن الربط الخارجي بين الموضوع والمحمول - كما تقدم - بل مفاد كلتا الجملتين عبارة عن النسبة التصادقية، ففي القضية الحملية يقصد المتكلم بيان أن ما يصدق عليه الموضوع يصدق عليه المحمول، وفي القضية الشرطية يقصد بيان أنه كلما صدقت النسبة في طرف الشرط صدقت النسبة في طرف الجزاء، وبعبارة أخرى يقصد بيان أن صدق النسبة في طرف الجزاء يتوقف على صدق النسبة في طرف الشرط، ومن الواضح أن الصدق إنما هو من شؤون النسبة في عالم الذهن، حيث أن الصدق من شؤون المفاهيم الذهنية، وإلا ففي خارج الذهن لا تتصف النسبة بالصدق أو الكذب، وإنما تتصف بالوجود أو العدم.

وبالجملة فالمقصود بيانه في القضية الحملية هو تصادق المفهومين في عالم الذهن، والمقصود بيانه في القضية الشرطية ه و تصادق النسبتين في عالم الذهن، فالموطن الأصلي للنسبة التي تدل عليها القضية الشرطية هو الذهن، كما أن الموطن الأصلي للنسبة التي تدل عليها القضية الحملية أيضاً هو الذهن.

هذا كله في الفرق الأول بين الجملتين، أي: الجملة التي يُبيّن فيها القيد بلسان الشرط، والجملة التي يُبيَّن فيها نفس القيد بغير لسان الشرط.

الفرق الثاني: هو أن الركن الأول من ركني المفهوم تام في الأولى دون الثانية.

توضيح ذلك هو أن الركن الأول لثبوت المفهوم كان عبارة عن دلالة الجملة على توقف الحكم على القيد، وهذا الركن متوفر في الجملة الأولى الشرطية باعتبار أن أداة الشرط دالة وجداناً على توقف الجزاء على الشرط - كما تقدم - بينما هو غير متوفّر في الجملة الثانية لعدم بيان القيد فيها بلسان الشرط؛ فلا وجدان يقضي هنا بالدلالة على التوقف؛ لأن التقييد بكلمة «عند» لا يدل على التوقف والتعليق، كي يدل على انتفاء الحكم عند انتفاء القيد، بل يدل على التحصيص فحسب، وتدل الجملة بكاملها على حصة خاصة من الوجوب لا على توقف الوجوب على شيء؛ فلم يتمّ ضابط المفهوم.

وبهذا كله يصبح من الواضح تخريج عدم ثبوت المفهوم للقيد المذكور بغير لسان الشرط.

هذا تمام الكلام في التنبيه الخامس.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo