< فهرست دروس

الاستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

31/10/17

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه السادس: هل تدل أسماء الشرط كحروفه على المفهوم؟

التنبيه السادس

هل أن أسماء الشرط كحروفه تدل على المفهوم؟

إن أداة الشرط تارةً تكون حرفاً متمحّضاً في النسبة وربط جملة الجزاء بجملة الشرط، مثل «إن»، وهذا القسم لا إشكال في ثبوت المفهوم له كما تقدم. وأخرى تكون اسماً وتقع بنفسها موضوعاً للحكم في الجزاء وبموجبها تصبح القضية كأنها متوسطة بين الشرطية والوصفية، مثل: «مَن» و«ما». كما إذا قال: «مَن عامل الناس فلم يظلمهم وواعدهم فلم يُخلفهم حرمت غيبته». أو قال: «ما أسكر كثيره فقليله حرام»؛ فإن كلمة «مَن» في الجملة الأولى وكلمة «ما» في الثانية رغم كونهما من أدوات الشرط قد رجع إليهما الضمير الموجود في جملة الجزاء، فهل يدل هذا القسم أيضاً على المفهوم؟

الصحيح أنه لا يدل على المفهوم؛ لأن الاسم ليس متمحضاً في ربط الجزاء بالشرط، بل هو بنفسه مرتبط بالجزاء وإليه يرجع الضمير الموجود في الجزاء، فهو بمثابة «زيد» في قولنا: «إن جاء زيد فأكرمه». فتوجد بينه وبين الجزاء نسبة ناقصة، والنسبة الناقصة تجعل الكلمتين ككلمة واحدة؛ فالنسبة الموجودة بين كلمة «من» وكلمة «غيبة» في المثال الأول نسبة ناقصة تجعل الكلمتين كلمة واحدة تقع طرفاً للنسبة التامة الموجودة بين الغيبة والحرمة؛ فالحكم في الجزاء ينصبُّ على موضوع متقيّدٍ بأداة الشرط؛ فلا يكون حينئذ حكماً قابلاً للبقاء عند انتفاء الشرط؛ فحرمة الغيبة في المثال طرفها هو «من عامل الناس...إلخ» فإذا انتفى تزول الحرمة لا محالة، فكأنه قال: «غيبة مَن عامل الناس فلم يظلمهم وواعدهم فلم يُخلفهم محرّمة، وهكذا في المثال الثاني.

والحاصل: أن القضية الشرطية في هذا القسم الثاني تكون مسوقة للتحقّق الموضوع وبيانه؛ لأن أداة الشرط فيها هي موضوع الحكم، فبانتفاء الشرط ينتفي موضوع الحكم في الجزاء، فتكون القضية حال انتفاء الشرط سالبة بانتفاء الموضوع؛ لأن الملّق على الشرط إنما هو الحكم المقيد بموضوعه، لا طبيعي الحكم. ومن الواضح أن انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه أمر عقلي ثابت في الجمل الحملية أيضاً، وليس هذا الانتفاء من المفهوم كما تقدم تفصيله في التنبيه الأول.

وقد عثرتُ - في بعض كتاباتي القديمة - على نقل كلامٍ عن المحقق العراقي ره حاصله:

أنه في أمثال هذه القضايا يتعارض ظهوران: أحدهما ظهور القضية في المفهوم باعتبار اشتمالها على أداة الشرط الظاهرة في أن الجزاء مجرّد عن الشرط ومستقلّ وغير متقيّد به وقابل للبقاء عند انتفائه، وثانيهما: ظهورها في عدم المفهوم، باعتبار أن أداة الشرط فيها وصف، وظاهر الوصف تقيد الجزاء به وعدم تجرّده عن الشرط وعدم قابليّته للبقاء عند انتفائه[1] [2] .

ولا يحضرني الآن من كلمات المحقق العراقي ره مصدر يمكنني مراجعته للتأكّد من صحة هذا النقل، لكن كيفما كان فإن هذا الكلام بظاهره غريب، ووجه الغرابة فيه هو أن أداة الشرط ليست موضوعة للمفهوم، وإنما تدل على المفهوم بنكتة دلالتها على التوقف - أي: توقف الحكم الثابت في الجزاء لموضوعه على الشرط - وهذا يستلزم أن يكون الجزاء قابلاً للبقاء وعدمه عند انتفاء الشرط، بينما هذه القابلية مفقودة في أمثال هذه القضايا، لما عرفته من أن انتفاء الشرط فيها يساوق انتفاء موضوع الحكم في الجزاء، وبانتفاء الموضوع لا يعقل بقاء الحكم؛ فلا دلالة في أمثال هذه القضايا على المفهوم أصلا، وبالتالي فلا يوجد فيها ظهوران متعارضان كما هو واضح.

وعلى كل حال فقد اتضح مما قلناه وجه عدم ثبوت المفهوم لأدوات الشرط التي هي أسماء مثل «من» و«ما» و«أي» و«أيان» و«إذا» واتضح الفرق بينها وبين أدوات الشرط التي هي حروف مثل «إن».

وقد وجدتُ في بعض كتاباتي أن سيدنا الأستاذ الشهيد رضوان الله عليه أفاد أن «إذا» تدل على المفهوم، حيث فَرَّق بين قولنا: «أكرم زيداً عند مجيئه» وقولنا: «أكرم زيداً إذا جاءك»، فقال إنه بالرغم من أن كلاً من «عند» و«إذا» اسم وظرف لكن الفرق بينهما كبير، فالأول لا مفهوم له بخلاف الثاني؛ لأن «عند» ظرف متعلق بـ«أكرم» على أساس نسبة ناقصة، وهي شأنها التحصيص، وأما «إذا» فهي وإن كانت ظرفاً، لكنها أداة شرط، وتعقد نسبة تامة بين جملتين، وتعلّق الجزاء على الشرط، فلها مفهوم[3] [4] .

إلا أنه قد يناقش هذا الكلام بأن «إذا» تشبه «من» و«ما» لأنها اسم وليست حرفاً متمحضاً في النسبة وربط الجزاء بالشرط، بل هي مرتبطة بالشرط ارتباط الإضافة، وبالجزاء ارتباط الظرفية. فقوله: «إذا جاء زيد فأكرمه» يرجع إلى قوله: «زمان مجيء زيد يجب إكرامه»؛ فلا توجد هناك جملتان تعقد «إذا» نسبة تامة بينهما، بل إن الشرط مفرد - وهو مجيء زيد - وقد أضيفت «إذا» إلى هذا المفرد، وبين المضاف والمضاف إليه نسبة ناقصة حصّصت النسبة التامة التي تدل عليها جملة «أكرمه». فيدل الكلام بمجموعه على حصة خاصة من وجوب إكرام زيد، وبانتفاء القيد المحصِّص تنتفي هذه الحصة من الوجوب، ولا لدلالة للكلام على المفهوم وانتفاء طبيعي الوجوب، فلا فرق بين «إذا» و«عند». فما قلناه في التنبيه السابق من عدم توفر الركن الثاني من ركني المفهوم في مثل قوله: «صل عند الزوال» يأتي في مثل قوله: «إذا زالت الشمس فصلّ»، بالرغم من دلالة أداة الشرط فيه على التوقف، لكنه توقف شخص الوجوب لا طبيعيه، وهذا بخلاف ما إذا قال: «إن زالت الشمس فصلّ».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo