< فهرست دروس

الاستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

31/10/19

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه الثامن: تعدد الشرط واتحاد الجزاء في دليلين

التنبيه الثامن

إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء في دليلين

ذكرنا في التنبيه الثالث حكمَ ما إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء في قضية شرطية واحدة، ونريد الآن أن نبين في هذا التنبيه حكم ما إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء في قضيتين شرطيتين منفصلتين، بأن عُلِّق الحكم في إحداهما على شرط، وعُلق نفس الحكم في الأخرى على شرط آخر، فهل يكون السبب الحقيقي وتمام الموضوع للحكم عبارة عن كل من الشرطين مستقلاً، أم يكون عبارة عم مجموع الشرطين؟

والمثال المعروف لذلك ما إذا ورد في دليل: «إن خفي الأذان فقصّر» وفي دليل آخر: «إن خفي الجدار فقصّر»، وإن لم يرد هذا المضمون بعينه في الروايات.

فبناء على ثبوت المفهوم للقضية الشرطية يقع التعارض والتنافي بين إطلاق منطوق كل منهما وإطلاق ومفهوم الأخرى، حيث إن مفهوم كل من القضيتين يقتضي انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط المذكور في منطوقها مطلقاً حتى وإن كان الشرط الآخر المذكور في القضية الأخرى ثابتاً وهذا معناه أن السبب الحقيقي للجزاء هو مجموع الشرطين. بينما منطوق القضية الشرطية الأخرى دالّ على ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط الآخر مطلقاً حتى وإن كان الشرط الأول منتفياً، وهذا معناه أن السبب الحقيقي للجزاء هو كل من الشرطين مستقلاً، وأما بناء على عدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية فلا تعارض بين إطلاق منطوق كل منهما وإطلاق منطوق الأخرى؛ لأن مقتضى إطلاق كل منهما هو أن الشرط المذكور في كل منهما علة مستقلة وتمام الموضوع للجزاء، وهذا لا يوجب أي تعارض كما هو واضح، فالتعارض في المقام إنما ينشأ من القول بالمفهوم حيث أن مقتضى المفهومين كون السبب الحقيقي للجزاء وتمام الموضوع للحكم عبارة عن مجموع الشرطين المذكورين في الدليلين بينما مقتضى المنطوقين كون السبب الحقيقي للجزاء وتمام الموضوع للحكم كل واحد من الشرطين مستقلاً.

وبعد تحديد نقطة التعارض والتنافي يقع الكلام في كيفية الجميع بينهما، فهل يقدم أحد الطرفين المتعارضين على الآخر أم يقال بالتساقط فلا يثبت كون سبب الجزاء وموضوع الحكم هو المجموع ولا كونه هو كل واحد من الشرطين مستقلا؟

وقبل البدء بذلك لا بأس بالإشارة إلى أن القضيتين إذا لم تكونا شرطيتين بل كانت إحداهما شرطية والأخرى وصفية، كما إذا قال: «إن خفي الأذان فقصّر» وقال: «عند خفاء الجدار فقصر» فسوف يكون التعارض والتنافي من طرف واحد، بمعنى أن إطلاق مفهوم القضية الشرطية يعارض منطوق القضية الوصفية، وإذا كانت كلتاهما وصفيتين، كما إذا قال: «عند خفاء الجدار فقصر» وقال: «عند خفاء الأذان فقصّر» فلا تعارض بينهما أصلاً؛ إذ لا مفهوم في البين كما هو واضح، وتوجد محاولة لإسراء التعارض إلى الفرضين المذكورين أيضاً. وذلك بنكتة أن قوله مثلا: «عند خفاء الجدار فقصّر» ظاهر في حدوث وجوب القصر عند حدوث خفاء الجدار، وحينئذ فيقع التعارض من الطرفين باعتبار أن الحدوث عند الحدوث في كليهما مستحيل فيما إذا سبق أحد الحادثين الآخر؛ لأنه إذا خفي الأذان أولاً فسوف يحدث وجوب القصر، وبعد ذلك إذا خفي الجدار فلا يحدث وجوب القصر؛ لأنه قد حدث قبل ذلك عند حدوث خفاء الأذان.

وعليه فظهور الجملة الشرطية القائلة: «إن خفي الأذان فقصّر» في المفهوم الدال على عدم وجوب القصر إذا لم يخفَ الأذان مطلقاً وإن خفي الجدار، يعارض منطوق الجملة الوصفية القائلة: «عند خفاء الجدار فقصر». كما أن ظهور هذه الجملة الوصفية في الحدوث عند الحدوث يعارض منطوق الجملة الشرطية الدال على وجوب القصر عند خفاء الأذان مطلقاً، حتى وإن لم يحدث خفاء الجدار.

هذا إذا كانت إحدى القضيتين وصفية. وكذلك يقع التعارض من الطرفين إذا كانت كلتاهما وصفيتين؛ فإن ظهور كل منهما في الحدوث عند الحدوث يعارض ظهور الأخرى في الحدوث عند الحدوث كما هو واضح.

وبالإمكان الجواب عن هذه المحاولة التي تريد إيقاع التعارض من الطرفين في الفرضين المذكورين بأن القضية ظاهرة في الحدوث عند الحدوث بحدّ ذاته وبقطع النظر عن تقدم سبب آخر وعدمه. فقوله مثلا: «عند خفاء الجدار فقصّر» ظاهر في أن حدوث خفاء الجدار بحد ذاته سبب لحدوث وجوب القصر بقطع النظر عن تقدم سبب آخر لحدوث وجوب القصر وعدمه.

إذن، فظهور هذه الجملة الوصفية في الحدوث عند الحدوث - في الفرض الأول من الفرضين المذكورين - لا يعارض منطوق الجملة الشرطية - القائلة: «إن خفي الأذان فقصّر» - الدال على وجوب القصر عند خفاء الأذان مطلقاً حتى وإن لم يحدث خفاء الجدار؛ وذلك لأن فرض تقدم سبب آخر لحدوث وجوب القصر - وهو خفاء الأذان - على خفاء الجدار خارج عن مفاد الجملة الوصفية المذكورة ومسكوت عنه فيها، كما أن ظهور هذه الجملة الوصفية في الحدوث عند الحدوث - في الفرض الثاني من الفرضين المذكورين - لا يعارض ظهور الجملة الوصفية الأخرى القائلة: «عند خفاء الأذان فقصر»؛ لأن كلا من الجملتين إنما هو ظاهر في أن حدوث السبب المذكور فيه هو بحد ذاته سبب لحدوث وجوب القصر بقطع النظر عن تقدم السبب الآخر وعدمه.

إذن، فلا تعارض من الطرفين في شيء من الفرضين المذكورين، وإنما يبقى لدينا التعارض والتنافي من طرف واحد في خصوص الفرض الأول، أعني ما إذا كانت إحدى الجملتين شرطية والأخرى وصفية، حيث قلنا إن إطلاق مفهوم القضية الشرطية يعارض منطوق القضية الوصفية كما تقدم.

وعلى كل حال فإن رضينا بهذا الجواب فهو، وإلا فحال الفرضين المذكورين حال الفرض الذي عقدنا هذا التنبيه من أجله، وهو فرض ورود قضيتين شرطيتين منفصلتين شرطهما مختلف والجزاء واحد، حيث قلنا إنه يقع التعارض والتنافي بين إطلاق منطوق كل منهما وإطلاق مفهوم الأخرى. فلنصرف عنان الكلام إلى هذا الفرض فنقول:

إن التعارض والتنافي هنا ما دام ناشئاً من القول بثبوت المفهوم للقضية الشرطية - كما تقدم - وعليه فلا بد من ملاحظة دليل القول بمفهوم الشرط، ولما كانت الأدلة مختلفة كما تقدم. إذن، فرفع هذا التنافي والتعارض يختلف باختلاف الأدلة والمباني في إثبات مفهوم الشرط، ونحن لا نطيل المقام باستعراض كل تلك الأدلة والمباني ومعالجة التعارض والتنافي على ضوء كل واحد منها[1] [2] ، بل نقتصر على ذكر أربعة من تلك المباني ونعالج التعارض على ضوء كل واحد منها:

المبنى الأول: ما تقدم - في التقريب السابع وهو الأخير من تقريبات إثبات مفهوم الشرط - عن المحقق النائيني ره بصدد إثبات مفهوم الشرط، وكان حاصله عبارة عن إثبات أصل علية الشرط للجزاء من خلال تفريع الجزاء على الشرط، وإثبات كون الشرط علة تامة للجزاء لا جزء علة، من خلال الإطلاق الواوي وهو الإطلاق المقابل للتقييد والعطف بـ«الواو»، وإثبات كون الشرط علة منحصرة للجزاء لا عِدل لها، من خلال الإطلاق الأوي وهو الإطلاق المقابل للتقييد والعطف بـ«أو». وعليه فإذا ثبت أن الشرط علة تامة منحصرة للجزاء يثبت المفهوم.

وبناء على مبناه ره هذا في إثبات مفهوم الشرط أفاد في المقام أن التعارض هنا يرجع إلى التعارض بين إطلاقين لكل من المنطوقين، وأما المفهوم فهو مدلول التزامي يرجع التصرف فيه إلى التصرف في المنطوق، فالمعارضة في الحقيقة بين نفس المنطوقين.

توضيحه: أن لكل من القضيتين الشرطيتين إطلاقين - كما تقدم آنفاً - أحدهما الإطلاق الواوي الذي يُثبت التمامية، وثانيهما الإطلاق الأوي الذي يثبت الانحصار، وبالتالي يثبت المفهوم. ولا يمكن التحفظ على كل من الإطلاقين في كلتا الجملتين، للزوم التعارض كما عرفت، حيث أن كون خفاء الأذان علة تامة منحصرة لوجوب القصر يتنافى مع كون خفاء الجدار علة تامة منحصرة لوجوب القصر، فنحن نعلم إذاً أن الشرط في كل من الجملتين قد قُيّد وعطف عليه بالشرط الآخر المذكور في الجملة الأخرى، إما بالواو وإما بأو، فقد تقيد أحد الإطلاقين حتماً. فإما أن يكون قد تقيد إطلاق المنطوق، أي: الإطلاق الواوي، فيكون الشرط لوجوب القصر في الواقع مجموع الشرطين، وكل منهما جزء علة لوجوب القصر، لا علة تامة، وإما أن يكون قد تقيد إطلاق المفهوم، أي: الإطلاق الأوي، فيكون الشرط لوجوب القصر أحد الشرطين، فليس شيء منها علة منحصرة لوجوب القصر. إذن، لا بد من رفع اليد عن أحد الإطلاقين وإبقاء الإطلاق الآخر على حاله. فإما أن نرفع اليد عن إطلاق المنطوق، أي: الإطلاق الواوي ونقيّد الشرط المذكور في كل من الجملتين بالواو، ونُبقي إطلاق المفهوم، أي: الإطلاق الأوي على حاله، فتكون النتيجة حينئذ أنه إذا خفي الأذان والجدار يجب القصر. فيكون المجموع علة واحدة تامة منحصرة لوجوب القصر. فإذا انتفى أحدهما ينتفي وجوب القصر؛ لأنه لا يثبت إلا بثبوت مجموعهما. وإما أن نرفع اليد عن إطلاق المفهوم، أي: الإطلاق الأوي ونقيّد الشرط المذكور في كل من الجملتين بـ«أو»، ونبقي إطلاق الواوي على حاله، فتكون النتيجة حينئذ أنه إذا خفي الأذان أو الجدار يجب القصر. فيكون كل منهما علة تامة مستقلة لوجوب القصر. فإذا انتفى أحدهما وثبت الآخر لا ينتفي وجوب القصر، ومع رفع اليد عن أحد الإطلاقين وإبقاء الآخر على حاله ترتفع المعارضة، وحيث أن كلاً من هذين الإطلاقين مستند إلى مقدمات الحكمة، فلا مرجّح لأحدهما على الآخر، فلا مبرّر لإبقاء الإطلاق الواوي على حاله وتقييد الإطلاق الأوي، ولا مبرر أيضاً لإبقاء الإطلاق الأوي على حاله وتقييد الإطلاق الواوي، وحينئذ لابد من الالتزام بتساقط الإطلاقين والرجوع إلى الأصل العملي. فماذا يقتضي الأصل العملي؟! هذا ما سيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo