< فهرست دروس

الاستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/01/22

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه الثامن: تعدد الشرط واتحاد الجزاء/ التنبيه التاسع: تعدد الشرط واتحاد الجزاء من حيث تداخل الأسباب والمسببات

قلنا إنه بناء على المبنى الرابع المتقدم أمس يتعين في المقام القول بأن المفهومين يسقطان ونأخذ بالمنطوقين، كما شرحنا ذلك بالأمس.

النقطة التي يجب التذكير بها اليوم هي أن المفهوم في كل من الدليلين وإن رفعنا اليد عن إطلاقه ولكن المفهوم لا ينتهي نهائياً بناء على هذا المبنى، وإنما ينتفي بمقدار الشرط الآخر المذكور في الدليل الآخر؛ وذلك لأن المفهوم على هذا المبنى الرابع لم يثبت بالوضع وإنما ثبت بالإطلاق الأحوالي - كما شرحنا بالأمس -. فإن الإطلاق الأحوالي يسقط (أي: يتقيّد هذا الإطلاق بمقدار وجود مقيِّد) بعد أن تعارض الإطلاقان في ما إذا ورد دليلان أحدهما يقول: «إن خفي الأذان فقصر» والآخر يقول: «إن خفي الجدار فقصر»، فإن الإطلاق الأحوالي في الدليل الأول (الأذان) يتقيّد بمقدار وجود المقيِّد، وهو الشرط المذكور في الدليل الثاني. وكذلك بالعكس.

فيصبح مفاد كل من الدليلين بعد سقوط إطلاقه الأحوالي وبعد تقيّده هو أن الشرط المذكور في هذا الدليل علة تامة لوجوب القصر في كل الأحوال إلا حالة واحدة وهي حالة وجود الشرط الآخر.

وأيضاً يجب أن ننتبه إلى أنه بناء على هذا المبنى لا تختلف النتيجة بين فرض قطع النظر عن إطلاق الجزاء (والذي يدل على أن المعلَّق سنخ الحكم، لا شخصه. أي: لا يتعدد الحكم بتعدد الشرط) وبين ما إذا أخذناه بعين الاعتبار، وذلك فيما إذا تعدد الحكم بتعدد الشرط، وإن لا ينطبق هذا على مثال القصر، بل ينطبق على ما إذا احتملنا تعدد الوجوب بتعدد الشرط، كما لو كان يجب على المكلف وجوب واحد للقصر بخفاء الأذان وكان يثبت عليه أيضاً وجوبان للقصر فيما إذا اختفى الجدار مع خفاء الأذان.

والخلاصة أن النتيجة هي رفع اليد عن الإطلاق (الأحوالي) الذي يثبت المفهوم مع التحفّظ على إطلاق المنطوق (الدال على أن الشرط علة تامة للجزاء)؛ لأنه حتى بعد أخذ إطلاق الجزاء بعين الاعتبار سوف يكون التعارض بين الإطلاق الأحوالي الذي يثبت المفهوم وبين إطلاق الجزاء. وأما إطلاق المنطوق فهو خارج عن المعارضة؛ لأن الأمر وإن كان يدور بدواً حول رفع اليد عن أحد هذه الإطلاقات الثلاثة:

رفع اليد عن إطلاق المنطوق (الذي يثبت موضوع الإطلاق الأحوالي). رفع اليد عن الإطلاق الأحوالي (الذي يثبت المفهوم). رفع اليد عن إطلاق الجزاء (الدال على أن المعلق على الشرط سنخ الحكم).

وإذا كان دور الإطلاق الأحوالي بعد إطلاق المنطوق، فلا داعي لرفع اليد عن إطلاق المنطوق، ويكفي أن نرفع اليد عن الإطلاق الأحوالي؛ لأن الأخير ساقط على كل حال، حيث أنه إما موضوعه منتف (أي: انتفاء إطلاق المنطوق) وإما هو غير موجود.

إذن، يمكننا أن نتحفظ على إطلاق المنطوق في كل من الدليلين ونقول: كل من الشرطين علة تامة للجزاء؛ لأننا لا نعلم بكذب هذا الإطلاق. ولكن نعلم إجمالاً بأن كلاً من الشرطين إما أن عليته التامة ليست ثابتة له في كل الحالات حتى في حالة اجتماعه مع الشرط الآخر، ومعنى ذلك كذب الإطلاق الأحوالي الذي كان يقول بأن العلية التامة ثابتة في كل الحالات. وإما أن عليته التامة للجزاء ثابتة في كل الحالات لكن الجزاء المعلَّق على هذه العلة ليس سنخ الحكم، بل شخص الحكم، وهذا معناه أن إطلاق الجزاء كاذب.

وبعبارة أخرى أننا نحتمل أن يكون الحكم متعدداً كما نحتمل أن يكون الحكم واحداً. إذن، إما أن الحكم واحد (وجوب قصر واحد) وهذا معناه عدم ثبوت علية خفاء الأذان لوجوب القصر في كل الحالات حتى في حال اجتماعه مع خفاء الجدار؛ لأنه يتحول حينئذ إلى جزء علة (لاستحالة اجتماع علتين تامتين على معلول واحد)، وعدم ثبوت العلية التامة تكذيب للإطلاق الأحوالي. إذن، فلم يكن الإطلاق الأحوالي كاذباً وإنما تقيَّدَ. وإما أن الحكم متعدد ولدينا وجوبان للقصر، وهذا معناه أن الجزاء المعلَّق على الشرط ليس عبارة عن سنخ الحكم وكلي الوجوب، وإنما عبارة عن حصة من وجوب القصر.

إذن، فإما الإطلاق الأحوالي كاذب وإما الإطلاق في الجزاء كاذب، فيتعارضان فنقيّدهما بمقدار هذا الشرط، لا أكثر. أي: لا يُتوهم أن رفع اليد عن إطلاق الجزاء ينتج أن المعلَّق على الشرط شخص الحكم، بل سنخ الحكم إلا الحكم الناشئ من الشرط الآخر.

هذا تمام الكلام في هذا التنبيه الثامن.

التنبيه التاسع

إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء في دليلين واجتمع فيهما الشرطان من حيث اقتضائهما تداخل الجعل وعدمه وتداخل الامتثال وعدمه

إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء في دليلين منفصلين (أو أكثر من دليلين)، واجتمع هذان الشرطان في مورد واحد. مثلا قال في دليل: «إن جاء زيد فأكرمه» وقال في دليل آخر: «إن قرأ زيد القرآن فأكرمه»، وفرضنا أن الشرطين تحققا معا، بأن جاء زيد وقرأ القرآن. فهذان الدليلان يختلف الشرط فيهما، فإن الشرط في الأول مجيء زيد وفي الثاني قراءته للقرآن، لكن الجزاء واحد. فهل يثبت على المكلف وجوبان؟ وجوب إكرام زيد لمجيئه، ووجوب آخر لإكرامه حيث قرأ القرآن، وعليه فهل أنهما يمتثلان بامتثال واحد أو أن كل منهما يمتثلان بامتثال واحد؟ أم يثبت حكم واحد للإكرام؟

وهذا يتصور على نحوين:

النحو الأول: ما يسمى بتداخل الأسباب وكان سيدنا الأستاذ الشهيد يستحسن أن يسميه بالتداخل في الجعل. وهو أن نفترض أن كلاً من الشرطين (المجيء والقراءة) سبب مستقل للجزاء (لوجوب الإكرام)، لكن هذين السببين إذا اجتمعا معاً فهما يحققان حكماً واحداً ويولّدان وجوباً واحداً.

النحو الثاني: ما يسمى بتداخل المسببات وكان سيدنا الأستاذ الشهيد رضوان الله عليه يستحسن أن يسميه بالتداخل في الامتثال. وهو أن نفترض أن كلاًّ من الشرطين سبب مستقل للحكم، لكن يكفي في امتثالهما الإتيانُ بفرد واحد من الطبيعة.

سؤال: وهو أنه ما هو الفرق بين هذا البحث وبين بحثنا السابق؟ فإننا درسنا في التنبيه السابق تعدد الشرط واتحاد الجزاء في دليلين منفصلين!

الجواب: البحثان متشابهان فإن البحث يدور في كليهما حول ما إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء، لكن الفرق بينهما واضح، حيث كنا نبحث - في التنبيه السابق - عن موضوع وجوب القصر، أي: ما هو السبب الحقيقي للجزاء؟ هل هو كل من خفاء الأذان وخفاء الجدار مستقلاً (أي: يكفي أحدهما لثبوت الحكم) أو لابد من اجتماعهما (فإن إطلاق المنطوق كان يقتضي أن يكون كل واحد منهما مستقلاً هو السبب الحقيقي للحكم، بينما إطلاق المفهوم في كل منهما كان يقتضي أن يكون مجموعهما هو السبب الحقيقي للحكم). ولكن في المقام يدور البحث عن تداخل الشرطين بعد الفراغ عن أن كلاًّ منهما سبب مستقل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo