< فهرست دروس

الاستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه التاسع: تعدد الشرط واتحاد الجزاء من حيث تداخل الأسباب والمسببات

إن بحثنا حول التداخل وعدم التداخل إنما هو بعد الفراغ عن سببية كل واحد من الشروط؛ وإنما نذكر هذه النكتة لأن هناك كلاماً منقولاً عن المحقق النائيني ره على ما في تقريرات بحثه في مقام إثبات عدم تداخل الأسباب، والكلام هو أن مقتضى القاعدة عدم تداخل الأسباب، مثلاً إن قال: «إن نمت فتوضأ» فيقول المرزا مقتضى القاعدة أنه كلما تعدد النوم يتعدد وجوب الوضوء؛ لأن قوله: «إن نمت فتوضأ» الجزاء فيه عبارة عن «فتوضأ» وهذه الكلمة مشتملة على مادة وهيئة. المادة هي الوضوء، وهي تدل على طبيعي الوضوء. وهيئتها تدل على الوجوب. لكن هذه الهيئة لا دلالة فيها على أن الوجوب واحد أو متعدد (لا تفيد وجوباً واحداً ولا وجوباً متعددا) بل وحدة الحكم (وهو الوجوب هنا) أو تعدده تابع لموضوع الوجوب.

وموضوع الوجوب يعني شرطه، وشرطه هو قوله: «إن نمت»، فالنوم هنا مطلق لا قيد فيه، وإطلاقه إطلاق شمولي، يعني: كل نوم شرط وسبب للوضوء. فبعدد أفراد الموضوع يتعدد الحكم. كما هو الحال في سائر الأمور الحقيقية. مثل: «أكرم العالم»، فإن وجد عالم واحد فيجب وجوب واحد، وإذا كان هناك عالمان فينحل الوجوب إلى وجوبين، وإذا أكثر فأكثر. بنفس النكتة وهي أن الحكم يتبع موضوعه في تعدده وعدم تعدده. فمقتضى القاعدة هو تعدد وجوب الوضوء بتعدد النوم.

هذا الكلام إنما ذكرنا المطلب لكي نبين الثغرة الموجودة فيه، والثغرة هي أن تعدد السبب مما يجب الفراغ عنه في المقام، كما أشرنا إليه في أول البحث، لكي يعقل النزاع حول التداخل وعدم التداخل. أي: السبب متعدد في المقام حتى يعقل النزاع. وإلا لو فرضنا أنه في نفس مثال المرزا أن موضوع وسبب وجوب الوضوء هو النوم بنحو المطلق البدلي، أي: نوماً مّا، فإن نوماً ما يتحقق بالنوم الأول. فسبب وجوب الوضوء واحد، وهذا خارج عن محل النزاع. يعني: سبب وجوب الوضوء إذا كان عبارة عن النوم الأول فلا إشكال في عدم تعدد الوجوب، لا من جهة أن الأسباب قد تداخلت، بل من جهة أنه لم يكن في البين إلا سبب واحد للوجوب وهو النوم الأول (على فرض أن الإطلاق بدلي). وإنما نبحث عن التداخل أو عدم التداخل بعد إثبات أن السبب متعدد، فلا بد من فرض الإطلاق الشمولي (أي: أن كل نوم سبب لوجوب الوضوء) حتى يدخل في محل النزاع، لكي نبحث أنه إذا تكرر السبب هل يتكرر الوجوب (وهو التداخل) أو يتداخل السببان ويولّدان وجوباً واحداً (وهو عدم التداخل).

الآن ننتقل إلى تحقيق المطلب فنقول: إن في المقام بحوث ثلاثة:

البحث الأول: هل يوجد في المقام ظهور في الكلام يقتضي عدم التداخل. بعبارة أخرى هل يوجد أصل لفظي يثبت عدم التداخل.

البحث الثاني: هل يوجد في المقام ظهور في الكلام يقتضي التداخل؟ أي: هل يوجد أصل لفظي ينتج التداخل؟

البحث الثالث: بعد تسليم هذين الظهورين والقبول بأنه يوجد في الكلام ظهور يقتضي عدم التداخل، ويوجد أيضاً في الكلام ظهور يقتضي التداخل، وتعارضهما حينئذ ما هو علاج هذا التعارض وما هو حله؟

البحث الأول

أما البحث الأول بالإمكان تقريب ما يدل على عدم التداخل بأحد نحوين:

التقريب الأول: ما هو المعروف والمتداول، حيث يقال بأن منطوق كل جملة شرطية يحتوي على ظهورين بمجموعهما يدلان على عدم التداخل.

الظهور الأول: هو ظهور المنطوق في أن الشرط (المذكور في الجملة) علة تامة مستقلة للحكم المذكور في الجزاء.

الظهور الثاني: ظهور الكلام في أن معلول هذه العلة التامة عبارة عن أصل الحكم المذكور في الجزاء، لا تأكد الحكم وشدته.

أما الظهور الأول، فقد فرغنا عنه في التنبيه السابق، ولذلك وقع التعارض والتنافي بين إطلاق المنطوق (الذي كان يدل على أن خفاء الأذان علة تامة مستقلة لوجوب القصر) وإطلاق المفهوم (إن لم يخف الجدار لا يجب القصر حتى لو خفي الأذان) في تلك الجملتين، وكذلك العكس.

وأما الظهور الثاني: أن ظاهر فتوضأ أنه بيان للوجوب وليس بياناً لتأكد الوجوب (الهامش: لعل الأولى الاقتصار على الظهور الأول، ولكن ذكرنا هذا الظهور باعتبار أنهم يذكرونه، والمهم هو الظهور الأول).

ونتيجة هذين الظهورين عبارة عن عدم تداخل السببين عند اجتماعهما؛ لاستحالة اجتماع علتين تامتين مستقلتين على معلول واحد. أي: فلا بد من تعدد الوجوب.

إذن، فالظهور الذي يقتضي عدم التداخل في القضية الشرطية هو هذا.

هذا التقريب المشهور لإثبات أن مقتضى الأصل اللفظي (وإن شئت قلت: مقتضى أصالة الظهور).

ويرد على هذا التقريب: أن هذا الظهور الأول غير مسلَّم وغير مقبول؛ فنحن لا نسلم بأن منطوق الجملة الشرطية تدل على العلية التامة، ولا نقبل بأن الشرط علة تامة للجزاء؛ لأن استفادة العلية التامة لم تكن من ناحية الوضع، بأن يقال: إن أداة الشرط أو الجملة الشرطية وضعت في اللغة لإفادة أن الشرط علة تامة للجزاء، والذي يقول بأن الجملة الشرطية تدل على أن الشرط علة تامة للجزاء، هذا القائل يعترف بأن هذه الدلالة ليست وضعية، فاستفادة العلية التامة لم تكن من ناحية الوضع. وإنما كانت الاستفادة من ناحية الإطلاق (حيث تقدم شرحه في بحث مفهوم الشرط، وهو الإطلاق الواوي حسب مصطلح النائيني أو الإطلاق الأحوالي) الذي كان يدل على أن الجزاء مترتب على الشرط في جميع الحالات، سواء اقترن الشرط مع شيء آخر أو انفرد. يعني: الجزاء مترتب على الشرط في كل الحالات، سواء انفرد الشرط أو اجتمع مع شيء آخر. هذا الإطلاق في مقابل التقييد بالعطف بالواو، يدل على أن وجوب الإكرام مترتب على مجيء زيد في كل الحالات، سواء اقترن المجيء مع قراءة القرآن أو لم يقترن. فالقائل بالعلية التامة استفاد من هذا الإطلاق أن الشرط علة تامة للجزاء. فلو كان الشرط جزء علة لما كان يترتب عليه الجزاء. فالعلية التامة استفيدت من الإطلاق الواوي أو الأحوالي (باختلاف الاصطلاح). والنقطة المقابلة لهذا الإطلاق (وهو قد اقتضى أن الشرط علة تامة للجزاء حتى في حالة انفراده) هو أن لا يكون الشرط في حال انفراده علة للجزاء. أي: أن لا يترتب الجزاء على الشرط في حال انفراده. ونحن أيضاً لا نريد أن نقول شيئاً يخالف هذا الكلام، وإنما بحثنا في حالة اجتماع الشرط مع شيء آخر.

فإذا قلنا بالتداخل (إذا الشرط اجتمع مع شيء آخر كان مجموعهما سبباً للتداخل) هذا لا ينافي الإطلاق الأحوالي (الذي كان يقول بأن الجزاء مترتب على الشرط في كل الحالات، في حال انفراده الشرط علة تامة للجزاء، وفي حال اجتماع الشرط مع شيء آخر يكون الجزاء مترتباً على الشرط لكن ترتب المعلول على جزء علته). إما ترتب المعلول على علته التامة وإما ترتب المعلول على مجموع علتين.

ويأتي مزيد توضيح في الغد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo