< فهرست دروس

الاستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/02/06

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه التاسع: تعدد الشرط واتحاد الجزاء من حيث تداخل الأسباب والمسببات

قلنا إن كلام المحقق الخراساني ره حول الظهور الذي يقتضي عدم التداخل مشروط بشروط ثلاثة:

أولاً: أن يكون الجزاء جملة فعلية.

وثانياً: أن يكون الشرطان متعاقبين.

وثالثاً: أن تدل القضية على أن الحكم الحادث بحدوث الشرط الأول مستمر إلى زمان حدوث الشرط الثاني؛ لأن المقصود من عدم التداخل هو ثبوت حكمين في آن واحد. فإذا افترضنا أن القضية الشرطية المتحققة شرطها أولاً (مثل قوله: «إن نمت فتوضأ» فيما إذا نام المكلف أولاً) تدل بإطلاقها الأزماني على بقاء الحكم الأول إلى زمان حصول الشرط الثاني (البول في قوله: «إن بلت فتوضأ») فحينئذ يكون مقتضى الظهور الذي ادعاه الآخوند (ظهور القضية في حدوث الحكم عند حدوث الشرط) هو عدم التداخل. أي: مقتضاه ثبوت حكمين في زمان واحد لاجتماع شرطين. هذا فيما إذا افترضنا أن القضية الأولى تدل بإطلاقها الأزماني على بقاء الحكم الأول إلى زمان حصول الشرط الثاني.

أما لو فرض أن الوجوب الذي حدث بسبب الشرط الأول انتهى أمده ولا تدل على بقائه إلى زمان الشرط الثاني، فمن المعلوم حينئذ أن لا موضوع للتداخل وعدم التداخل، لأن زمان أحد الحكمين غير زمان الآخر. فبحدوث الشرط الأول حدث حكم للوضوء وانتهى أمده قبل حدوث الشرط الثاني وبحدوث الشرط الثاني حدث حكم آخر. فلم يثبت حكمان في زمان واحد.

إذن، فمجرد الظهور الذي ادعاه المحقق الخراساني لا يكفي من دون ظهور القضية في دوام هذا الحكم إلى زمان حصول الشرط الثاني. فهذا هو الشرط الثالث الذي يجب ضمه إلى الشرطين الأولين ليتم كلام الآخوند.

ومن هنا قد يقال إنه: في فرض عدم وجود هذا الظهور (الإطلاق الأزماني) الثاني لا يتم ما قلناه سابقاً من أنه عند الشك في تداخل الأسباب الأصلُ العملي - وهو البراءة - في صالح التداخل، فنبقى نشك في أن الحكم الأول بقي مستمراً إلى زمان حدوث الشرط الثاني؛ وحيث لا يوجد لدينا أصل لفظي من ظهور أو إطلاق يعين لنا التكليف فنرجع إلى الأصل العملي، ومقتضى الأصل العملي هو الاستصحاب في المقام؛ لأن بحدوث النوم حدث الوجوب قطعاً وبعد حدوث البول نشك في أن الحكم الأول هل بقي إلى هذا الزمان أم لا؟ فمقتضى الاستصحاب أن الحكم الأول ما زال موجوداً، وحينئذ بحدوث الشرط الثاني (البول) حدث حكم آخر؛ لأن القضية الشرطية الثانية ظاهرة في الحدوث عند الحدوث أيضاً، فيكون هناك حكمان في زمان واحد وحينئذ يقتضي الأصل العملي عدم التداخل وهذا خلاف ما قلناه سابقاً من البراءة.

وقد يتمَّم هذا الإشكال[1] [2] بأن في المقام فرضين:

الفرض الأول: هو أن ظهور القضية في الحدوث عند الحدوث باق ومحفوظ؛ لأنه أقوى من الإطلاق وليس بحاجة إلى مقدمات الحكمة.

الفرض الثاني: هذا الظهور أيضاً عليه علامة الاستفهام.

أما سبب افتراضنا هذين الفرضين هو أن في المقام لدينا ثلاثة ظهورات:

الظهور الأول: (الذي قاله الآخوند) ظهور كل من القضيتين في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط.

الظهور الثاني: ظهور المادة في الجزاء - وليس الهيئة - (والجزاء هو « توضأ» في كلتا القضيتين) في طبيعي الوضوء، لا حصة خاصة من الوضوء. نعبّر عن هذا الظهور بإطلاق المادة في الجزاء.

الظهور الثالث: الإطلاق الأزماني وهو أن قوله «إن نمت فتوضأ» ظاهر في أن الوجوب الذي يحدث بسبب النوم يبقى مستمراً في كل الأزمان إلى زمان حصول البول وحدوث الشرط الثاني.

إن الظهورين الثاني والثالث من هذه الظهورات إطلاقي، أما الظهور الأول فيفترض فيه فرضان:

الفرض الأول: أن تعتبرونه أيضاً من نوع الإطلاق، أي يحتاج إلى مقدمات الحكمة لكي تدل القضية الشرطية على الحدوث عند الحدوث.

الفرض الثاني: أن تفترضون بأنه أقوى من الإطلاق وهو ظهور يستند إلى الوضع؟

أما الافتراض الأول (أن يكون الظهور الأول من نوع الإطلاق) فيحصل التعارض الثلاثي بين إطلاقات ثلاثة؛ لأننا نعلم إجمالاً بكذب أحدها.

إما أن الظهور والإطلاق الأول كاذب وهو القائل بأن الجزاء يحدث عند حدوث الشرط. فقوله: «إن بلت فتوضأ» ليس ظاهراً في حدوث وجوب بحدوث البول، بل وجوب واحد (على طبيعي الوضوء) مستمر إلى أن يحصل النوم.

وإما أن الظهور الثاني (وهو إطلاق المادة في الجزاء) كاذب، فإن المراد من مادة الجزاء في مثل قوله: «إن بلت فتوضأ» ليس طبيعي الوضوء بل حصة منه. لكن الظهور الأول والثالث محفوظان.

وإما أن الظهور الثالث والإطلاق الأزماني كاذب في القضية الأولى وهي «إن نمت فتوضأ»، فلا يبقى الوجوب مستمراً إلى زمان البول. فعندنا علم إجمالي بكذب أحد هذه الإطلاقات.

بعبارة أخرى نعلم أنه:

إما لم يحدث حكم ثان عند حدوث الشرط الثاني، ومعناه كذب الظهور الأول (الحدوث عند الحدوث) الذي قال به الآخوند. وإما أنه حدث حكم ثان لكنه تعلق بحصة من الوضوء وليس بطبيعيّه؛ لاستحالة تعلق حكمين بطبيعي الوضوء فهذا معناه اجتماع وجوبين على شيء واحد وهو اجتماع مثلين وهو مستحيل، فإذا حدث حكم بسبب الشرط الثاني فيكون قد تعلق بحصة من الطبيعي، وهذا معناه كذب إطلاق مادة الجزاء والظهور الثاني. وإما أن الحكم الأول انتهى أمده ولم يستمر إلى زمان حدوث الشرط الثاني، وإلا فيوجد لدينا حكمان في زمان واحد على طبيعي الوضوء وهو محال نتيجة استحالة اجتماع حكمين ووجوبين على طبيعي الوضوء.

فنعلم إجمالاً إما أن الظهور الأول كاذب (وما حدث حكم ثان) وإما أن الظهور الثاني كاذب (وهو عدم تعلق الحكم الثاني بالطبيعي) وإما أن الظهور الثالث كاذب (وهو عدم استمرار الحكم الأول).

فنعلم إجمالاً بتعارض هذه الأطراف الثلاثة وكلها تتعارض وتتساقط، ومعنى التساقط أن لا أصل لفظي في البين، فنرجع إلى الأصل العملي الذي هو أصل البراءة الذي ذكرناه سابقاً. فلا يتم الإشكال الذي ذكره السيد محمدٌ الباقر الحكيم رضوان الله عليه.

والخلاصة أن هذا الفرض الأول (أي: فيما إذا افترضنا أن الظهور الأول وهو الحدوث عند الحدوث) إذا كان من نوع الإطلاق فيدخل في التعارض لأنه إطلاقي أيضاً كالظهور الثاني والثالث، ولا ميزة لهذا الإطلاق على ذينك الإطلاقين الثاني والثالث. فيقع التعارض الثلاثي بين هذه الإطلاقات الثلاثة وتتساقط والنتيجة الرجوع إلى البراءة، فلا يتم الإشكال الذي ذكره السيد الحكيم، فلأجل أن يتم الإشكال ذكر سيدنا الأستاذ الشهيد متمماً بافتراض أننا نحتفظ بالظهور الأول ولا ندخله في المعارضة الثلاثية، وذلك بالقول بأنه ظهور وضعي ولا يحتاج إلى مقدمات الحكمة وحينئذ يكون التعارض ثنائياً بين الثاني والثالث.

فإما أن الإطلاق الأزماني للقضية الشرطية الأولى باطل أو إطلاق مادة الجزاء في القضية الثانية غير صحيح، فيقع التعارض بينهما. وأما ظهور القضية في حدوث أصل الحكم عند حدوث الشرط محفوظ ولم يدخل في التعارض (لما تقدم من كونه أقوى من الإطلاق). وحينئذ

إشكال السيد الحكيم لا يصح في فرض التعارض الثلاثي، لتساقط الأطراف والرجوع إلى الاستصحاب، لأن حدوث الأول متيقن والثاني مشكوك فنجري البراءة. ويصح في فرض التعارض الثنائي.

فيتم إشكال السيد الحكيم بهذا التتميم، حيث يأتي الاستصحاب لأننا نشك في أنه هل ذاك الحكم الأول الذي حدث بالنوم باق إلى الآن أو لا؟ فعندنا يقين سابق وشك لاحق فنجري الاستصحاب. فهذا نثبته بالاستصحاب وذاك الثاني نثبته بالحدوث عند الحدوث. فيجتمع على المكلف الآن وجوبان. أي: يقوم الاستصحاب مقام الإطلاق الأزماني ويؤدي دوره؛ لأن الإطلاق الأزماني سقط في التعارض، فالنتيجة عدم التداخل. هذا تتميم من قبل السيد الأستاذ الشهيد.

وسيأتي الجواب عن هذا الإشكال في الدرس القادم في يوم السبت إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo