< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/02/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الجلسة الـ37

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه التاسع: تعدد الشرط واتحاد الجزاء من حيث تداخل الأسباب والمسببات

كان الكلام في الظهور الذي ادعاه المحقق الخراساني ره للقضية الشرطية حيث قال: إن هذا الظهور (الحدوث عند الحدوث) يقتضي عدم التداخل في الأسباب، أي: ثبوت وجوبين للوضوء. وقلنا: إن هذا الظهور إنما يُثبت عدمَ التداخل بشروط ثلاثة:

1- أن يكون الجزاء جملةً فعلية.

2- أن يتعاقب السببان (النوم والبول).

3- أن يكون للقضية ظهور آخر (الإطلاق الأزماني:) في أن الوجوب الحادث بسبب الأول استمر إلى زمان حدوث السبب الثاني.

فإذا افترضنا وجود الظهور الأول (الحدوث عند الحدوث) دون الثاني (الإطلاق الأزماني) فلا يكون للقضية ظهورٌ في أن الحكم الأول مستمر وباق إلى زمان حدوث السبب الثاني، فيحتمل أن يكون أمدُ الوجوبِ الأولِ قد انتهى قبل حدوث السبب الثاني (لأنه افترضنا أن لا إطلاق أزماني)، وحينئذ مجرد الظهور الأول الذي قاله الآخوند لا يكفي لإثبات عدم التداخل، حيث لم يعد هناك موضوع للتداخل وعدم التداخل.

ثم جاء إشكال يقول: لطالما ليس للقضية إطلاق أزماني فبالإمكان إثبات الحكم الأول باستصحابه إلى زمان حدوث السبب الثاني (أي: قام هذا الاستصحاب مقام الإطلاق الأزماني)، كما يمكن إثبات الحكم الثاني بظهور القضية الشرطية في الحدوث عند الحدوث وهو ما قاله الآخوند. فعليه فإن مقتضى الأصل العملي عند الشك في التداخل وعدم التداخل هو عدم التداخل. وهذا خلاف ما ذكرتموه من أن مقتضى الأصل العملي عبارة عن البراءة، والذي ختمتموه بالتتمة التي ذكرها السيد الأستاذ الشهيد.

الجواب: وقد أفاد سيدنا الأستاذ الشهيد في الجواب عنه أن مقتضى الأصل العملي حتى في هذا الفرض في صالح التداخل، وهذا الإشكال غير تام، وذلك لعدم قيام هذا الاستصحاب مقام الإطلاق الأزماني، لكي تخرجوا بحكمين، وتكون النتيجة عدم التداخل؛ وذلك لأنه لا أثر لجريان هذا الاستصحاب ولا تترتب عليه فائدة؛ فإن الفائدة المتوخاة من هذا الاستصحاب هو إثبات حكمين على المكلف (أي: عدم التداخل)، وهذا الأثر متوقف على أن يكون الحكمُ الثاني (الذي حدث بالنوم) متعلقاً بحصة خاصة من الوضوء (غير الحصة التي يمتثل بها الوجوب الأول) دون طبيعيِّه؛ فإنه لا يمكن أن يتعلق كل من الوجوب الأول والثاني بطبيعي الوضوء لاستحالة اجتماع المثلين.

والأثر الذي نريده من الاستصحاب هو ثبوت حكمين على المكلف وهو متوقف على أن يكون الحكم الثاني متعلقاً بالحصة، وتعلقه بالحصة متوقف على بقاء الحكم الأول إلى زمان الحكم الثاني، فبالاستصحاب تريدون إثبات بقاء الحكم الأول إلى زمان الحكم الثاني. ولكن لا يثبت هذا الاستصحاب أن الحكم الثاني قد تعلق بالحصة، وإنما لازمه العقلي يثبت أن الحكم الثاني قد تعلق بالحصة، والقول باللازم العقلي للاستصحاب هو القول بحجية الأصل المثبت وهو باطل. فإذا لم يجر الاستصحاب فلا يثبت لدينا حكمان كي تكون النتيجة عدم التداخل.

فلو أريد إجراء هذا الاستصحاب لتنجيز وجوب طبيعي الوضوء فهذا منجز على المكلف على كل حال (أي: يستحق العقاب لو ترك الوضوء أبداً) من دون حاجة إلى الاستصحاب، ولو أريد أجراء هذا الاستصحاب لتنجيز وجوب حصة خاصة من الوضوء (أي: إثبات استحقاق العقاب لترك وجوب آخر للوضوء، فهذا يكون تأويلاً على الأصل المثبت). فمن ترك الطبيعي يكون تاركاً للحصة أيضاً ومن ترك الحصة قد ارتكب مخالفةً قطعية للوجوب الثاني.

إذن، فبسقوط هذا الاستصحاب يبقى العلم بالحكم الثاني (بناء على ظهور الحدوث عند الحدوث، ولم يبق لدينا شيء آخر كالاستصحاب والإطلاق الأزماني للقضية الشرطية الأولى) ولا ندري هل تعلق هذا الوجوب الثاني بطبيعي الوضوء أو بحصة خاصة منه؟ فتعلقه بجامع الوضوء معلومٌ وتعلقه بحصة خاصة مشكوك، فيكون من موارد دوران الواجب بين الأقل والأكثر، فنجري البراءة عن الأكثر، والأكثر هنا هو التقيد بحصة خاصة، فتكون النتيجة في صالح التداخل. فهذا الاستصحاب ما أفادنا بشيء، فمازال كلامنا السابق تاماً وهو أن مقتضى الأصل العملي هو البراءة، أي: الأصل في مقتضى التداخل حتى في هذا الفرض.

إشكال على الجواب[1] : ما المقصود من عدم ترتب فائدة وأثر على هذا الاستصحاب؟

إن كان المقصود منه أن الاستصحاب باعتباره جعلاً شرعياً (تنزيل شرعي من قبل الشارع، حيث يُنَزِّل الشارعُ المشكوكَ منزلةَ المتيقن) إنما ينال الآثار والأحكام الشرعية ولا تمتد يد التشريع إلى اللوازم العقلية (أي: يجب أن يكون المستصحب ذا أثر شرعي كي يتم جريان الاستصحاب) وفي المقام ليس للمستصحب أثر شرعي كما قلتم.

فيرد عليه أن المستصحب هنا بنفسه أثر شرعي وحكم شرعي، فإننا نستصحب الحكم الأول والوجوب الأول للوضوء.

وإن كان المقصود من عدم إمكانية جريان الاستصحاب هو لَغوية جريانه.

فيرد عليه بأنه ليس لغواً وفائدته إثبات حكمين شرعيين بإجراء الاستصحاب في الحكم الأول إلى زمان البول وبمعونة القضية الشرطية الثانية (حدوث الحكم الثاني عند حدوث البول)، وحينئذ حيث أننا نقطع بأن الحكم الثاني متعلق بغير ما يتعلق به الحكم الأول؛ لاستحالة تعلق حكمين بشيء واحد، فالحكم الثاني قطعاً متعلق بغير الوضوء الذي يُمتثل به الحكمُ الأول، فبالتالي نقطع بأن الوضوء الأول ليس امتثالاً لكلا الحكمين، وإنما لا بد من وضوء ثان. ففائدته أنه يلزم عليه وضوءان، فلا يكون الاستصحاب لغواً.

الجواب عن هذا الإشكال[2] : وإن كنا نقطع بأنه لو كان الثابت بحسب الواقع هو وجوبين وحكمين، فالوجوب الثاني قطعاً متعلق بغير ما يمتثل به الوجوبُ الأول وإلا يلزم منه اجتماع المثلين، فالوضوء الأول لا يعتبر امتثالاً لكلا الوجوبين (إذا كان في الواقع وجوبان) لكن كلاً من الوجوبين بمقدار تنجزِهِ علينا يُمتَثل بالوضوء الأول.

أما الوجوب الأول فواضح لأنه متعلق بطبيعي الوضوء والطبيعي يحصل خارجاً بامتثال الوضوء الأول.

وأما الوجوب الثاني فالوضوء الأول امتثال له أيضاً، لأننا شككنا - حسب الفرض - في أنه هل تعلق بالطبيعي أم بحصة خاصة؟ فإذا بقي الأول فالثاني لم يتعلق بالطبيعة، وإذا لم يبق الأول فهذا متعلق بالطبيعة. والبراءة توافق الأول، أنه متعلق بالطبيعي، وتجري البراءة عن التعيين لتكون النتيجة التخيير. تجري البراءة عن التعيين، ونتيجة البراءة أن الوجوب الثاني متعلق بالطبيعي وهو ينطبق على الوضوء الأول. كما أن الاستصحاب لم يقدر إثبات أن الوجوب الثاني متعلق بالحصة، لأنه أصل مثبت.

والخلاصة أنه وإن صح ما قلتموه من أنه لو كان في الواقع يوجد حكمان فالحكم الثاني متعلق بغير ما يُمتثل به الحكم الأول، لكن بالمقدار الذي تنجز (كل واحد من الحكمين) على المكلف يكون الوضوء الأول امتثالاً له، فالنتيجة أيضاً في صالح التداخل.

هذا تمام الكلام في هذا البحث الأول من البحوث الثلاثة في تداخل الأسباب:

البحث الأول: البحث عن الظهور الذي يقتضي عدم التداخل

البحث الثاني: البحث عن الظهور الذي يقتضي التداخل.

البحث الثالث: البحث عن العلاج.

فتبين أن الظهور الذي ذكره الآخوند وقال إنه يقتضي عدم التداخل تام عندنا في الجملة، يعني القضية الشرطية لها ظهور يقتضي عدم التداخل وهو الظهور في الحدوث عند الحدوث لكن فيما إذا اجتمعت شروط ثلاثة: 1- أن يكون الجزاء جملة فعلية 2- أن يتعاقب الشرطان 3- أن يدوم الحكم الأول إلى زمان حصول الشرط الثاني. ومن دون توفر هذه الشروط الثلاثة لا يكون للقضية ظهور يقتضي عدم التداخل. هذا تمام الكلام في البحث الأول، وسوف ننتقل إلى البحث الثاني غداً إن شاء الله تعالى.

[1] - قائل هذا الإشكال هو السيد كاظم الحائري على ما نقله الأستاذ من دفاتره القديمة في الأصول.

[2] - الجواب من السيد الشهيد الصدر على ما نقله الأستاذ عنه في دفاتره القديمة في الأصول.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo