< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/03/04

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأدلة المحرزة/الدليل الشرعي/الدليل الشرعي اللفظي/دلالة الدليل/المفاهيم/مفهوم الشرط/تنبيهات مفهوم الشرط/التنبيه التاسع/ والتنبيه الثامن: حجية المفهوم في غير مورد التقييد

بقيت في ختام هذا التنبيه نكتة واحدة تجدر الإشارة إليها وهي أننا لاحظنا في المقام الأول (= تداخل الأسباب) وجود ظهورين متعارضين، يقتضي أحدهما (الحدوث عند الحدوث) عدمَ التداخل، وثانيهما (إطلاق مادة الجزاء) يقتضي التداخلَ، كما لاحظنا في المقام الثاني (= تداخل المسببات) أيضاً وجود ظهورين متعارضين: أحدهما يقتضي عدمَ التداخل (= ظهور القضية في كون عنوان الوضوء - مثلاً - هو متعلق الوجوب، لا عنوان آخر ينطبق على الوضوء)، وثانيهما (= ظهور مادة الجزاء في الإطلاق) يقتضي تداخلَ المسببات.

والآن نريد أن نقول بأن هذين التعارضين في كل من المقامين تعارضٌ واحدٌ ذو أطراف ثلاثة:

1- ظهور القضية في الحدوث عند الحدوث.

2- ظهور القضية في تعلق الوجوب بنفس عنوان الوضوء.

3- ظهور القضية في إطلاق مادة الجزاء.

فإن رفعنا اليد عن الظهور الأول ثبت تداخلُ الأسباب، وإن رفعنا اليد عن الثاني ثبتَ تداخلُ المسبَّبات، وإن رفعنا اليد عن الثالث لم يثبت التداخلُ لا في الأسبابِ ولا في المسبَّبات.

وقد ظهر مما مضى أن الظهور الثاني والثالث ثابتان دائماً وفي جميع الموارد في حد أنفسهما وبقطع النظر عن تعارضهما (أي: ظهور القضية بتعلق عنوان الوجوب بنفس عنوان الوضوء وكذلك إطلاق مادة الجزاء «فتوضأ»). أما الظهور الأول (= الحدوث عند الحدوث) فليس ثابتاً في حد نفسه في بعض الموارد، أي: بمعزل عن المعارض؛ وفقد ذكرنا هذه الموارد الثلاثة (فعلية جملة الجزاء وتعاقب الشرطين ودوام الحكم الأول إلى حدوث الشرط الثاني) سابقاً، فلا يكون للقضية ظهور في الحدوث عند الحدوث من دون هذه الشروط الثلاثة. وحينئذ يبقى ما يقتضي تداخل الأسباب بلا معارض؛ لأنه في المقام الأول في بحث تداخل الأسباب كان يوجد ظهور (= الحدوث عند الحدوث) يقتضي عدم التداخل، وكان يوجد ظهور (= إطلاق مادة الجزاء) يقتضي التداخل. فالآن تبين أن الظهور الأول غير موجود، فيبقى الظهور الثاني بلا معارض. فيثبت التداخل في الأسباب. هذا في الموارد التي لا يكون الظهور الأول ثابتاً فيها.

أما في الموارد التي يكون الظهور الأول ثابتاً فيها في حد نفسه، فحينئذ نرفع اليد عن الظهور الثالث (= ظهور المادة في الإطلاق) والذي كان يقتضي التداخل في الأسباب وكذلك في المسببات، فنأخذ بالظهورين الأولين وذلك بنكتة الأقوائية في كل من الظهورين الأول والثاني:

أما الأقوائية في الظهور الأول (الحدوث عند الحدوث) على الظهور الثالث، فلأنه وضعي والثالث حَكَمي وإطلاقي.

وأما الأقوائية للظهور الثاني على الثالث فهي قوة أصالة تطابق الإثبات مع الثبوت بمعنى الوجود (ما قاله أراده) في الثاني؛ إذ لم يقل: إن نمت فارفع الحالةَ النفسانية الحاصلة بسبب النوم، بل قال: إن نمت فتوضأ، فإن كان يقصده كان يذكره. أما الظهور الثالث (إطلاق مادة الجزاء) فهو ظهور مستفاد من أصالة التطابق بين عالم الثبوت وعالم الإثبات أيضاً ولكنه عدمي. أي: لطالما لم يذكر المولى هذا القيد فلم يرده. وهذا الثالث كان يقتضي التداخل في الأسباب والمسببات، فإن رفعنا اليد عن الثالث (المقتضي للتداخل) فيبقى الظهور المقتضي لعدم التداخل في المسببات بلا معارض، ويبقى ما يقتضي عدمَ التداخل في المسببات بلا معارض أيضاً؛ لأن المعارض الذي كان يصر على التداخل هو الظهور الثالث، وقد رفعنا اليد عنه في المقام الأول فيثبت عدم التداخل في الأسباب، وفي المقام الثاني رفعنا اليد عنه فيثبت عدم التداخل في المسببات.

هذا تمام الكلام في هذا التنبيه التاسع من تنبيهات مفهوم الشرط.

التنبيه العاشر

حجية المفهوم في غير مورد التقييد

إذا علمنا بتقييد المفهوم من الخارج، مثلما إذا قال: «إن جاء زيد فأكرمه» فمفهومه: «إن لم يجئ زيد فلا يجب إكرامه» وعرفنا من الخارج بأنه «إن لم يأت زيد وكان مريضاً يجب إكرامه أيضاً»، لكن إذا لم يجئ زيد ولم يكن مريضاً فهل يجب إكرامه أيضاً أو لا؟ أي: مع تقييد المفهوم بقيد هل يسقط المفهوم عن الحجية رأساً ولا يؤخذ بمفهومه حتى في غير مورد القيد؟ أو يبقى المفهوم حجة في غير مورد التقييد، كما هو الحال في المنطوقات؟

التحقيق هو أن هذا يختلف باختلاف المباني والمسالك في إثبات مفهوم الشرط، وليست النتيجة واحدة على كل الأذواق والمسالك. فإن بَنَيْنَا في إثبات مفهوم الشرط على مبنى يجعلنا - في مقام اقتناص المفهوم وإثباته - بحاجة إلى:

أولاً

: إثبات أن المعلَّق على الشرط هو سنخ الحكم وكليه، لا شخصه (= إثبات إطلاق الجزاء، أي: الحكم في الجزاء طبيعي الحكم، وهذا هو المعلق على الشرط، بحيث إذا لا يثبت الإطلاق لا يثبت المفهوم).

ثانياً

: استفادةُ الإطلاقِ من مقدمات الحكمة، لا من الوضع.

كما أن مبنانا كان فيه هاتان النقطتان (أي: احتجنا إلى أن المعلق على الشرط طبيعي الحكم، وأن الإطلاق استفدناه من مقدمات الحكمة).

فبناء على مثل مَبْنَانَا الذي يشترط في إثبات مفهوم الشرط أن يكون الكلام دالاً على أن المعلق على الشرط مطلقُ الحكم، ويثبت هذا الإطلاق بمقدمات الحكمة - لا بالوضع - فمن الواضح أن مفهوم الشرط قائم على أساس إطلاقٍ، والإطلاق قابل للتقييد، وإذا قُيِّد الإطلاقُ فيسقط بمقدار تقييده عن الحجية. أما في غير مورد التقييد فيبقى المفهوم على حاله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo