< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/03/24

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأدلة المحرزة/الدليل الشرعي/الدليل الشرعي اللفظي/دلالة الدليل/المفاهيم/مفهوم الوصف

 كنا نناقش البيان الأول للمحقق الإصفهاني ره، حيث تقدّم بالأمس أن المفهوم يثبت للوصف فيما إذا توفر أمران: الأول أن تقوم قرينة خاصّة على أن الوصف علّة لطبيعي الحكم. والثاني: نحن نثبته بالدليل والبرهان. والبرهان هو أن هذه العلّة علّة منحصرة ولا توجد علّة أخرى للحكم؛ لأنه لو كان هناك علّة أخرى لطبيعي الحكم غير هذه العلّة المذكورة في الكلام (وهو الوصف) فيلزم منه إما محذور إثباتي وإما محذور ثبوتي.

 مثلاً عندما يقول: «المطلقة اليائسة بائن» فهنا لو استفدنا من هذا الكلام أن الوصف (وهو اليأس من الحيض) علّة لطبيعي الحكم (= البينونة) فنثبت الانحصار ونثبت أن هذه العلّة علّة منحصرة لطبيعي البينونة، ولا توجد علّة أخرى للبينونة؛ إذ لو وُجدت علّة أخرى غير اليأس (مثل كون المرأة غير مدخول بها) لصيرورتها بائناً (أي: إن طُلِّقت فطلاقها بائن وليس رجعياً). فهذان إما الجامع بينهما هو العلّة للبينونة وهذا خلاف ظاهر الخطاب الذي يقول «المطلقة اليائسة بائن»، أي: البينونة معلولة لليأس بعنوانه وبما هو يأس، لا بما هو جامع كلي يكون اليأس أحد عنوانيه. فإن هذا خلاف ظاهر الكلام.

 وإن فرضنا أن كلا من اليأس (=الوصف) وعدم الدخول (=العلة الأخرى) علةٌ مستقلة للبينونة، فهذا فيه محذور ثبوتي، وهو صدور الواحد بالنوع (=الحكم بالبينونة) من الكثير بالنوع (=اليأس وعدم الدخول)، بينما الواحد لا يصدر من الكثير.

 قلنا: إن هذا الدليل غير تام، لأن بالإمكان اختيار الشق الثاني القول بأن كل منهما علّة ومع ذلك لا يلزم محذور ثبوتي حتى لو عمّمنا هذه القاعدة إلى الواحد بالنوع والكثير بالنوع. وما أفاده ره من أن هذا خلاف قانون الواحد لا يصدر إلا من الواحد؛ فإن تطبيق هذه القاعدة على ما نحن فيه غير تام؛ وذلك لأن هذه القاعدة من القواعد الفلسفية المرتبطة بباب العلّيّة، والعلّيّة بالمعنى الفلسفي هو الإيجاد والتأثير، فهذه القاعدة تقول: إن الوجود الحقيقي الواحد يستحيل أن يكون سببُ وجوده عبارة عن وجودات حقيقية متعددة. -إعداد وتقرير الشيخ محسن الطهراني عفي عنه- وحيث عمّمنا هذا القانون للواحد بالنوع فيستحيل أن يكون سبب النوع الواحد الواحد، ولكن ما علاقة هذا الكلام بما نحن فيه؟

 هل تريدون تطبيق هذا القانون على الحكم (= بينونة المرأة) بأن هذا الحكم واحد والواحد لا يصدر من الاثنين؟ أو على ملاك الحكم ومبدئه وروحه؟ فلا يوجد لدينا شيء ثالث.

 وعلى الأول، نسأل ماذا تقصدون بالحكم؟ الجعل أم المجعول؟ (فإن الجعل في وجوب الصلاة هو ما تحقق قبل خمسة عشر قرناً عندما نزلت آية الصلاة، وهناك شيء آخر هو المجعول، وهو عبارة عن فعليّة الجعل بزوال الشمس وقت الظهر).

 وحينئِذٍ فإن أريد تطبيقها على ذات الحكم وأريد بالحكم الجعل، بأن يقال: إن الجعل - أي: جعل وجوب الإكرام [أو جعل البينونة للمرأة] مثلاً في المثال - واحد، ويستحيل أن يكون معلولاً للكثير - أي: العدالة والهاشمية - في المثال - ففيه أن الجعل ليس معلولاً لشيء منهما وليس صادراً عن شيء منهما، بل هو معلول للجاعل وصادر منه، وعلّية الوصف أو أي شيء آخر للحكم لا تعني سوى كونه موضوعاً للجعل بمعنى ارتباط الجعل وتحصّصه به.

 ومن الواضح أن الموضوع ليس علّةً للجعل بالمعنى الفلسفي للعلّيّة الذي هو المقصود في قاعدة «الواحد لا يصدر من الكثير» التي هي من قوانين العليّة.

 وإن أريد تطبيقها على الحكم وأريد بالحكم المجعول الفعلي، بأن يقال: إن الوجوب الفعلي للإكرام واحد ويستحيل أن يكون معلولاً للكثير، أي: العدالة والهاشمية. ففيه أن المجعول الفعلي أمر تصوّري وليس وجوداً فلسفياً حقيقياً كي يخضع للنظر والقانون الفلسفي.

 وأما إن أريد تطبيقها على روح الحكم ومبدئه، أي: الملاك، بأن يقال: إن ملاك وجوب الإكرام واحد ويستحيل أن يكون معلولاً للكثير (أي: العدالة والهاشمية) ففيه أننا لا نعلم الغيب كي نعرف أن الملاك من سنخ واحد، بل يمكن أن يكون هناك سنخان ونوعان من الملاك مطلوبان لزوميان للمولى: -إعداد وتقرير الشيخ محسن الطهراني عفي عنه- أحدهما معلول للعدالة، والآخر معلول للهاشمية، رغم اشتراكهما واتحادهما في عنوان انتزاعي عام كعنوان «الملاك»؛ فإن هذا اتّحاد في الجامع الانتزاعي، وهو لا يوجب استحالة صدورهما من علّتين مختلفتين من حيث النوع؛ لأ،هل هو حقيقة في خصوص المتلبّس لا يصيّرهما وجوداً فلسفياً حقيقياً واحداً كي يخضع للقانون الفلسفي القائل بأن الواحد لا يصدر من الكثير كما هو واضح.

 إذن، فعلى كل التقادير لا يلزم من اختيار الشق الثاني أي محذور ثبوتي.

فإن قلت: إن بإمكان المحقّق الأصفهاني ره تطبيق القاعدة المذكورة على مبادئ الحكم، أي: الملاك والإرادة المولوية ببيان آخر، وهو أن يقال: إن ملاك وجوب الإكرام في المثال إما هو من سنخ واحد، أو من سنخين ونوعين، فإن كان من سنخ واحد لزم صدور الواحد بالنوع (وهو الملاك) من الكثير بالنوع (وهو العدالة والهاشمية)، وهو مستحيل، وإن كان من سنخين ونوعين لزم أيضاً صدور الواحد بالنوع (وهو الحبّ والإرادة المولوية) من الكثير بالنوع (وهو الملاكان المتباينان سنخاً ونوعاً) وهو مستحيل.

قلت: الواقع هو أنه بعد فرض قبول شمول القاعدة للواحد والكثير بالنوع وعدم اختصاصها بالواحد والكثير بالشخص، وبعد قبول دلالة القضية الوصفية على علية الوصف لطبيعي الحكم لقيام القرينة على ذلك (كما هو المفروض) فسوف يكون الجواب عن هذا الكلام هو:

 أن بالإمكان أن نفترض أن الملاك (أي: ملاك وجوب الإكرام في المثال) من سنخ ونوع واحد، ونفترض صدوره من الواحد بالنوع وهو الجامع بين «العدالة» و«الهاشمية»، وهذا لا ينافي جعل كل من «العدالة» و«الهاشمية» بعنوانه الخاص دخيلاً في الوجوب ومصبّاً وموضوعا لمسؤولية المكلف، ولو بنكتة عدم عرفية ذاك الجامع وبالتالي عدم إمكان جعله موضوعاً للحكم، وقد تقدّم هذا في بحث مفهوم الشرط أيضاً في التقريب الرابع فراجع. فلا يلزم أيّ محذور ثبوتي أو إثباتي كما هو واضح.

 هذا هو البيان الأول لكلام المحقّق الإصفهاني ره وقد عرفت عدم صحّته. بعد ذلك ننتقل إلى البيان الثاني غداً إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo