< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/03/26

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأدلة المحرزة/الدليل الشرعي/الدليل الشرعي اللفظي/دلالة الدليل/المفاهيم/مفهوم الوصف

 كنا ندرس البيان الثاني من المحقّق الإصفهاني ره حول الضابط في دلالة الوصف على المفهوم وكان هذا البيان يتلخص في الظهورات الثلاثة التي ذكرها وشرحناها بالأمس.

 قلنا إن هذا البيان لا يمكن قبوله كالبيان الأول، وذلك أولا لما ذكرناه بالأمس بأن الظهور الأول الذي يفترضه المحقّق الأصفهاني ره لإثبات كون الوصف علّة للحكم، هو ظهور تصديقي وليس تصورياً، بمعنى أن هذا الظهور كان يقول بأن الوصف بما أنه مذكور ودخيل في موضوع الحكم إثباتاً وفي عالم الكلام، إذن بمقتضى أصالة التطابق بين الإثبات والثبوت يكون هذا الوصف دخيلاً وعلة وموضوعاً في المراد الجدي للمتكلم في عالم الثبوت.

 ومن المعلوم أن المراد الجدي للمتكلم عبارة عن أمر جزئي وهو شخص ذاك الحكم والاعتبار النفساني الموجود في نفس المتكلم. فالظهور الأول إنما يثبت أن الوصف علّة لشخص الحكم. وحينئِذٍ كيف ينسجم هذا مع الظهور الثالث الذي افترض المحقّق الأصفهاني ره أن الوصف علّة لطبيعي الحكم؟! هذا أولاً.

وثانياً: إن الإطلاق الذي ينتج المفهوم في ما إذا كان الوصف علّة للحكم - بالمعنى المتقدم للعلية، أي: بمعنى كون الوصف مأخوذاً في موضوع الحكم ثبوتاً - إنما هو الإطلاق بمعنى كل حصص طبيعي الحكم بنحو الاستغراق، كي يثبت أن أي حصة تفترض للحكم فعلّتها الوصف المأخوذ في الكلام، إعداد وتقرير الشيخ محسن الطهراني عفي عنه، وإلا فإن الإطلاق بمعنى ذات الطبيعة بما هي هي فهو لا ينتج المفهوم فيما إذا كان الوصف علّة للحكم؛ إذ لا تنافي بين أن يكون الوصف علّةً للطبيعي، ويكون شيء آخر أيضاً علّة للطبيعي، فبعض حصصه معلول للوصف، وبعضها معلول للشيء الآخر، فلا يثبت المفهوم.

 إذن، فالإطلاق الذي يُجدي المحقّق الإصفهاني في المقام ويثبت المفهوم بعد فرض كون الوصف علةً إنما هو الإطلاق بمعنى كون كل حصص الحكم معلولةً للوصف بنحو الاستغراق، لا الإطلاق بمعنى ذات طبيعة الحكم بما هي هي.

 بينما قد تقدّم منا في مناقشة بيان المحقّق العراقي ره هنا، وكذلك في غيره من الموارد أن الإطلاق بمعنى كل حصص الطبيعية، بأن تُلحظ الطبيعة بما هي فانية في وجوداتها الخارجية، المتكثرة ومنطبقة عليها ليس هو الذي تقتضيه مقدمات الحكمة وتثبته، بل الإطلاق الذي تثبته مقدمات الحكمة وتقتضيه عبارة عن ذات الطبيعة بما هي هي من دون أخذ شيء آخر معها، فلحاظ فنائها في الوجودات الخارجية المتكثرة شأن زائد ومؤونة إضافية لا تدل عليها مقدمات الحكمة، بل الذي تدل عليه إنما هو عبارة عن لحاظ ذات الطبيعة بما هي هي.

 وقد عرفت آنفاً أن الإطلاق بهذا المعنى (الذي هو المعنى الصحيح للإطلاق) لا يُنتج المفهوم في فرضنا وهو فرض كون الوصف علةً للحكم.

 إذن، فالإطلاق الذي يُجدي المحقّق الإصفهاني في المقام ويُنتج المفهوم لا تقتضيه مقدمات الحكمة، والإطلاق الذي تقتضيه مقدمات الحكمة لا يُجديه ولا يُنتج المفهوم.

وثالثاً: إننا حتى لو تنزّلنا عن جميع ما قلناه وفرضنا أن علية الوصف مستفادة من الدلالة التصورية للكلام كما أن الأمر يدل بالدلالة التصورية أيضاً على طبيعي الطلب، وفرضنا أن الإطلاق الذي تدل عليه مقدمات الحكمة لو جرت عبارة عن أن طبيعي الطلب بمعنى كل حصصه معلول للوصف، لا يتم مع ذلك كلام المحقّق الإصفهاني ره؛ وذلك لتعذّر إجراء مقدمات الحكمة في المقام، إعداد وتقرير الشيخ محسن الطهراني عفي عنه، لما قلناه في مناقشة بيان المحقّق النائيني ره، وأيضاً في بياننا المختار لإثبات عدم دلالة الوصف على المفهوم وفي غيرهما من الموارد مراراً من أن إجراء مقدمات الحكمة متوقف على تمامية النسبة القائمة بين الحكم والقيد، بينما نسبة العليّة القائمة هنا بين الوصف والحكم ليست تامة ، بل هي ناقصة؛ لأن موطنها الأصلي هو العالم الخارج عن الذهن والتصوّر، بداهة أن العلاقة بين الموضوع والحكم علاقة خارجية موطنها خارج عن عالم الذهن والتصوّر.

وعليه فلا يعقل إجراء مقدمات الحكمة فيها لإثبات أن المعلول للوصف طبيعي الحكم والطلب، وبالتالي فلا يمكن إثبات المفهوم للوصف حتى لو فرضنا أن الوصف علّة وفرضنا أن مقدمات الحكمة لو جرت لأَثبَتَت الإطلاق بمعنى كل الحصص، لكنها لا تجري في المقام لهذه النكتة.

 هذا تمام الكلام في البيان الثالث من بيانات الأصحاب، وهو بيان المحقّق الإصفهاني وقد عرفت عدم تماميّته أيضاً كسابقيه.

 وبهذا المقدار من ذكر بيانات الأصحاب نكتفي في المقام، وقد عرفت أن الصحيح إنما هو البيان الذي قدمناه لإثبات عدم دلالة الوصف على المفهوم، وبذلك ننهي بحث مفهوم الوصف. وقد عرفنا أن الوصف لا مفهوم له، لكن بياننا لإثبات مفهوم الوصف كان يختلف عن بيانات الأصحاب رضوان الله عليهم. هذا تمام الكلام في البحث التاسع عشر من بحوث الدلالات اللغوية للدليل الشرعي اللفظي وهو بحث مفهوم الوصف، وبعد ذلك ندخل في البحث العشرين من هذه البحوث وهو بحث اللقب والعدد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo