< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأدلة المحرزة/الدليل الشرعي/الدليل الشرعي اللفظي/دلالة الدليل/المفاهيم/مفهوم اللقب والوصف

 كان الكلام في مفهوم اللّقب والعدد فذكرنا أن حال اللّقب والعدد حال الوصف، وأنه كما قلنا في الوصف أنَّه لا دلالة له على المفهوم كذلك نقول في اللّقب والعدد لا دلالة لهما على المفهوم، والنكتة في عدم الدِّلالة على المفهوم هنا هي نفس النُّكتة التي ذكرناها في الوصف.

والحاصل إذا كان الحكم قد بُيِّن (في الجملة اللّقبيّة والعددية) من خلالِ معنىً حرفيٍ (مثل صيغة «افعل») فحينئذٍ لا دلالة للكلام على المفهوم، كما أنَّه لا دلالة له على المفهوم فيما إذا كان الحكم (=الوجوب) قد بُيِّنَ واستُفيد من خلال معنىً اسمي (مثل «إطعام ستين مسكيناً واجب»)، وليس من خلال الهيئة والصيغة الدَّالَّة على المعنى الحرفي. فهنا أيضاً لا يمكن إجراء الإطلاق في كلمة «واجب»؛ وذلك أيضاً لما قلناه في مفهوم الوصف (وفي غير بحث مفهوم الوصف) من أن الإطلاق لا يجري في المحمول.

 فإن قال: «الرّمّان حامض» يمكن إجراء الإطلاق في الموضوع بأن هذا الكلام يشمل كل رمّانٍ، لكن إجراء الإطلاق في المحمول ليس له معنى، إعداد وتقرير: الشيخ محسن الطهراني عفي عنه بأن تكون كل درجاتِ الحموضة ثابتةٌ للرمّان، فإن هذا ليس مقبولاً عرفاً. أو مثل: «المصباح منير» فلا إطلاق فيها على أن كل درجات النور والإنارة ثابتة للمصباح. ومثل «الصَّلاة واجبة» لا يريد إثبات كل حصص الوجوب للصَّلاَة بحيث أن غير الصَّلاة ليس واجباً.

 إذن، فالشرط الثَّاني من شرطي استفادة المفهوم من الكلام على مستوى الدِّلالة التصورية منتفٍ أيضاً في المقام.

 وبهذا عرفنا أن الطريق الأول لاقتناص المفهوم من الكلام وهو أخذ المفهوم من الدِّلالة التصورية للكلام كان مشروطاً بشرطين، كلاهما غير متوفرين في الجملة اللّقبيّة وفي الجملة العددية. أي: لا الدِّلالة على التوقف موجودة في الكلام ولا الدِّلالة على أن المتوقِّف طبيعي الحكم.

أما الطريق الثَّاني (=اقتناص المفهوم من الدلالة التصديقية للكلام)، فقد تقدّم شرحه سابقاً، بأنّه لو تمكّن شخص من أن يثبت أن جملةً (سواء الوصفية أم الشَّرْطِيَّة أم اللّقبيّة أم أيةِ جملةٍ) تدلّ بالدلالة التصديقية على أن علّة الحكم المذكور فيها منحصرة بالقيد المذكور فيها (كقيد الشَّرْط في الجملة الشَّرْطِيَّة، وقيد الوصف في الجملة الوصفية، واللقب في الجملة اللّقبيّة وهكذا..) فمن الطبيعي حينئذٍ أن تدلّ الجملة على المفهوم. أي: تدلّ على أنَّه إذا انتفى القيد أو الوصف ينتفي الحكم؛ لأن القيد أو الوصف علّة منحصرة.

والسؤال هو أنَّه هل يمكن أن نسلك هذا الطريق في اللّقب والعدد لإثبات المفهوم؟

والجواب: كلا، فهذا الطريق أيضاً مسدود وهذا الباب موصد أمامنا في باب اللّقب والعدد؛ وذلك لأن الجملة اللّقبيّة وكذلك العدديّة لا دلالة لهما على أن علّة الحكم منحصرة باللقب أو العدد.

 فإن قوله «الطلاق بيد الزوج» مثلاً، لا دلالة له على أن الطلاق منحصر بالزوجية، وكذلك قوله «أكرم ستين مسكيناً» لا دلالة له على العليّة الانحصارية (أي: الدِّلالة على أنه لا يجب إكرام غير ستين مسكيناً من الأعداد الأخرى).

 فبالتالي لا يثبت المفهوم للقب وللعدد بنحو السالبة الكلّيّة؛ لأننا لم نفهم من الكلام أن هذا القيد علّة منحصرة، فلعل هناك علّة أخرى لصحة الطلاق غير الزوجية وهي حكومة الحاكم الشرعي، كما يحتمل وجود علّة أخرى لوجوب الإطعام.

 أجل، إن المفهوم يثبت لهما بنحو السالبة الجزئية، كما كنا نقول به في الوصف. أي: قوله: «الطلاق بيد الزوج» يدلّ على المفهوم بنحو السالبة الجزئية، أي: يدلّ على أن بعض مصاديق طلاق غير الزوج باطل، وليس كل مصاديقه. كذلك العدد، فإن قوله: «اطعم ستين مسكيناً» يدلّ على أن بعض الأعداد الأخرى غير الستين لا يجب إطعامهم.

والنكتةُ في كلا المطلبين (في دلالة اللّقب والعدد على المفهوم الجزئي، وأيضاً في عدم دلالتها على المفهوم الكلّي) هي النُّكتةُ نفسها التي ذكرناها في الوصف.

فذلكة الكلام: أننا نقبل المفهوم بنحو السالبة الجزئية، أي: لم تُجعل صحَّة الطلاق بنحو الموجبة الكلّيّة لكل أحد، إعداد وتقرير: الشيخ محسن الطهراني عفي عنه بحيث يمكن للجميع أن يطلقوا هذه المرأة المسكينة، بل بعض هؤلاء الأفراد غير الزوج لا يصح منهم أن يطلقوا هذه المرأة؛ وذلك لنفس النُّكتة التي ذكرناها في الوصف (في التقريب الثَّاني - القرينة العرفية - حيث ذكرنا تقريبين وناقشنا التقريب الأول[1] واعتمدنا التقريب الثَّاني) من أن هذه الجملة اللّقبيّة «الطلاق بيد الزوج» أو «الطلاق بيد من أخذ بالسَّاق» تدلّ بالدلالة التصديقية على أن صحَّة الطلاق ليست ثابتة لكل شخص، بنحو الموجبة الكلّيّة، بنكتة أنَّه لو كان الشارع قد جعل صحَّة الطلاق لكل شخص فإما أن يكون ذلك بنحو الجعل المتعدّد، أو يكون بنحو الجعل الواحد، فإن افترضتم أنَّه قام بالجعل من خلال جعلين: 1- صحَّة الطلاق للزوج 2- صحَّة الطلاق لغير الزوج، فهذا يلزم منه محذور اللغوية العرفية؛ فإن المولى لو كان يريد جعل صحَّة الطلاق لكل شخص فلماذا يجعل جعولاً عديدةً، إذ كان بإمكانه أن يجعل جعلاً واحداً يذكر فيه أن هذا الطلاق يصح من كل شخص. لأنه سوف يصل من خلال هذا الجعل الواحد إلى النتيجة المطلوبة لديه والتي تفترضون أنَّه يصبو إليه من جعل جعول عديدة.

 وإذا كان بنحو جعل واحد (هذا الجعل المبرَز من خلال هذا الخطاب) فهذا أيضاً يلزم منه مخالفة ظهور هذا الخطاب، فإن هذا الخطاب ظاهر في أن القيد المذكور في هذا الخطاب كما أنه دخيلٌ إثباتاً دخيلٌ ثبوتاً أيضاً؛ لحكم أصالة التطابق بين مقام الإثبات والثُّبوت.

 فلو كان مراده جعل صحَّة الطلاق من قِبَل أيّ شخص كان، لم يكن يجعل الطلاق بيد الزوج ويذكره؟ فإن ذكره سوف يكون لغواً، وهذا خلاف ظاهر الخطاب.

 إذن، بهذا الدليل ودفعاً لمحذور اللغوية نقول بأن مقصود المتكلم من «الطلاق بيد الزوج» ليس هو جعل الطلاق بنحو الموجبة الكلّيّة لكل شخص، وإذا لم يكن هذا هو مقصوده فمعنى ذلك أن بعض غير الزوج طلاقه باطل، وهذا هو المفهوم بنحو السالبة الجزئية.

 وكذلك العدد.

 إذن، فالمفهوم بنحو السالبة الجزئية يمكن إثباته للعدد واللقب معاً بهذا البيان الذي ذكرناه، أمّا المفهوم بنحو السالبة الكلّيّة (بأن يدلّ المفهوم على أن هذا الحكم غير ثابت في جميع موارد انتفاء اللّقب أو العدد، أي: إعداد وتقرير: الشيخ محسن الطهراني عفي عنه بطلان طلاق غير الزوج في جميع الموارد) فلم يثبت؛ وذلك لأن النُّكتة في عدم الدِّلالة على المفهوم بنحو السالبة الكلّيّة هي نفس النُّكتة في عدم دلالة الجملة الوصفية على انتفاء الحكم بانتفاء الوصف بنحو السالبة الكلية، والنكتة هي أنَّه لا يلزم أي محذور لو التزمنا بأن هذا الحكم المذكور في الكلام ثابت لبعض موارد انتفاء اللّقب.

أما محذور اللغوية فليس لغواً أن يجعل المولى جعلين: أن يجعل صحَّة الطلاق من الزوج بملاك أنَّه زوجها. وأيضاً يجعل صحَّة الطلاق لشخص آخر كالحاكم الشرعي ولكن بملاك آخر وهو ملاك الحكومة. فكيف للمولى أن يتوصل إلى صحَّة طلاقها من قبل شخصين أو ثلاثة أشخاص إلا من خلال جعلين أو ثلاثة جعول.

وكذلك محذور مخالفة ظاهر الخطاب، فإننا نلتزم بظاهر الخطاب، فإننا نحتفظ بأن هذا الجعل بملاك الزوجية محفوظ كما أن هناك جعل آخر محفوظ بخطاب آخر وهو خطاب الحكومة.

 فلا نكتة تساعدنا على الالتزام بأن الجملة تدلّ على المفهوم بنحو السالبة الكلّيّة.

 هذا تمام الكلام في هذا المطلب وقد اتضح أن الجملة اللّقبيّة والعددية لا طريق لإثبات المفهوم لهما، لا الطريق الأوّل ولا الطريق الثَّاني.

 نعم في العدد يوجد مطلب سوف نتعرض له غداً وهو أن المولى لو كان في مقام التحديد فقد يكون هذا التحديد قرينة خارجية على المفهوم، ولا علاقة لها باللقب بما هو لقب أو العدد بما هو عدد. مثل تحديد عدد أيام الحيض في جانب الحيض أن لا يكون أقل من 3 أو في جانب الكثرة أن لا يكون أكثر من 10. وهذا ما سندرسه غداً إن شاء الله تعالى.

[1] - راجع الدرس الحادي والخمسين (الأحد 16/03/1432).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo