< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: العامّ /دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

 كانَ الكلامُ في النَّظَرِيَّةِ الأولى حول أقسام العموم وهي نظريَّة المُحَقِّق الخراساني، وَالَّتِي تَقَدَّمَ بَيَانُهَا بالأمس. وَكَانَ حَاصِلُهَا أن هذه الأقسام الثَّلاثة (الاستغراقي وَالْبَدَلِيّ وَالْمَجْمُوعِيّ) المذكورة للعامِّ ليست في الواقع أقساماً للعامّ بما هو عامّ؛ فإنَّ نفسَ العموم ليس له إلاَّ معنىً واحداً في جميع هذه الأقسام الثَّلاثة. وإنَّما تختلف كيفيَّةُ تعلّق الحكم بالعامّ، الاختلاف الَّذي تتمخَّض عنه هذه الأقسام.

أقول: يُحتمل أن يكون مقصود المُحَقِّق الخُراسانيّ من هذا الكلام التَّنبيه على نكتةٍ هي أَنَّهُ لا مجال للبحث عن أن الكلمةَ الفُلانيّة والأداةَ الفُلانيّة الَّتي هي من أدوات العموم هل تدلّ على ذات العموم أم تدلّ (مضافاً إلى ذلك) على الاستغراقيّة أو البدليّة أو المجموعيّة؛ لأَنَّ العموم في الحقيقةِ قسمٌ واحد، وهذه الأقسام الثَّلاثة ليست لأجل وجود مائز في ماهيَّة العموم بين هذه الأقسام الثَّلاثة. فلا يوجد عندنا عموم استغراقيّ وعموم بدليّ وعموم مجموعيّ، بحيث تنقسم ماهيَّة العموم إلى ثلاثة أقسام، وإنَّما هذه الأقسام بلحاظ تعلّق الحكم بالعامّ؛ لأَنَّ هذا الحكم إن كان مُتِكَثِّراً بتَكَثُّرِ الأفراد فهو العامّ الاستغراقيّ، وإن كان الحكم واحداً واكتُفي في مقام الامتثال بفرد من الأفراد فهو العامّ الْبَدَلِيّ، وإن كان الحكم واحداً ولم يُكتف في مقام الامتثال بفردٍ من الأفراد فهو العامّ الْمَجْمُوعِيّ.

 على أي حال، فقد يكون مقصوده التَّنبيه على هذه النُّكتة.

 فإن كان مقصوده هذا، فيرد على كلامه بأن هذا غير صحيح؛ وذلك لأَنَّهُ بعد الفراغ من أن للعموم في الخارج ثلاثة أنحاء، فمن الممكن أن توضعَ أداةٌ خاصّة وكلمةٌ خاصّة في اللُّغَة بإزاء نحوٍ خاصٍّ من هذه الأنحاء الثَّلاثة، سواء كان المائز بين هذه الأقسام الثَّلاثة ذاتيّاً وناشئاً من ذات العموم (كما لعلّه هو المشهور) أو كان المائز شيئاً خارجاً عن حقيقة العموم (كما يقوله الآخوند) أي: كان المائز عبارة عن تعلّق الحكم بالعامّ. وعلى أي حال من الممكن أن يضع الواضعُ في اللُّغَة كلمةً معينةً بإزاء العموم الاستغراقيّ أو يضع أداة وكلمة بإزاء العموم الْبَدَلِيّ، أو الْمَجْمُوعِيّ.

 ومثاله المسند والمسند إليه، فإذا كان المسند متأخّراً عن المسند إليه يعطي معنىً غير المعنى الَّذي يعطيه فيما إذا كان المسند مقدّماً. إعداد وتقرير: الشيخ محسن الطهراني عفي عنه فإِنَّه لا يُفهم الحصرُ من قولنا: «الإمامُ عليه السلام معصومٌ» بأن غير الإمام عليه السلام ليس معصوماً؛ لأَنَّ إثبات الشَّيْء لا ينفي ما عداه، على عكس ما يُفهم من قولنا: «المعصومُ عليه السلام هو الإمامُ» فإِنَّ الجملة الأخيرة تفيد الحصر. أي: أن هيئةَ تقدُّمِ الحكم على الموضوع وُضعت في لغة العرب على أن الحكم محصورٌ في هذا الموضوع، مع أن الموضوع واحد ذاتاً. فلا فرقَ ذاتيَّ بين الموضوع الَّذي حُصر فيه الحكم وبين الموضوع الَّذي لم يُحصر فيه الحكم، فلا يمنع من أن يأتي الواضع ويضع تلك الهيئة للحصر.

 وعلى أيِّ حالٍ فإِنَّ هذه النَّظريّةَ من المُحَقِّق الخراساني غيرُ تامَّةٍ؛ وذلك لأَنَّ هذه النَّظريّة تَعتبر أن هذه الخُصُوصِيّاتِ الثَّلاثَ (وهي خصوصيّة الاستغراقيّة والْبَدَلِيَّة وَالْمَجْمُوعِيَّة إنّما هي من شؤون طُروّ الحكم ووروده على العامّ، ومن شؤون تعلّق الحكم بالعامّ. أي: هذه الخُصُوصِيّات ليست خُصُوصِيّاتٍ لنفس العموم وإنَّما هي خُصُوصِيّات لمرحلة لاحقة على العموم وهي مرحلة عروض الحكم على العموم، مع أَنَّهُ غير صحيح؛ لأَنَّ انقسام العموم إلى هذه الأقسام الثَّلاثةِ يمكن افتراضه بقطع النَّظَرِ عن تعلّق الحكم بالعامّ؛ وذلك لأَنَّنَا (ومعنا كل ابن لغة) نشعر بالوجدان بأَنَّ هناك فرقاً بين التَّصَوُّر الَّذي تُعطيه مثلاً كلمةُ «كلٍ عالمٍ» و«جميعِ العلماء»، بِقَطْعِ النَّظَرِ عن الحكم، أي: الجملة الناقصة بِقَطْعِ النَّظَرِ عن الوجوب. قبل أن يأتي بالحكم، فهناك صورةٌ ذهنية تتكوَّن في الذهن تختلف عن الصُّورَة الذِّهْنِيَّة لـ«أحد العلماء»، وهل هَاتَانِ الصُّورَتَانِ هي صورة «مجموع العلماء» نفسها، أو أن هناك صور ثلاث.

 فمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ الصُّورَة الَّتي تتكَوَّن في الذِّهْن من «جميع العلماء» هي صورة استغراقيّة، أي: صورة الأفراد العديدين بما هم عديدون، وهي تختلف عن الصُّورَة الذِّهْنِيَّة الَّتي تأتي إلى الذِّهْن عند سماع «أحد العلماء» فهي صورة فردٍ واحد من هؤلاء الأفراد العديدين، كما أن الصُّورَة الثَّالثة الَّتي تتكَوَّن في الذِّهْن عند سماع «مجموع العلماء» عبارة عن صورة المجموع المركب من هذه الأفراد.

 فالاستغراقيّة والبدليّة والمجموعيّة تعبِّر عن صُوَرٍ ذهنيةٍ ثلاثٍ للعموم ينسجها ذهن المتكلِّم وَفقاً لغرضه، وتمهيداً لجعل الحكم المناسب عليها. إذن هي حالاتٌ مختلفة للعموم في مرحلة سابقة على طُروّ الحكم وقبل أن يُحكم بحكم كما إذا كان الكلام خالياً من الحكم أساساً. فالعموم نفسه له ثلاثة أنحاء وذلك قبل تعلّق الحكم به (في مرحلة المدلول التَّصوُّريّ).

النَّظريّة الثَّانية: وهي عبارة عمَّا ذكره المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ رحمه الله حيث فصَّل بين الفارق الموجود بين العمومِ الْبَدَلِيّ وبين قَسِيمَيْهِ، وبين الفارق الموجود بين العموم الْمَجْمُوعِيّ والعموم الاستغراقيّ، فإِنَّه رحمه الله بعد أن وافَقَ على كلام أستاذه المُحَقِّق الخُراسانيّ في القول بأن الفرق والمائز بين هذه الأقسام خارج عن العموم نفسه. ثم بعد ذلك حاول أن يفرّق بين العموم الْبَدَلِيّ وقسيميه (الْمَجْمُوعِيّ والاستغراقيّ) قائلاً: إن هذا الفرق ناشئ من خصوصيّةٍ في مدخول أداة العموم. وذلك بأَنَّ مدخول أداة العموم إن كان نكرةً ومُنَوَّناً بتنوين التَّنْكير فلا محالة يكون العمومُ بَدَلِيّاً؛ لأَنَّ النَّكِرَةَ يستحيل انطباقها على أفرادها واستيعابها لأفرادها في عَرض واحد؛ فَإِنَّهَا لا تقبل الاستيعاب العَرضيّ، بينما العموم الْمَجْمُوعِيّ استيعاب عَرضِيّ، وكذلك العموم الاستغراقيّ. وهذا لا يناسب النَّكِرَة؛ إعداد وتقرير: الشيخ محسن الطهراني عفي عنه وذلك لأَنَّهَا مُنَوَّنَة بتنوين التَّنْكِير وهو يفيد قيد الوحدة على البدل. فمتى ما كان مدخول أداة العموم نكرة منوناً بتنوين التَّنْكِير فحيث هذا التَّنْوِين يفيد الوحدة، فهذه النَّكِرَة لا يمكن تستوعب كل أفرادها في عَرض واحد، بل تستوعب جميع أفرادها على البدل.

 أما إذا كان مدخول أداة العموم اسم جنس ولم يكن نكرةً بل كان مُنَوَّناً بتنوين التَّمْكِين، فالعموم ليس بَدَلِيّاً (أمّا أَنَّهُ مجموعيّ أو استغراقيّ فهذا سيأتي، والمُهِمّ أَنَّهُ ليس بَدَلِيّاً)؛ وذلك لأَنَّ انطباق اسم الجنس على أفراده واستيعابه لأفراده استيعابٌ عَرضِيّ وليس على سبيل البدل؛ لأَنَّهُ لا يوجد فيه قيد الوحدة؛ وذلك لأَنَّهُ لا يوجد فيه تنوين التَّنْكِير.

 وحينئِذٍ تارةً يكون الحكم الَّذي تعلّق بهذا العامّ حكماً واحداً ثابتاً للمجموع فيكون العامّ مجموعيّاً وأخرى يكون الحكم عبارة عن أحكام متعدّدة بعدد الأفراد فيكون العامّ استغراقيّاً.

 فتحصل أَنَّهُ من وجهة نظر الْعِرَاقِيّ رحمه الله يكون الفرق بين العموم الْبَدَلِيّ وبين قسيميه هو من ناحية مدخول أداة العموم.

 وحينئِذٍ إذا كان اسم الجنس ولم يكن بَدَلِيّاً فهنا لأجل معرفة أَنَّهُ مجموعيّ أو استغراقيّ علينا أن ننظر إلى كيفية تعلّق الحكم بالعامّ، وهي المسألة الَّتي ذكرها الآخوند، أما في مقام التَّفْرِقَة بين العموم الْبَدَلِيّ وغير الْبَدَلِيّ لا يقبل الْعِرَاقِيّ ما قاله الآخوند من أن كيفيَّة تعلّق الحكم بالعامّ يُنتج الْبَدَلِيَّة أو غير الْبَدَلِيَّة.

 وقبل البَدء بمناقشة هذه النَّظريّة نُؤَكِّد هنا أيضاً على ما أكّدنا عليه عند دراستنا لِلنَّظَرِيَّة السَّابِقَة، وهو أن هذه الخصوصية الَّتي يقول بها المُحَقِّق العراقي رحمه الله وهي خصوصيّة أن مدخول أداة العموم نكرة أو اسم الجنس؟ والخصوصية الَّتي كان يقول بها الآخوند وهي خصوصيّة تعلّق الحكم بالعام، والخصوصية الَّتي يقول بها المشهور (لعلّه المشهور) بأَنَّهُ نفس العموم، كل هذه الأمور لا يهمنا هنا. أي: سواء كان المائز بين هذه الأقسام الثَّلاثة كان كامناً في نفس العموم (كما لعلّه المشهور) أو كان هذا المائز كامناً في خصوصيّة في مدخول أداة العموم (كما يقول الْعِرَاقِيّ رحمه الله بالنسبة إلى الْبَدَلِيّ وغير الْبَدَلِيّ) أو كان هذا المائز ناشئاً من خصوصيّة في تعلّق الحكم بالعامّ (كما يقوله الخُراسانيّ)، على أي حال لطالما لدينا ثلاثة أنحاء من العموم في الخارج، إذن من حَقِنا أن نبحث عن أنَّ الكلمة الفُلانيّة أو الأداة الفُلانيّة هل تدلّ في لغة العرب على هذا القسم أو ذاك القسم أو القسم الثَّالث.

 فمثلاً إن هيئة تقدّم الحكم على الموضوع وُضعت لغةً لإفادة الحصر (لإفادة أن هذا الحكم محصور بهذا الموضوع)، مع أَنَّهُ لا فرق ذاتيّ بين هذا الموضوع الَّذي انحصر الحكم فيه وبين أي موضوع آخر لم يُحصر فيه الحكم. كما لا فرق ذاتيّ بين «المسند إليه» الَّذي تقدّم عليه «المسند» وبين «المسند إليه» الَّذي تأخر عنه «المسند». ولكن مع ذلك يمكن أن توضع في اللُّغَة كلمة أو هيئة خاصّة (تقدّم ما حقّه التأخير) لإفادة حصر الحكم بهذا الموضوع. فلتكن أدوات العموم هكذا أيضاً. أي: نقول انقسام العموم إلى بدليّ وغير بدليّ حتى لو افترضناه كما افترضه العراقي رحمه الله بأن هذا الانقسام ليس ذاتيّاً، بل هو ناشئ من كون مدخول أداة العموم نكرةً أو اسم جنس، ولكن يبقى السؤال بأَنَّهُ كيف نميّز بين اسم الجنس والنكرة؟ فإن «رجلاً» النَّكِرَة لا تختلف عن «رجلاً» الَّتي تنوينها لاسم الجنس، فإن كلاهما «رجلٌ»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo