< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

32/06/21

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: العامّ /دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

 كُنَّا نتحدث عن كيفيَّة دلالة الْجَمْعِ الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ على العموم ثبوتاً، وذكرنا أَنَّنَا تارةً نتكلّم بناءًا على تعريف الخُراسانيّ للعموم، وأخرى بناءًا على التَّعْرِيف المختار. أَمَّا بناءًا على تعريف الخُراسانيّ المتقدّم فذكرنا فرضين تقدّم أولهما (وهو أن نفترض أن هيئة الجمع تَدُلّ على معنىً اسمي ويكون هو العامّ المستوعب لأفراد نفسه)، ووصلنا إلى الفرض الثَّانِي: وهو أَنْ تَكُونَ هيئة الجمع دالَّة على معنى حرفي ونسبي قائم بمدلول مادّة الجمع (وهي طَبِيعِيّ العالم) وبأفراد هذا الْمَدْلُول. وهو عبارة عن تعدّد تلك الأفراد تعدّداً نسبياً وَرَبْطِيّاً كسائر الهيئات.

 وعليه، فَسَوْفَ يكون الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ المستوعِب لأفراد نفسه عبارة عن مدلول الْمَادَّة (وهو طَبِيعِيّ العالم)، فهذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ المستوعب يكون هو العامّ والمستوعِب، وتكون هيئة الجمع دالَّة على تعدّد أفراد هذا الْمَفْهُوم تعددا نِسْبِيّاً وَرَبْطِيّاً. وبما أن اللاَّم حرف يَدُلّ على معنى حرفي كسائر الحروف، فيلزم فِي المقام اجتماع معنيين حرفيين على هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ الْمَدْلُول لِلْمَادَّة. وحينئِذٍ كيف نتصور استيعاب هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ لأفراد نفسه مع وجود هذين الحرفين «الهيئة» و«اللاَّم». ويمكن تصويره بعِدَّة أنحاء:

النَّحْو الأوّل: أن يقال بأن لكل منهما معنىً حرفيّاً خاصّاً به فِي قِبَال الآخر، وكلا المعنيين الحرفيين طارئ على هذا المعنى الاِسْمِيّ ويدلّ كل من الهيئة وَاللاَّم على استيعاب (بنحو المعنى الْحَرْفِيّ) هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ لأفراد نفسه. غَايَة الأَمْرِ أَنَّ الهيئة تَدُلّ على استيعاب هذا الْمَفْهُوم (= مدلول الْمَادَّة) ثلاثةً فصاعداً من أفراد نفسه مِنْ دُونِ تعيين. فالاستيعاب الْمُسْتَفَاد من الهيئة استيعاب ناقص، أَمَّا اللاَّم فَتَدُلُّ على استيعابِ هذا الْمَفْهُوم لأفراد نفسه استيعاباً مع تعيين، والتعيين لا يكون ولا يَتُمّ إلاَّ بالمرتبة الَّتي تندرج تحتها كل المراتب، وهذه المرتبة هي المرتبة العليا والأخيرة من مراتب الجمع. فلو أريد من العلماء تسعين فليس التسعين مُعَيَّناً، فيتصور فيه عدّة تسعينات، ولكن المائة لا تكون مردّدة، فلا توجد فِي المائة إلاَّ مائة واحدة.

ويرد عليه أَنَّهُ لو كان الأمر كذلك فالاستيعاب الأوّل زائد فِي الصُّورَة الذِّهْنِيَّة عند سَمَاع الجمع المُحَلَّى بِاللاَّم؛ لأَنَّهُ استيعاب ناقص، فنحن لا نفهم إلاَّ استيعاباً واحداً وافتراض أن هذه الكلمة تَدُلّ على استيعاب كامل وعلى استيعاب ناقص ما لا نتعقّله، بعد أن افترضنا أنّ اللاَّم تَدُلّ على استيعاب كامل.

النَّحْو الثَّانِي: أن يفترض أن اللاَّم والهيئة بمجموعهما يَدُلاَّنِ على استيعاب هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ (أي: مدلول الْمَادَّة) لأفراد نفسه (طبعاً استيعاباً بنحو المعنى الْحَرْفِيّ)، فلا يُفترض فِي هذا النَّحْو وجود اِسْتِيعَابَيْنِ (يُستفاد أحدهما من الهيئة والآخر من اللاَّم، كما كُنَّا نفترض فِي الفرض الأوّل) وإنَّما يُفترض فِي هذا النَّحْو أن هناك استيعاباً واحداً بنحو المعنى الْحَرْفِيّ وهذا الاستيعاب مستفاد من مجموع الهيئة وَاللاَّم معاً، فلا يأتي إِشْكَال وجود شيء زائد.

ويرد عليه بأَنَّهُ يَسْتَلْزِم تعدّد الوضع فِي هيئة الجمع، أي: يلزم منه أن نقول: «هيئة الجمع» وضعت مرتين: مرّةً وضعت للمساهمة مع اللاَّم فِي إفادة هذا الاستيعاب الَّذي قلتموه، كما أنَّها وضعت (فِي اللُّغَة الْعَرَبِيَّة) مرّةً أخرى هيئة الجمع مِنْ دُونِ اللاَّم (علماء مِنْ دُونِ العلماء) لمعنىً آخر، وهذا يعني أن مدلول هيئة الجمع فِي موارد دخول اللاَّم عليها (أي: فِي موارد الجمع المُحَلَّى بِاللاَّم) يختلف وَضْعاً عن موارد هيئة الجمع مِنْ دُونِ اللاَّم، يعني يختلف معنى هيئة الجمع فِي «العلماء» عن معنى هيئة الجمع في «علماء». بينما معنى «العلماء» فِي الجمع المحلى بِاللاَّم ومعنى «علماء» فِي الجمع غير المحلى بِاللاَّم واحد، وَالتَّغَايُر فِي معنييهما خلاف المرتكز الْعُرْفِيّ؛ لأَنَّ العرف يفهم أن الهيئة الموجودة فِي «العلماء» هي نفس الهيئة الموجودة فِي «علماء».

النَّحْو الثَّالث: أن يقال إن لكل من الهيئة وَاللاَّم معنىً حرفيّاً يختصّ به فِي قِبَال الآخر، وكلا المعنيين طارئ على هذا المعنى الاِسْمِيّ (أي: مدلول الْمَادَّة) - كالنحو الأوّل - لكن طرآ على الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ لا فِي عَرض واحد، بل وردا (أي: هذين المعنيين الحرفيين) على المعنى الاِسْمِيّ بنحو الطُّولِيَّة؛ كما أن نفس الحرفين (الهيئة وَاللاَّم) طُولِيَّانِ أيضاً بحسب التنسيق الحرفي، باعتبار أن الهيئة طرأت على الْمَادَّة أوَّلاً وفي طول ذلك وردت اللاَّم على الهيئة. وذلك بأن نَقُول: إِنَّ الهيئة دَلَّتْ على معنىً حرفي وهو عبارة ما لا يقل عن ثلاثة من أفراد العالم. وفي طول هذا المعنى دَلَّتْ اللاَّم على معنىً حرفي هو استيعاب الْمَادَّة الَّتي لا يقل أفرادها عن ثلاثة استيعابها لتمام الأفراد. أي: هناك نسبة استيعابيّة لا تقل عن كونها ثلاثية بين الْمَادَّة والأفراد دَلَّتْ الهيئة على هذه النِّسْبَة. وهناك نسبة استيعابية بين هذه الْمَادَّة بهذا الوصف (الَّذي ذكرناه الَّتي تستوعب استيعاباً لا يقل عن ثلاثة) وبين تمام أفراد الْمَادَّة، وهي نسبة استيعابيّة تَدُلّ عليها اللاَّم. فهذا تصوير ثالث لكيفية استيعاب مدلول الْمَادَّة من خلال هذين الحرفين.

 يبقى أَنَّهُ كيف تَدُلّ اللاَّم الداخلة على الهيئة على استيعاب هذه الْمَادَّة الَّتي لا يقل أفرادها عن ثلاثة استيعاباً لتمام الأفراد؟!

الجواب: يمكن أن يكون بأحد الأنحاء المتقدّمة فِي الفرض السَّابِقَ (أَنْ تَكُونَ هيئة الجمع دالَّة على معنى اسمي رأساً) بالأَمْسِ؛ لأَنَّ الْمَادَّة بعد أن تدخل عليها هيئة الجمع تأخذ معنى الهيئة وتمتصّه، فَيَكُونُ معنى الْمَادَّة معنىً مطعّماً بالجمع، وَالَّذِي عبرنا عنه بالأَمْسِ بعِدَّة تعابير مثل عنوان «ما لا يقل عن ثلاثة» ثم تدخل اللاَّم فتأتي تلك الوجوه الَّتي تقدمت بالأَمْسِ لكيفية دلالة اللاَّم على استيعاب هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ المطعَّم بالجمع لتمام أفراد نفسه.

 وبهذا تَمَّ الكلام بناءًا على تعريف الخُراسانيّ للعموم. وعلى كل حال إذا أمكن تصوير دلالة الْجَمْع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ على العموم ثبوتاً بناءًا على تعريف الآخوند أو لم يمكن، فالخَطْب هيّن لأَنَّنا أنكرنا أصل تعريف الآخوند للعموم ولم نرتضه، فَيَكُونُ المبنى غير تامّ.

 نأتي إلى الكلام بناءًا على التَّعْرِيف الصَّحِيح المختار للعموم حيث عرّفنا العموم خلافاً للآخوند الَّذي عرفه بأَنَّهُ «شمول الْمَفْهُوم لمصاديق نفسه» حيث عرّفناه بأَنَّهُ «استيعاب مفهوم لأفراد مفهوم آخر، إما ذاتاً أو عن طريق دالّ من الدوال»، وذكرنا لكل مثالاً. هذا هو التَّعْرِيف الصَّحِيح للعموم وقد تقدّم شرحه هناك.

 فبناءًا على هذا التَّعْرِيف نأتي إلى الجمع المحلى بِاللاَّم فنكون بحاجة إلى مفهومين اسميين يكون أحدهما مستوعِباً ويكون الآخر مستوعَباً؛ لأَنَّ العموم عندنا عبارة عن استيعاب مفهوم لأفراد مفهوم آخر. فلا بُدَّ من وجود دالّ لكل من الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ المستوعِب والمفهوم الاِسْمِيّ المستوعَب ولا بُدَّ من وجود دالّ ثالث يَدُلّ عَلَى النِّسْبَةِ الاستيعابية بين هذين المفهومين.

الجواب: يمكن أن نصور وجود هذه الدوال الثَّلاث فِي الجمع المحلى بِاللاَّم. فالدال الأوّل (المستوعِب) هو هيئة الجمع حيث أنَّها تَدُلّ على معنى اسمي وهذا المعنى الاِسْمِيّ عبارة عن مرتبة من العدد لا تقل عن ثلاثة من أفراد الْمَادَّة، وذلك بناءًا على ما اخترناه فِي بحث المشتقّ حيث قلنا هناك إن هيئة المشتقّ مع أنَّها هيئة لٰكِنَّهَٰا تَدُلّ على معنىً اسمي (هيئة «العالم») وهذا المعنى الاِسْمِيّ عبارة عن «ذات لها العلم» (ذات لها المبدأ)، لأَنَّ المشتقّ يمتاز على غيره (كما شرحنا هناك مفصَّلاً) بحمله على الذّات (ويقال: «زيد عالم»)، والشرط الأساسي للحمل هو الاِتِّحَاد فِي الوجود، فلا بُدَّ من أن يكون مدلول هيئة المشتقّ مُطَعَّمة بالذّات؟ وإلا إذا لم يؤخذ عنصر الذّات فِي مفهوم المشتقّ كيف يتحد العالم مع زيد؟!

 هذا ما تقدّم مفصَّلاً على أن كانت النَّتِيجَة هي أن هيئة المشتقّ تَدُلّ على معنى اسمي؛ لأَنَّهَا تحمل على الذّات، بخلاف سائر الهيئات حيث لا تُحمل مداليلُها على الذّات.

 فبناءًا على هذا المبنى تكون هيئة العلماء دالَّة على ذوات لا تقلّ عن ثلاثة لها العلم. كما أن هيئة «العالم» تَدُلّ على «ذات لها العلم» تَدُلّ هيئة «العلماء» على «ذوات لا تقل عن ثلاثة لها العلم».

 فالدال الأوّل الَّذي يَدُلّ على مفهوم المستوعِب عبارة عن هيئة الجمع.

 والدّال الثَّانِي الذي يَدُلّ على مفهوم المستوعَب عبارة عن مادّة الجمع (العالم).

 يبقى الدَّالّ الثَّالث الَّذي يَدُلّ على استيعاب هذا الْمَفْهُوم الأوّل لأفراد الْمَفْهُوم الثَّانِي، وهذا الدَّالّ الثَّالث هو «اللاَّم» طبعاً استيعاب بنحو المعنى الْحَرْفِيّ. أي: نسبة استيعابية بين تلك المرتبة الَّتي لا تقل عن ثلاثة من أفراد العالم وبين جميع أفراد العالم.

 بعبارة أخرى: اللاَّم تَدُلّ على تعيين المرتبة فِي المرتبة العليا من العدد (أي: المائة مثلاً)، فالاستيعاب فِي المقام فِي الجمع المحلى بِاللاَّم بحاجة إلى دوال ثلاثة:

 1- دالّ يَدُلّ على مفهوم المستوعِب.

 2- دالّ يَدُلّ على مفهوم المستوعَب.

 3- دالّ يَدُلّ على الاستيعاب.

 وبهذا يختلف الْجَمْع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ عن كلمة «كُلٍّ»، حيث لم يكن الاستيعاب فِي كلمة «كُلٍّ» بحاجة إلى دوال ثلاثة، بل كان بحاجة إلى دَالَّيْنِ هما الأداة (وهي كلمة «كُلٍّ») والآخر مدخول الأداة (وهو «العالم»). فكانت كلمة «كُلٍّ» تَدُلّ على معنىً اسمي مستوعِب باعتبارها من الأسماء، والمدخول كان هو المستوعَب. فكلمة «كلٍّ» هناك كانت تَدُلّ ذاتاً على الاستيعاب. وهذا معنى قولنا: «استيعاب مفهوم لأفراد مفهوم آخر، إما ذاتاً أو عن طريق دالّ من الدوال». ذاتاً كما فِي كلمة «كُلٍّ» وبدال آخر مثل هيئة الجمع حيث لا تَدُلّ ذاتاً على استيعاب كل الأفراد؛ لأَنَّ اللاَّم للتعيين، والمرتبة الوحيدة المعيَّنة هي المرتبة الأخيرة (أي: المائة)، فَيَكُونُ الاستيعاب من خلال دالّ وهو اللاَّم.

 هذا تمام الكلام فِي الجهة الأولى من جهات البحث فِي الجمع المحلى بِاللاَّم، وهو البحث عن تصوير دلالة الجمع المحلى بِاللاَّم على العموم، وقد عرفنا بأَنَّهُ يمكن تصوير دلالة الجمع المحلى بِاللاَّم على العموم ثبوتاً (بأن تَدُلّ هيئة الجمع على المفهوم المستوعِب وتدلّ مادّة الجمع على الْمَفْهُوم المستوعَب وتدلّ اللاَّم على استيعاب ذاك الأوّل لتمام أفراد هذا الثاني).

 أَمَّا إثباتاً فهذا ما سيأتي فِي البحث الثَّانِي إن شاء اللٰه تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo