< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

32/11/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: النَّكِرَة الواقعة فِي سياق النَّهي أو النفي/ألفاظ العموم /العامّ /دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 توضيح كلام المُحَقِّق الخُراسانيّ الَّذي نقلناه بالأَمْسِ حول أسماء الأعداد هو أن المقياس فِي كون شيء مصداقاً وفردا للعامّ عبارة عن أن صدق العامّ بما له من مفهوم عَلَىٰ ذاك الشَّيْء. فعلى سبيل المثال إن المقياس فِي كون زيدٍ فرداً من أفراد الإنسان هو أن كلمة الإنسان (وهي العامّ) بما لها من مفهوم تصدق عَلَىٰ زيد، بأَنَّهُ متى ما كان هكذا فحينئذٍ ذاك الفرد يُعتبر فرداً ومصداقاً لذاك العامّ؛ لأَنَّ العامّ بما له من مفهوم يصدق عليه. أَمَّا إذا لم يكن هكذا فلا يكون ذاك الشَّيْء فرداً للعامّ. وكذلك الأمر فِي المقام (أي: فِي أسماء الأعداد)؛ فَإِنَّ مفهوم العشرة بما هو مفهوم لا يصدق عَلَىٰ كل واحد واحدٍ من الآحاد المندرجة تحتها ولا يستوعب أجزاء نفسه؛ إِذْ أَنَّ تلك الآحاد ليست أفراداً لها بل هي أجزاؤها المندرجة تحتها.
 فحاصل جواب المُحَقِّق الخُراسانيّ عن توهّم كون اسم العدد من ألفاظ العموم هو أن العموم عبارة عن استيعاب الأفراد، بينما الوحدات المندرجة تحت اسم العدد (كالعشرة) ليست أفراداً للعشرة، وإنَّما هي أجزاؤها.
 فالاستيعاب فِي أسماء الأعداد عبارة عن استيعاب مفهوم لأجزاء نفسه، بينما العموم عبارة عن استيعاب مفهوم لأفراده ومصاديقه.
 ومن الطَّبِيعِيّ أَنَّنَا نرفض هذا الجواب الآخوندي لما سبق منَّا فِي العامّ الماضي عند دراستنا لكلمة «كُلٍّ» أنَّ الاستيعاب تارةً يكون «استيعاباً أَفْرَادِيّاً» وذلك عند دخول «كُلّ» عَلَىٰ النَّكِرَة مثل «أكرم كل إنسان»، بينما «كُلّ» نفسها عندما تدخل عَلَىٰ المعرفة تفيد الاستيعاب الأَجْزَائِيّ مثل «اقرأ كل الكتاب».
 فكأنَّ الخُراسانيّ يريد أن يقول: إن اسم العدد تارةً يُلحظ بما هو مضاف إلى طبيعة من الطَّبَائِع (إلى كلي طَبِيعِيّ) مثل «مائة عالم» حيث أن «المائة» اسم عددٍ أضيف إلى «العالم»، وأخرى نتكلّم عن اسم العدد بالقياس إلى أجزاء نفسه مثل «المائة» حَيْث أَنَّ هناك أجزاءً تحت المائة صيّرتها مائة.
 أَمَّا فِي القسم الأوّل (أكرم مائة عالم) فمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ «المائة» لا تفيد استيعاب مدخولها؛ لأَنَّ المدخول هو «عالم» وَقَدْ يَكُونُ لـ«عالم» مائة مصداق فِي مدينة قم، والمائة لا تستوعب الألف، وإنَّما تَدُلّ عَلَىٰ حصّة من المدخول (وهو الألف). إذن، إن الواضح أنّ «مائة عالم» لا تَدُلّ عَلَىٰ استيعاب تمام أفراد مدخوله؛ لأَنَّ أفراد العالم أكثر من المائة، وإنَّما يَدُلّ عَلَىٰ استيعاب مقدارٍ من أفراد مدخوله.
 وأمّا فِي القسم الثَّانِي فِي مثل «أكرم المائة» مِنْ دُونِ إضافتها إلى طبيعة من الطَّبَائِع لا يكون عدم دلالتها عَلَىٰ الاستيعاب وَاضِحاً شيئاً ما؛ لأَنَّهُ قد يقال بأن المائة تَدُلّ عَلَىٰ استيعاب جميع آحادها، وليست كـ«مائة عالم» حيث لا تستوعب «المائة» جميعَ أفراد العالم. ومن هنا يأتي هذا التوهّم القائل بأن اسم العدد من ألفاظ العموم؛ لأَنَّ أصل الشُّمُول والاستيعاب موجود نَوْعاً مّا هنا، لكن يأتي حينئذٍ جواب الخُراسانيّ بأَنَّ هناك فرقاً بين أداة العموم وبين اسم العدد، حيث تقتضي أداة العموم استيعابَ الْمَفْهُوم لأفراده، بينما اسم العدد لا يقتضي غير استيعاب الْمَفْهُوم لأجزائه، وهذا لَيْسَ هو العموم المصطلح. ولكننا لم نرتض هذا الجواب لأَنَّ الاستيعاب أفرادي وأجزائي، ولا نعتبر استيعاب مفهومٍ لأجزائه خارجاً عن العموم.
 الجواب الصَّحِيح هو أَنَّنَا:
 تارةً

نبني عَلَىٰ التَّعْرِيف المختار عن العموم فِي بداية البحث عن العموم حيث قلنا بأَنَّهُ عبارة عن استيعاب مفهومٍ وَضْعاً لمفهومٍ آخر، فلا بُدَّ من مفهومين فِي باب العموم أحدهما مستوعِب والآخر مستوعَب، كما لا بُدَّ من دالّ عَلَىٰ أن هذا الْمَفْهُوم الأوّل يستوعب ذاك الْمَفْهُوم الثَّانِي ولا بُدَّ أن يكون هذا الاستيعاب بالوضع، لا بقرينة الحِكْمَة أو بشيء آخر. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. غاية الأمر، إن استيعاب مفهومٍ لمفهوم آخر تارةً يكون ذاتاً، أي: ذاتاً يستوعب مفهوم مفهوماً آخر بالوضع، كما فِي «كُلٍّ» وكلمة «جميع»؛ فإن مفهوم «كُلٍّ» يستوعب مفهوم مدخوله (كعالمٍ أو أي شيء آخر كان هو مدخوله) ومفهومُ مدخوله هو المستوعَب، وهذا الاستيعاب وَضْعِيّ و«كُلّ» ذاتاً يستوعب مدخوله ولا يحتاج إلى واسطة وأداة للاستيعاب.
 وأخرى

: يستوعب مفهومٌ مفهوماً آخر بدالٍ كما فِي «العلماء» (وهو الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ حسب ما صوّرناه فِي العامّ الماضي ثبوتاً وإن لم نقبل أن الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ وُضع إثباتاً للعموم، لكن ثبوتاً تعقلنا وتصورنا أن بالإمكان أن يوضع مِن قِبَلِ الواضع الجمعُ الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ بالنحو الَّذي يَدُلّ عَلَىٰ العموم بمعناه المصطلح الأُصُولِيّ وذلك بأن نفترض أن مفهوم هيئة الجمع هو المستوعِب ومفهوم مادّة الجمع هو المستوعَب، والدّال عَلَىٰ أن الأوّل يستوعب الثَّانِي هو «اللاَّم» (أي: وضعت «اللاَّم» لُغَةً للدِّلالة عَلَىٰ أن مفهومَ هيئة الجمع مستوعب لمادّة الجمع؛ فإن معنى هيئة العلماء عبارة عن الجماعة الَّتي لا تقل عن ثلاثة، ومعنى مادّة الجمع عبارة عن «العالم»؛ فاللام تَدُلّ عَلَىٰ أن تلك الجماعة الَّتي لا تقل عن ثلاثة مستوعِبة لأفراد «عالم»)، وهذا يصبح من القسم الثَّانِي، فإن هناك مفهوماً استوعب مفهوماً آخر، لٰكِنَّهُ استوعبه لا ذاتاً، بل بدال آخر هو «اللاَّم»، بخلاف «كُلٍّ» حيث أنَّها لا تحتاج إلى دالّ وإنَّما هي تَدُلّ ذاتاً عَلَىٰ استيعاب مدخوله.
 بناء عَلَىٰ هذا التَّعْرِيف الَّذي هو الصَّحِيح فمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ اسم العدد لَيْسَ من ألفاظ العموم؛ لأَنَّ اسم العدد لا يستوعب مفهوماً آخر أساساً، سواء لاحظناه بما هو مضاف إلى طبيعة من الطَّبَائِع (أكرم مائة عالم، حَيْث أَنَّ كلمة «مائة» لا تستوعب جميع أفراد العالم، فلا يوجد فِي الْبَين استيعاب لمفهوم آخر، المائة لم تستوعب مفهومَ «عالم») أم لاحظنا اسمَ العدد مضافاً إلى وحدات نفسه ولم نقل: «مائة عالم» بل قلنا «مائة»؛ فهنا أيضاً لا يستوعِب اسم العدد مفهوماً آخر، بل تَدُلّ «المائة» عَلَىٰ استيعاب أجزاء نفسه. إذن، بناء عَلَىٰ التَّعْرِيف المختار للعموم لا يمكن اعتبار اسم العدد من ألفاظ العموم.
 أَمَّا بناء عَلَىٰ تعريف الخُراسانيّ عن العموم فأيضاً يمكننا أن نجيب عن التوهّم فِي المقام ونقول بأن أسماء الأعداد ليست من ألفاظ العموم، وذلك لأَنَّهَا لا تَدُلّ عَلَىٰ الاستيعاب أصلاً، وإنَّما هي موضوعة لمعانٍ ومفاهيم مركبة (وهي الأعداد) من أجزاء، سواء قلنا بأنها مركبة تركيباً حقيقيّاً كما يقوله الفلاسفة حيث أنهم يعتبرون الأعداد من المركبات الحقيقيَّة( [1] ) وسواء نعتبره مفهوماً انتزاعياً، لا مجال لأَنَّ يتصوّر شخص بأنها من العموم؛ لأَنَّ الْمَفْهُوم المركب وإن كان مستوعِباً لأجزائه لكن هذا الاستيعاب من خواصّه وآثاره التَّكْوِينِيَّة الواقعية، لا أنَّ هذا الاستيعاب داخل فِي نفس مفهوم اللَّفظ. وعلى سبيل المثال إن لفظ «العشرة» لا يَدُلّ بِالدِّلاَلَةِ اللَّفظيَّة عَلَىٰ استيعاب الآحاد المندرجة تحتها، بل إِنَّها تَدُلّ عَلَىٰ مفهوم مركب من عشرة أجزاء، من خواص هذا المركب أن يكون واجداً لأجزائه، من قبيل لفظ «الكتاب» الْمَوْضُوع لهذا الموجود الخارجيّ المركب من صفحات وأوراق وفصول، ومن الطَّبِيعِيّ أن يستوعب هذا الْمَوْضُوع الخارجيّ المركب تلك الصفحات والأوراق والفصول. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. ومن هنا لم يتخيّل أحد أن من لفظ «الكتاب» من ألفاظ العموم، وكذلك لفظ «الدار» الَّذي يستوعب أجزاءه كالغرف والمطبخ والسطح والسرداب، لكن لفظ «الدار» لا يَدُلّ عَلَىٰ الاستيعاب بِالدِّلاَلَةِ اللَّفظيَّة، فلا يمكن أن نعتبره من ألفاظ العموم؛ لأَنَّ الدِّلاَلَة عَلَىٰ الاستيعاب ليست دلالة أساساً، وإنَّما الاستيعاب خاصية تَكْوِينِيَّة للدار، والدار لا تكون داراً إلاَّ إذا كانت واجدةً لمرافقها، وكذلك الكتاب لا يكون كتاباً إلاَّ إذا كان واجداً لأجزائه. وهذا بخلاف ألفاظ العموم وأدوات العموم؛ فإن لفظ «كُلٍّ» مثلاً الَّذي نعتبره من ألفاظ العموم وضع فِي اللُّغَة لكي يَدُلّ عَلَىٰ الاستيعاب، بحيث إذا جرّدنا مفهوم كل من الاستيعاب لا يبقى لِلَّفْظِ «كُلٍّ» مفهوماً.
 أَمَّا هنا فِي كلمة «عشرة» و«مائة» و«ألف» فحالها حال سائر الألفاظ الموضوعة للمركبات، فلا يمكن أن يقال إِنَّها من أدوات العموم.
 عَلَىٰ أي حال، فبناءًا عَلَىٰ مسلك الخُراسانيّ فِي تعريف العموم أيضاً يكون دفع هذا التوهّم وَاضِحاً؛ لأَنَّ الاستيعابَ الَّذي يكون عموماً - بالمعنى المصطلح - هو الثَّابِت فِي مرحلة الدِّلاَلَة اللَّفظيَّة للكلام، بينما أسماء الأعداد لا تَدُلّ بِالدِّلاَلَةِ اللَّفظيَّة عَلَىٰ الاستيعاب، نعم إِنَّها تَدُلّ بِالدِّلاَلَةِ الْعَقْلِيَّة والواقعية عَلَىٰ استيعاب أجزائها تَكْوِيناً وواقعاً.
 وبعبارة أوضح وأصرح: الاستيعاب حكم واقعي وخاصية تَكْوِينِيَّة للعدد، وليس مدلولاً لِلَفْظِ «العشرة» (بأن تستوعب الكلمةُ أجزاءها أو آحادها)، ولذا لا يصدق عليها مفهوم العموم.
 هذا تمام الكلام فِي أسماء الأعداد وقد اتَّضَحَ أنَّها لا تَدُلّ عَلَىٰ العموم وبهذا تَمَّ الكلام فِي الجهة الثَّالثة من جهات البحث عن العامّ؛ فَإِنَّنَا ذكرنا فِي بداية البحث عن العامّ فِي العامّ الماضي أَنَّنَا ندرس العامّ فِي ثلاث جهات:
 الجهة الأولى: فِي تعريف العموم.
 الجهة الثَّانية: فِي أقسام العموم.
 الجهة الثَّالثة: فِي ألفاظ العموم.
 وتناولنا فِي الجهة الثَّالثة كلمةَ «كلّ» ثم «الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ» ثم «النَّكِرَة الواقعة فِي سياق النَّفْي أو النَّهْي» وأخيراً درسنا «أسماء الأعداد». وبهذا تَمَّ الحديث عن العامّ، وهو البحث الرَّابع والعشرون من بحوث دلالات الدَّلِيل الشَّرْعِيّ اللَّفظيّ، وبعد ذلك إن شاء اللٰه ننتقل إلى البحث الخامس والعشرون من تلك البحوث وهو الأخير فِي سلسلة البحوث عن دلالات الدَّلِيل الشَّرْعِيّ اللَّفظيّ عَلَىٰ أن ننتقل بعد «الإِطْلاَق» من تلك الدلالات وهو بحث «المطلق»، عَلَىٰ أن ننتقل بعد الانتهاء من سلسلة البحوث عن دلالات الدَّلِيل الشَّرْعِيّ اللَّفظيّ إلى البحث عن دلالات الدَّلِيل الشَّرْعِيّ غير اللَّفظيّ كفعل المعصوم عليه السّلام وتقريره.
 وطبيعي أن نرى فِي «الكفاية» والكتبِ الأصوليةِ الأخرى السائرةِ عَلَىٰ منهاج الكفاية وكذلك فِي تقريرات بحث السيد الأستاذ الشهيد رحمه الله بحوثاً أخرى ترتبط بالخاص، ولكن حيث أَنَّنَا نمشي عَلَىٰ منهجية «حلقات فِي علم الأصول

»، وأننا قد أفرزنا بحث العامّ عن بحث الخاصّ فيما تقدّم لما قلنا من أنَّ قسماً من بحث الخاصّ يرتبط ببحث حجية الظُّهُور، كالبحث عن حجية العامّ بعد التخصيص فِي الباقي، وقسماً كبيراً آخر من تلك البحوث يرتبط ببحث التعارض كالبحث عن المخصص المتصل والمنفصل (لأَنَّه البحث يقع فِي أَنَّهُ ماذا نصنع إذا تعارض العامّ والخاص)، فمن هذا المنطلق أجلّنا تلكَ البحوث كُلاًّ إلى موقعه الخاصّ كالبحث عن حجية الظُّهُور والتعارض وغيرهما.
 إذن، فلا يقع لبس للقارئ الكريم فِي كيفيَّة تبويب البحوث والمسائل. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه.


[1] - أي: أن الفلاسفة رحمهم اللٰه يعتبرون الأعداد من مقولة الكمّ المنفصل الَّتي هي إحدى مقولات العشر الحقيقيَّة، فإن «الكَمّ» عَلَىٰ قِسْمَيْنِ: منفصل كالأعداد، ومتصل كالخط الواحد الممتد مسافة مائة متر مثلاً، ومقولة «الكَمّ» مقولة عَرضِيَّة وليست بجوهر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo