< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

32/11/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: معنى المطلق/المطلق/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 كانَ الكلامُ في معنى «المطلق» ونقصد به «اسم الجنس»، وكنا بصدد معرفة أَنَّهُ وضع لغة لأي شيء؟ قلنا بالأَمْسِ: لا شكّ فِي أن اسم الجنس لَيْسَ مَوْضُوعاً فِي اللُّغَة للماهيَّةِ الملحوظة بنحو اللِّحَاظ اللابشرط الْمَقْسَمِيّ؛ لأَنَّ ذاك جامع بين الوجودات الذِّهْنِيَّة وليس جامعاً بين الوجودات الخارجية، بينما الألفاظ توضع فِي اللُّغَة للمعاني الجامعة بين الأفراد والمصاديق الموجودة فِي الخارج. إذن، فهذا اللَّفظ لَيْسَ مَوْضُوعاً للابشرط الْمَقْسَمِيّ. كما أَنَّهُ لا إِشْكَال أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعاً للماهيَّةِ الملحوظة بشرط شيء ولا للماهيَّةِ الملحوظة بشرط لا؛ لأَنَّ كلتا هَاتَيْنِ الْمَاهِيَّتين ماهيَّة مقيَّدة، وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ اللَّفظ لَيْسَ مَوْضُوعاً فِي اللُّغَة لمعنىً مع قيدٍ؛ فَإِنَّ القيد لَيْسَ دخيلاً فِي حاقّ معنى اللَّفظ، فعلى سبيل المثال إن قيد «البلوغ» لَيْسَ دخيلاً فِي حاقّ مفهوم «البيع»، بحيث يكون مفهوم البيع عبارة عن بيع البالغ.
 إذن، بعد إبعاد اللابشرط الْمَقْسَمِيّ وإبعاد البشرط شيء والبشرط لا، يبقى عندنا شيء واحد وهو الْمَاهِيَّة الملحوظة بنحو اللابشرط الْقِسْمِيّ، فيتعين أن يكون اسم الجنس مَوْضُوعاً لها. إلى هنا واضح ولا إِشْكَال فيه ولا خلاف، إِنَّمَا الكلام والخلاف فِي أن هذه الْمَاهِيَّة اللابشرط الْقِسْمِيّ لها حدّ وقيد وقيدها الإِطْلاَق وعدم الحدّ واللابشرطية (كما تقدّم)، فهذا أيضاً داخل فِي المعنى الَّذي وضع له اسم الجنس، بحيث أن اسم الجنس مثل لفظ «البيع» أو «الإنسان» مَوْضُوع للماهيَّةِ المطلقة. وعليه فَسَوْفَ نستفيد الإِطْلاَق من اللَّفظ نفسه، ومن الدِّلاَلَة الوضعيَّة لاسم الجنس نفسها، فلا نحتاج إلى قرينة كقرينة الحِكْمَة أو غيرها لاستفادة الإِطْلاَق؛ لأَنَّ حالة الإِطْلاَق واللابشرطية داخلة فِي صميم المعنى الَّذي وضع له اسم الجنس.
 هل هكذا، أو أن اسم الجنس (الَّذي قلنا لا إِشْكَال فِي أَنَّهُ مَوْضُوع للابشرط الْقِسْمِيّ) مَوْضُوع لذات الْمَاهِيَّة المرئية برؤية اللابشرط، بحيث تكون اللابشرطية خارجة عن صميم المعنى الَّذي وضع له اسم الجنس. بناء عَلَىٰ هذا يكون اسم الجنس مَوْضُوعاً للجامع بين المطلق والْمُقَيَّد؛ لأَنَّ ذات الْمَاهِيَّة محفوظة وموجودة فِي المطلق كما أنَّها محفوظة فِي المقيَّد، وقد فرغنا أن اللَّفظ مَوْضُوع لذات الْمَاهِيَّة الملحوظة والمرئية، وذات الملحوظ والمرئي موجود فِي المطلق ومحفوظ فِي المقيَّد أيضاً، فقد تقدّم سابقاً أن الْمَاهِيَّة المرئية بالرؤية الثَّالثة نفسها جامعة بين المرئي بالرؤيتين الأوليين. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. فإذا كان اللَّفظ مَوْضُوعاً لهذا الجامع، فلا يَدُلّ اللَّفظ بنفسه عَلَىٰ الإِطْلاَق، كما لا يَدُلّ عَلَىٰ التَّقْيِيد، بل يَدُلّ عَلَىٰ ذات الْمَاهِيَّة، أَمَّا إذا أردنا أن نستفيد التَّقْيِيد فنحتاج إلى قرينة، كما أن استفادة الإِطْلاَق بحاجة إلى القرينة أيضاً. وحينئِذٍ يجب البحث عن القرينة الَّتي تساعدنا عَلَىٰ فهم الإِطْلاَق، فنضطر إلى اللجوء إلى مقدّمات الحِكْمَة.
 فذلكة الكلام هي أَنَّهُ يصحّ أن اسم الجنس مَوْضُوع للماهيَّةِ اللابشرط الْقِسْمِيّ، لٰكِنَّهُ هل هو مَوْضُوع لخصوص الْمَاهِيَّة المطلقة بحيث أن الإِطْلاَق داخل فِي المعنى الْمَوْضُوع له، أم أَنَّهُ مَوْضُوع للجامع بين المطلق والمقيَّد. والكلام فِي هذه النُّقْطَة يقع فِي مقامين:
 المقام الأوّل: فِي البحث الثُّبوتيّ حول إمكان وضع اسم الجنس لأي واحد من هذين، فهل يعقل وضع اسم الجنس لخصوص المطلق؟ وهل يمكن ثبوتاً وَعَقْلاً وضع اسم الجنس للجامع بين المطلق والْمُقَيَّد أو لا يمكن؟
 المقام الثَّانِي: فِي البحث عن الدَّلِيل الإثباتيّ لما تمخض من المقام الأوّل من إمكانية وضع اسم الجنس لخصوص المطلق أو تعقّل وضعه للجامع بينهما.
 أَمَّا المقام الأوّل: فيوجد فيه إِشْكَالاَن ثبوتيان:
 الإشكال الأوّل: حول فرضية وضع اسم الجنس لخصوص المطلق، حيث يريد أن يثبت استحالة وضعه له عقلاً، ليتعين الآخر.
 الإشكال الثاني: عَلَىٰ عكس الأوّل، فهو إِشْكَال عَلَىٰ فرضية وضع اسم الجنس للجامع بين المطلق والْمُقَيَّد، فيتعين أن يوضع لخصوص المطلق.
 أَمَّا الإشكال الثُّبوتيّ الأوّل: فهو الظَّاهِر من كلمات المُحَقِّق الخُراسانيّ، وتوضيحه هو: أن الإِطْلاَق وبعبارة أخرى اللابشرطية أو بعبارة ثالثة: عدم لحاظ القيد وجوداً وعدماً، هذا إِنَّمَا هو من القيود الثانوية؛ فقد سبق فِي المقدّمة التمهيدية أن هناك قيوداً أولية وهناك قيوداً ثانوية. وَقُلْنَا: إِنَّ القيود الأولية هي الخُصُوصِيّات الخارجية، كخصوصية العلم الموجودة فِي الإنسان العالم، أو كخصوصية فقدان العلم الموجودة الإنسان اللاعالم. والقيود الثانوية تعني الصور الذِّهْنِيَّة الَّتي هي مرآة للقيود الأولية، أي: لحاظ صفة العلم، لا العلم نفسه الموجود فِي الخارج فِي الإنسان العالم.
 فهناك قيود أولية وهي الصِّفات الخارجية الَّتي تجعل الوجودات الخارجية متقابلةً، كَمَا أَنَّ هُنَاكَ قيودات ثانوية وهي الصُّوَر الذِّهْنِيَّة الَّتي تجعل الصُّوَر الذِّهْنِيَّة متقابلة (كلحاظ شيء يعني بشرط شيء، ولحاظ عدم شيء أي: بشرط لا، وعدم اللحاظين).
 حينئذٍ يقول الخُراسانيّ إِنَّ اللابشرطية (أو الإِطْلاَق) قيد ثانوي مثل البشرط شيء والبشرط لا، فهي من شؤون اللِّحَاظ نفسه والرؤية نفسها، وليس من شؤون الملحوظ (أي: المرئي وَالْمَاهِيَّة نفسها) وهي قيد للحاظ. وحينئِذٍ إذا جعلنا هذا القيد الثانوي قيداً فِي صميم المعنى الَّذي وضع له اسم الجنس، كما هو الفرض؛ لأَنَّ هذا الإِطْلاَق كما قلنا من شؤون اللِّحَاظ، وليس من شؤون الْمَاهِيَّة، فإذا جعلنا الإِطْلاَق قيداً فِي المعنى الَّذي وضع له اسم الجنس فَسَوْفَ يصبح المعنى الَّذي وضع له اسم الجنس معنىً مقيّداً بأمر ذهني هو قيد الإِطْلاَق وقيد اللابشرطية، وهذا المعنى المقيَّد بقيد ذهني غير موجود فِي الخارج ويستحيل أن يوجَد فِي الخارج. فتصبح أسماء الأجناس موضوعةً لمعانٍ ذهنية فقط، لا تنطبق عَلَىٰ المصاديق والأفراد الخارجية؛ لأَنَّ شرط الانطباقِ والحملِ والصدقِ هو الاتحادُ فِي الوجود، وهذان غير متحدين فِي الوجود (لأَنَّ الْمَاهِيَّة المطلقة موجودة فِي الذِّهْن بينما الْمَاهِيَّة الموجودة فِي الخارج ليست مطلقة بل مقيدة بالعلم أو مقيَّدة بعدم العلم). فهذا يَدُلّ عَلَىٰ استحالة أن يكون اسم الجنس وضع لغةً لماهية مطلقة؛ لأَنَّ معنى اسم الجنس منطبق عَلَىٰ الخارج بينما الْمَاهِيَّة المطلقة بحدها الإطلاقي يمتنع انطباقها عَلَىٰ الخارج( [1] ). وإليك نص كلام الخُراسانيّ:
 «وبالجملة الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى وصرف المفهوم الغير الملحوظ معه شيء أصلا [حتى عدم لحاظ شيء] الذي هو المعنى بشرط شيء، ولو كان ذاك الشيء هو الإرسال والعموم البدلي، ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء معه الذي هو الماهية اللابشرط القسمي، وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى، بلا عناية التجريد عما هو قضية الاشتراط والتقييد فيها، كما لا يخفى، مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الأفراد، وإن كان يعم كل واحد منها بدلاً أو استيعاباً، وكذا المفهوم اللابشرط القسمي؛ فإنه كلي عقلي



لا موطن له إلا الذهن لا يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها

[أي: على الأفراد والمصاديق الخارجية]، بداهة أن مناطه [أي: مناط الصدق والانطباق هو] الاتحاد بحسب الوجود خارجاً، فكيف يمكن أن يتّحد معها [أي: مع الأفراد الخارجية] ما لا وجود له إلا ذهناً؟!»
 هذا الإشكال غير تامّ؛ لأَنَّ الإِطْلاَق واللابشرطية وإن صَحَّ أَنَّهُ قيد ثانوي ومن شؤون اللِّحَاظ نفسه ومن شؤون الصُّورَة الذِّهْنِيَّة للماهيَّةِ وليس من شؤون الْمَاهِيَّة نفسها - كما تقدّم - وإن صَحَّ أيضاً أَنَّهُ لو أخذ هذا الإِطْلاَق قيداً فِي المعنى الْمَوْضُوع له كانت النَّتِيجَة عبارة عن أن المعنى الْمَوْضُوع له عبارة عن أن المعنى الْمَوْضُوع له عبارة عن معنى ذهني، لكن مع ذلك نقول: لا مَحْذُور عقلي فِي أن نفترض أن الواضع قد وضع اسم الجنس لخصوص الْمَاهِيَّة المطلقة، وذلك بناء عَلَىٰ ما اخترناه فِي حقيقة الوضع المتقدّم قبل سنين من أن الوضع عبارة عن القرن الأكيد (الَّذي يوجِده الواضع بين اللَّفظ وبين صورة المعنى فِي الذِّهْن، بحيث يصبح اللَّفظ سبباً لإثارة صورة المعنى فِي ذهن السَّامِع) فلا مَحْذُور فِي أن يوجِد الواضع رَبْطاً سببياً بين لفظ الإنسان وبين تلك الصُّورَة المطلقة عن ماهيَّة الإنسان وهي الصُّورَة الثَّالثة من الصور الذِّهْنِيَّة وهي الَّتي سميناها باللابشرط الْقِسْمِيّ. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. فيأتي الواضع ويربط لفظ «الإنسان» بهذه الصُّورَة المطلقة عن ماهيَّة الإنسان، بحيث سَمَاع لفظ «الإنسان» يوجب إثارة هذه الصُّورَة الخالية عن القيد فِي الذِّهْن، وهذه الصُّورَة قابلة للحكاية عن الخارج، وهذا معنى انطباق مداليل الألفاظ عَلَىٰ مصاديقها. وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ الصُّورَة الخالية عن القيد لماهية الإنسان قابلة للحكاية عن الخارج، فينطبق مدلول اللَّفظ عَلَىٰ مصاديق وأفراده الخارجية، بلا أي مَحْذُور.
 وَالْحَاصِلُ أَنَّ وضع اسم الجنس لخصوص المطلق لا يعني أن المعنى أصبح مقيَّداً بقيد ذهني؛ لأَنَّ حقيقة الوضع عندنا إيجاد العُلقة بين اللَّفظ وصورة المعنى فِي الذِّهْن، فعندما نَقُول: إِنَّ اسم الجنس وضع للماهيَّةِ نعني أَنَّهُ وُجد ربط بين لفظ الإنسان وبين صورة ماهيَّة الثَّالثة المطلقة للإنسان فِي الذِّهْن.
 إذن فهذا الإشكال الثُّبوتيّ الأوّل حول فرضية وضع اسم الجنس لخصوص اسم الجنس، غير تامّ، بعد ذلك يجب أن ننتقل إلى الإشكال الثُّبوتيّ الثَّانِي حول الْفَرَضِيَّة الأخرى القائلة بأن اسم الجنس وضع للجامع بين المطلق والْمُقَيَّد. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه.1300 كلمة.


[1] - الخُراسانيّ، كفاية الأصول: ص 224.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo