< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/01/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: اسم الجنس/المطلق/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 كُنَّا نتحدث قبل العطلة عن المطلق (عن معنى اسم الجنس) فذكرنا فِي السِّيَاق أنّ هناك ثلاثَ نقاط لا بُدَّ من بيانها، ثم درسنا نقطتين منها وانتهينا إلى النُّقْطَة الثَّالثة حول معرفة المعنى الَّذي وضع له اسم الجنس فِي اللُّغَة:
 1- فهل وُضع لذات الطَّبِيعَة وَالْمَاهِيَّة؟ أم وُضع للماهيّة وَالطَّبِيعَة المطلقة (بأن يكون الإِطْلاَقُ دخيلاً فِي المعنى الْمَوْضُوع له). مثلاً إن لفظ «الإنسان» هل وُضع لذات ماهيَّة الإنسان وطبيعته؟ ليكون معناه عدم أخذ معنى الإِطْلاَق ولا أي قيد آخر فِي صميم المعنى الْمَوْضُوع له (بل ذات الْمَاهِيَّة هي الْمَوْضُوع له وهو الجامع بين المطلق والْمُقَيَّد)، فلا يكون الإِطْلاَقُ مدلولاً وَضْعِيّاً للكلمة، وحينئِذٍ علينا أن نلتمس الإِطْلاَق من طريق آخر غير الوضع.
 2- أم أن اللَّفظَ وُضع للماهية المطلقة بأن يَدُلّ وَضْعاً عَلَىٰ الإِطْلاَق؟ وهذا هو محلّ البحث فِي هذه النُّقْطَة.
 طبعاً قلنا: إن مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ اسم الجنس لَيْسَ مَوْضُوعاً للماهية اللابشرط الْمَقْسَمِيّ (وَالَّذِي تقدّم شرحه سابقاً)؛ لأَنَّ الْمَاهِيَّة اللابشرط الْمَقْسَمِيّ جامع بين اللحاظات الذِّهْنِيَّة (وهي 1- لحاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ و2- لحاظ بشرط لا و3- لحاظ بشرط شيء)، بينما لا تُوضع الألفاظُ للأمور الذِّهْنِيَّة بما هي ذهنية لا تنطبق عَلَىٰ الخارج كما هو شأن اللابشرط المقسمي، بل تُوضع للمعاني المنطبقة عَلَىٰ الخارج. إذن، من المقطوع به أن اسم الجنس لَيْسَ مَوْضُوعاً للابشرط الْمَقْسَمِيّ وكذلك لَيْسَ مَوْضُوعاً للماهية «بشرط شيء» ولا للماهية «بشرط لا». فعلى سبيل المثال لا يَكُونَ لفظ «الإنسان» مَوْضُوعاً لخصوص الإنسان بشرط العدالة بحيث لا يكون الإنسان الفاسق إنساناً، كما أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعاً للماهية بشرط لا أي: بشرط عدم العدالة (وهو الإنسان الفاسق)، ولا أَنَّهُ مَوْضُوع للماهية باللابشرط الْمَقْسَمِيّ، فيتعين أن يكون مَوْضُوعاً للماهية اللابشرط الْقِسْمِيّ (لا الْمَقْسَمِيّ). إلى هنا واضح ولا غبار عليه، وإِنَّمَا الكلام فِي نقطتين:
 النُّقْطَة الأولى: اسم الجنس هل هو مَوْضُوع للماهية اللابشرط الْقِسْمِيّ بحدّه (أي: مع حدّه، والحد هو اللابشرطية والإطلاق، أي: عدم لحاظ وجود القيد وعدم لحاظ عدم القيد)؟ وعليه فَسَوْفَ يكون اسم الجنس مَوْضُوعاً لِلطَّبِيعَةِ المطلقة؛ لأَنَّ الحدّ وهو الإِطْلاَق دخل فِي المعنى الْمَوْضُوع له والْمَدْلُول الوضعيّ لِلْكَلِمَةِ. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه إذن، الوضع يَدُلّ على الإِطْلاَق. أم أن اسم الجنس مَوْضُوع للماهية اللابشرط الْقِسْمِيّ لكن لا مع حدّه، بل ذات الْمَاهِيَّة الملحوظة بنحو لحاظ اللابشرطي، مِنْ دُونِ أن يكون هذا اللِّحَاظ دخيلاً فِي المعنى الْمَوْضُوع له. هذا اللِّحَاظ عبارة عن لحاظ الْمَاهِيَّة، واسم الجنس مَوْضُوع لنفس الْمَاهِيَّة، لا للماهية مع لحاظها (الَّذي هو لحاظ لا بشرطي)، أي: نفس المرئي، لا المرئي مع كيفيَّة رؤيته؛ إِذْ أَنَّ كيفيَّة الرُّؤْيَة هي الإِطْلاَق واللابشرطية عَلَىٰ ما تقدّم من أنّ رؤية الْمَاهِيَّة تَتُِمّ بإحدى الأنحاء الثَّلاثة:
 1- تارةً تَتُِمّ بكيفية إطلاقية.
 2- وأخرى تَتُِمّ بكيفية بشرط شيئية.
 3- وثالثةً تَتُِمّ بكيفية بشرط لائية.
 فهذه الأنحاء الثَّلاثة هي كَيفِيَّات لرؤية الْمَاهِيَّة، وأمّا المرئي فهو الْمَاهِيَّة. إذن، اللَّفظ مَوْضُوع لذات المرئيّ مِنْ دُونِ أَنْ تَكُونَ كيفيَّة الرُّؤْيَة دخيلةً فِي المعنى الَّذي وُضع له اسمُ الجنس.
 إذا قلنا بهذا الكلام، فمعنى ذلك أن اسم الجنس مَوْضُوع لذات الْمَاهِيَّة وهي الطَّبِيعَة الجامعة بين المطلق والْمُقَيَّد. فهذا هو محلّ الكلام، وإلا فلا إِشْكَال فِي أصل أن الْمَاهِيَّة موضوعة للابشرط الْقِسْمِيّ، وإنَّما الخلاف فِي أَنَّهُ مَوْضُوع للابشرط الْقِسْمِيّ بحدّه أو أَنَّهُ مَوْضُوع لذات الْمَاهِيَّة اللابشرط الْقِسْمِيّ مِنْ دُونِ أن يتدخل الحدّ. هنا قلنا لا بُدَّ من البحث فِي مقامين:
 المقام الأوّل: فِي البحث الثُّبوتيّ عن أَنَّهُ هل يمكن ثبوتاً وَعَقْلاً وضعُ اللَّفظ ووضع اسم الجنس للماهية المطلقة؟ وهل يمكن ثبوتاً وَعَقْلاً وضعُ اللَّفظ (= اسم الجنس) للماهية الجامعة بين المطلق والْمُقَيَّد أو أن هناك مَحْذُور عقلي؟
 المقام الثَّانِي: فِي البحث الإثباتيّ عن أَنَّهُ بعد أن ثبتت إمكانية الفرضين ثبوتاً وَعَقْلاً، فعلى أيهما يَدُلّ الدَّلِيل إثباتاً؟
 أَمَّا المقام الأوّل: فقد أسلفنا أن هناك إشكالين ثبوتيين يطرح كل واحد منهما بوجه فرض من ذينك الفرضين. الإشكال الثُّبوتيّ الأوّل هو ما طرحه صاحب الكفاية عَلَىٰ الفرض الأوّل وهو أنْ يكون اسم الجنس مَوْضُوعاً لخصوص الْمَاهِيَّة المطلقة. هذا ما طرحناه قبل العطلة وأجبنا عنه وانتهينا إلى النَّتِيجَة التالية: لا مَحْذُور ثُبُوتِيّ فِي أن يضع الواضعُ اسم الجنس لخصوص الْمَاهِيَّة المطلقة (أي: اللابشرط الْقِسْمِيّ بحدّه، بحيث يكون الإِطْلاَق دخيلاً فِي المعنى الْمَوْضُوع له).
 انتهينا إلى الإشكال الثُّبوتيّ الآخر الَّذي يواجه الفرض الآخر، وهو أنْ يكون اسم الجنس مَوْضُوعاً لذات الْمَاهِيَّة الجامعة بين المطلق والْمُقَيَّد. وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ هذا الإشكال عَلَىٰ عكس ذاك الإشكال الثُّبوتيّ، حيث أَنَّهُ يريد القول بأَنَّهُ يستحيل أن يوضع اسم الجنس للجامع بين المطلق والْمُقَيَّد؛ وذلك لأَنَّ هذا الجامع لا يمكن لحاظُه وتصوره فِي الذِّهْن بما هو جامع (أي: بحدّه) عَلَىٰ أن يأتي دليله قَرِيباً، وإذا استحال تصوّره فِي الذِّهْن استحال وضع اللَّفظ له؛ إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه لأَنَّ الوضع متوقّف عَلَىٰ أن يتصوّر الواضعُ اللَّفظَ ويتصور المعنى حتّى يمكنه أن يضع اللَّفظ له؛ لأَنَّ الوضع حكمٌ يُصدره الحاكمُ عَلَىٰ كلّ من اللَّفظ والمعنى، أَمَّا إذا كان معنى من المعاني مستحيل التَّصَوُّر إذن يستحيل وضعُ اللَّفظ له.
 يبقى عليكم أن تسألوه لماذا لا يمكن أن يتصوّر الواضع هذا الجامع بين المطلق والْمُقَيَّد بما هو جامع؟
 يقول فِي الجواب: لا يحضر هذا الجامع بحدّه (أي: بما هو جامع) إلى الذِّهْن؛ لأَنَّهُ بمجرّد أن يأتي إلى الذِّهْن إما يأتي معه قيدٌ وإما لا يأتي معه قيد، ولا يوجد شق ثالث. فعلى الأول أصبح مقيّداً وعلى الثَّانِي أضحى مطلقاً وبالتالي لم يحضر إلى الذِّهْن الجامعُ بين المطلق والْمُقَيَّد. ولطالما الجامعُ هذا لا يمكن أن يوجد فِي الذِّهْن لا فِي ضمن المطلق ولا فِي ضمن المقيِّد، أي: أن يوجد فِي الذِّهْن مِنْ دُونِ أن يُلحظ معه قيد ولا مِنْ دُونِ أن لا يلحظ معه قيد، فكيف يمكن تصوّره؟ وهذا معناه ارتفاع النقيضين وهو مستحيل.
 إذن، لا يمكن أن يوجد هذا فِي الذِّهْن إلا فِي ضمن المطلق أو المقيَّد، إذن يستحيل وجودُه مستقلاًّ عن المطلق والْمُقَيَّد فِي الذِّهْن، إذن يستحيل تصوّره مستقلاًّ، إذن يستحيل وضع اللَّفظ له مستقلاًّ. إذن، الْفَرَضِيَّة القائلة بأن اسم الجنس مَوْضُوع فِي اللُّغَة للجامع بين المطلق والْمُقَيَّد مستحيلة؛ لأَنَّ تصوّر هذا الجامع غير معقول.
 هذا هو الإشكال الثُّبوتيّ الَّذي يواجهه الشق الثَّانِي أو الفرض الثَّانِي.
 وقد يجاب عن هذا الإشكال: بأن هذا الجامع وإن كان مستحيلاً وجودُه فِي الذِّهْن مستقلاًّ، إلاَّ أَنَّنَا لا نقبل أَنَّهُ يستحيل وضعُ اللَّفظ له مِن قِبَلِ الواضع؛ لأَنَّهُ وإن صَحَّ قولُكم من أنَّه لا بُدَّ للواضع من أن يتصوّر اللَّفظ ويتصور المعنى (يستحضر اللَّفظ ويستحضر المعنى) ولكننا لا ننسى ما ذكرناه فِي بحث الوضع من أَنَّهُ:
 تارةً: يكون الوضعُ خاصّاً والموضوع له خاصّاً وذلك كأسماء الأعلام (مثل أسماء الأشخاص وأسماء الأماكن وغيرهما).
 وأخرى: يَكُونُ الوضعُ عامّاً والموضوع له عامّاً كما فِي أسماء الأجناس.
 وثالثةً: يكون الوضع عامّاً لكن الْمَوْضُوع له خاصّ كالحروف والهيئات. أي: عندما أراد الواضع أن يضع لفظةَ «فِي» لهذا المعنى (الَّذي نفهمه من كلمة «فِي» وهو الظرفية) استحضر فِي ذهنه مفهوماً عامّاً (وهو مفهوم الظرفية، لٰكِنَّهُ مفهوم اسمي وليس مترادفاً مع «فِي» وإلا لَصَحَّ استعمال هذا فِي مكان كلمة «فِي» وبالعكس) لكن حينما يريد أن يضع لفظ «فِي» يضعها لأفراد ومصاديق وواقع الظَّرفيّات الموجودة خارجاً فالموضوع له خاصّ والوضع عامّ.
 وحينئِذٍ نسأل هل أن الواضع تصوّر هذه الظَّرفيّات أم لم يتصوّر؟ إن قلتم بأَنَّهُ لم يتصورها فكيف يضع لها اللَّفظ؛ لأَنَّ الوضع حكم والحكم يحتاج إلى تصوّر وإن لم يتصوّر المعنى لا يمكنه وضع اللَّفظ له؟ وإن قلتم بأَنَّهُ تصوّرها فَيَكُونُ تصوّره من خلال تصوّر وجهها وعنوانها (من خلال العنوان المشير) وهذا المقدار يكفي فِي باب الوضع ولا يشترط فِي باب الوضع أن يتصوّر الواضعُ المعنى بنفسه (أي: يحضر المعنى نفسَه إلى الذِّهْن)، وهذا المقدار هو أن عَلَىٰ الواضع إما أن يتصوّر المعنى لوضع اللَّفظ له وإما أن يتصوّر العنوان المشير إلى ذاك المعنى لكي يمكنه وضع اللَّفظ له.
 وحينئِذٍ نأتي بالكلام نفسه إلى المقام ونقول: إن كلامكم القائل بـ«استحالة استحضار الجامع بين المطلق والْمُقَيَّد» صحيح كما أن الظَّرفيّات الخارجية لا تحضر إلى الذِّهْن؛ لأَنَّ تلك الظرفية الموجودة بين هذا الماء وهذا الإناء متكونة من طرفيها، وبمجرد أن يزول الماء أو الإناء تتبخر تلك الظرفية، لكن تلك الظَّرفيّات أتت إلى الذِّهْن من خلال عنوانها المشير إليها، وهذا المقدار كان كافياً فِي باب الوضع، وهنا فِي أسماء الأجناس أيضاً يجب أن نقول بكفايته وبأن اسم الجنس مَوْضُوع للماهية الجامعة بين المطلق والْمُقَيَّد، إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه ولكن يستحيل وجود هذا الجامع بحدّه فِي الذِّهْن - كما قال صاحب الإشكال - لأَنَّهُ بمجرّد الحضور إلى الذِّهْن يزول حدّه لصيرورته إما مطلقاً وإما مقيّداً، لكن لَيْسَ من الضروري أن يستحضر الواضعُ هذا الجامعَ بنفسه حتّى يضع اللفظَ له، بل له أن يستحضر هذا الجامع من خلال عنوان اسمي مشير إليه، وهذا العنوان عبارة عن «الجامع بين المطلق والْمُقَيَّد»، كما أن واقع الظَّرفيّات هناك لم يكن بإمكانه أن يحضر إلى الذِّهْن، لكن ذاك العنوان الاِسْمِيّ (= الظرفية) كان عُنْوَاناً مشيراً إليه، وهنا أيضاً يمكن أن يتصوّر الواضعُ هذا الجامع بين المطلق والْمُقَيَّد من خلال عنوانه المشير، ثم يضع اللَّفظ لهذا الجامع (أي: للمعنوَن وليس للعنوان).
 هذا الكلام موجود فِي تقريرات السيد الهاشمي حفظه اللٰه لبحوث سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رحمه الله( [1] ) إلاَّ أن هذا الجواب لَيْسَ جواباً عن الإشكال قدر ما هو تسليم للإشكال؛ لأَنَّ نَتِيجَة هذا الجواب هي أن أسماء الأجناس لا يمكن أَنْ تَكُونَ موضوعة لهذا الجامع بنحو «الوضع العامّ والموضوع له العامّ» وهذا هو الاعتراف بالإشكال بأَنَّهُ يستحيل تصوّر الْمَاهِيَّة الجامعة بين المطلق والْمُقَيَّد وإنَّما قلتم: إما أن اسم الجنس بنحو العامّ والموضوع له العامّ يوضع لخصوص الْمَاهِيَّة المطلقة، وإما أن يوضع للجامع بين المطلق والْمُقَيَّد، لكن بنحو العامّ والموضوع له الخاصّ، وهذا معناه الاعتراف بالإشكال؛ لأنكم قبلتم بأن تصوّر هذا الجامع مستحيل بنفسه ولكن يمكن تصوّره من خلال وَجهه وعنوانه المشير.
 أَمَّا أَنَّهُ هل يمكن تصوّر هذا الجامع بنفسه أو لا يمكن، فسيأتي الكلام عنه غداً إن شاء اللٰه تعالى. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه.1546 كلمة


[1] - الهاشمي، بحوث فِي علم الأصول: ج3، ص409.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo